كمامة واقية لحماية الأرض من كورونا (تعبيرية)
كمامة واقية لحماية الأرض من كورونا (تعبيرية)
الخميس 9 أبريل 2020 / 20:08

الأخبار والأدعية

يصعب إخفاء خيط الشماتة الذي يتسلل في الكثير من التحليلات المتدفقة عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد اح الوباء للعالم، شماتة يمكن ملاحظتها في صياغة الخبر وتدويره وإعادة إنتاجه ليخدم رغبة خاصة، أو يدفع الحدث من كتفيه لينسجم مع اصطفاف سياسي أو يشير دون موجب لمصداقية غير ضرورية.

أدعية بسيطة تبدو بريئة بسبب التداول وكثرة الاستخدام ولكنها تتكئ في مرجعياتها وتغذيتها على فتاوى وصلت مع موجة صعود "المتدينين الجدد" و"الإسلام السياسي"، وازدهار بعض الدعاة الذين وصلوا في سياقه وحصلوا على المقاعد الأمامية في عربته

صياغة مكرسة بسذاجة، وسوء نية، لتقود المتلقي نحو منطقة لا علاقة لها بالجوهري، ولا أهمية لها في جدوله، حيث يقف كتّاب ومحلّلون وقراّء، يحدقون عبر شاشاتهم من العالم الافتراضي نحو الكوكب المريض، عالم افتراضي يتضاعف في العجز وقلة الحيلة.

شيء من المرض يتجول بموازاة كورونا الجديد، يمكن تتبعه بوضوح أكثر في التعليقات، والاستنتاجات التي تجيب بيقينية غريبة على أسئلة من نوع، أي عالم سنصل إليه بعد انتهاء موجة الوباء؟

ما هي الأرض التي ستضع البشرية أقدامها عليها عندما نخرج من النفق الطويل الذي نعبره الآن؟

كيف سيجري ترتيب القوى في العالم الذي سينشأ بعد مرور الجائحة؟ ومن الخاسر؟ ومن الذي سيخرج منتصراً؟

أسئلة تنبع من حقيقة بات يدركها الجميع، أن الأشياء لن تكون بعد الوباء كما كانت قبله، ولكنها، الأسئلة، تفقد شرعيتها وتنحرف مباشرة بعد المنعطف الأول، وتعود إلى رغبات ماضيها وماضي أصحابها، الرغبات غير المتحققة، المتراكمة مثل خسارات حصلت أخيراً على فرصة أن تكون تحليلاً يخفف من أساها.

غير بعيد وفي نفس المجرى تتدفق الأدعية، أدعية محفوظة ومصاغة بدقة جرى تلقينها ورعايتها وتوجيهها، أدعية تخص بلاداً بعينها، وديناً بعينه وطائفة دون سواها، تاركة بقية البشرية، وبقية البلدان، وبقية الأديان، والطوائف عراة خارج الدعاء تحت سيف الوباء.

يوظف صاحب الدعاء قوة دعائه ونفوذه كما لو أنه يضع "خارطة طريق"، محدداً بوضوح خطوط الرحمة المطلوبة، والمناطق المقصودة في الدعاء، والحدود التي ينبغي أن تقف عندها ولا تتجاوزها، نوعية الذين ينبغي أن تشملهم نعمة الرحمة المطلوبة وجنسياتهم ومعتقدهم، وأن تتخطى الذين لا يتمتعون بتلك المواصفات ولا يملكون الوثائق التي تثبت ذلك.

هناك من ينتظر المسيح عشية عيد الفصح، ويرى في الوباء طريقة سماوية لتحقيق النبوءة الخاصة به واستجابة واضحة لأدعيته.

في أحياء المتدينين اليهود يؤمنون بأنهم غير مستهدفين بالوباء ببساطة لأنهم "شعب الله المختار" وأن الأمر يخص "الأغيار"، بينما يواصل مسلمون ترديد الدعاء: "اللهم أبعد الوباء عن أمة الاسلام"

أدعية بسيطة تبدو بريئة بسبب التداول وكثرة الاستخدام ولكنها تتكئ في مرجعياتها وتغذيتها، على فتاوى وصلت مع موجة صعود "المتدينين الجدد" و"الإسلام السياسي"، وازدهار بعض الدعاة الذين وصلوا في سياقه وحصلوا على المقاعد الأمامية في عربته.

فتاوى عززت طائفية المستهدفين من جهة، ومعتقداتهم وخرافاتهم حول أنفسهم وحول "نعمة" الاعتقاد من جهة ثانية، وعززت ذكوريتهم الكامنة من خلال ضم النساء، وتكديس المآخذ على دورهن في إغواء المؤمنين من جهة ثالثة ورابعة، ولكنها، الفتاوى، لا تذهب إلى مدى إخراج النساء من طلب الرحمة، بحيث تضع شروطاً بعينها للحصول عليها، تشمل الزي، وطبقة الصوت، والطاعة الدنيوية للرجل، ما يبقي المرأة داخل الحدود المشمولة بالدعاء، ويسمح بتحميلها جانباً مهماً من المسؤولية عن الأخطاء التي قد تُرتكب بصفتها دفيئة للخطيئة.

خرجت النبوءات والأدعية الطائفية من خوف الناس وعفويتهم ومن جهلهم أيضاً، كما خرجت النظريات السياسية من الخسارة والهزائم والبحث عن نبوءات سياسية قادرة على تفكيك الهزائم.

ولكن كل شيء يأتي من الخوف ويذهب اليه.