النفوذ الصيني (تعبيرية)
النفوذ الصيني (تعبيرية)
الجمعة 17 أبريل 2020 / 16:46

الانكفاء الأمريكي في وكالات الأمم المتحدة يشجع النفوذ الصيني

يفتح تراجع دور الولايات المتحدة في شؤون العالم الباب أمام نفوذ صيني متزايد منذ سنوات في وكالات الأمم المتحدة، على غرار منظمة الصحة العالمية التي ندد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإدارتها لأزمة انتشار فيروس كورونا.

ويتّخذ هذا التقدم البطيء والمستمر "للقوة الناعمة" الصينية أشكالاً متعددة، إذ يستند إلى التزام مالي وعسكري، ويظهر عبر اكتساب مناصب في كل مكان بدءاً بمتدرب ووصولاً إلى مدير عام وكالة، وعبر علاقاتها مع كل الأطراف الممكنة.

يصح المثل على حالة القارة الإفريقية، فقبل عشر سنوات كان دين إفريقيا للصين ضئيلا. اليوم وفيما تكثف بكين في مشاريع الاستثمار في الدول الإفريقية عبر برنامجها العملاق "طريق الحرير"، بات يبلغ 140 مليار دولار، كما كشف مسؤول في الأمم المتحدة.

وبشكل آخر، يعتبر ذلك أداة قوية للاستفادة من الدعم الإفريقي في موضوع ما، في وكالة متعددة الأطراف على سبيل المثال.

وتتهم واشنطن منظمة الصحة العالمية التي يديرها الأثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرييسوس بالتقليل من أهمية انتشار الفيروس الذي ظهر في الصين، بضغط من بكين.

وقالت أليس أيكمان مسؤولة آسيا في المعهد الأوروبي لدراسات الأمن: "ما نلاحظه منذ أكثر من عشر سنوات خاصةً منذ 2012، مع رئاسة شي جين بينغ، هو نشاط قوي للدبلوماسية الصينية لإعادة هيكلة الحوكمة العالمية. الطموح قوي لأن الصين تتحدث عن قيادة إعادة الهيكلة هذه".

ويلاحظ الأمر ذاته في كثير من وكالات الأمم المتحدة، الولايات المتحدة تنطوي على نفسها، والصين ترسم خطها دون اللجوء أبداً إلى مواجهة.

بالإضافة إلى زيادة المشاركة في قوات حفظ السلام في العالم، باتت بكين ثاني أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة في نيويورك، بعد الولايات المتحدة لتحل مكان اليابان.

ولا شك أن المال الأداة المفضّلة عندما يتعلّق الأمر بالوكالات الدولية، كما هو الحال في اليونسكو في باريس. فقد ترافق انسحاب الولايات المتحدة في مطلع 2019 من المنظمة التي تتهمها الانحياز على حساب اسرائيل، مع نفوذ متزايد للصين في هذه الوكالة التي أصبحت أول مساهم فيها.

وبكين حاضرة جداً أيضاً في البرامج التعليمية للنساء والفتيات، كما أن المسؤول الثاني في اليونسكو هو الصيني شينغ تشو.

وقال مسؤول رفض كشف  اسمه لوكالة فرانس برس: "نجحنا في إيجاد توازن، إنهم موجودون بشكل قوي، دون فرض شيء".

بالنسبة للعديد من الموظفين الرسميين في الأمم المتحدة في العالم، فان "الموضوع الأساسي هو الفراغ الذي خلفه الآخرون".

وكتبت أستاذة الاقتصاد في لشبونة كاتيا باتيستا في صحيفة "واشنطن بوست" الخميس "مع تراجع هيمنة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وتفكك أوروبا، ومتابعة الصين لمصالحها الخاصة، نحن بالفعل في مواجهة مشكلة".

تثبت سلطة الصين أيضاً في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، فاو في روما كما في منظمة الطيران المدني الدولي، في مونتريال.

في 2019 تولى الوزير الصيني السابق تشو دونغيو رئاسة منظمة الأغذية والزراعة، فيما يدير صيني أيضا منظمة الطيران المدني الدولي منذ 2015، هو فانغ ليو.

يقول أحد الخبراء في الوكالة المسؤولة عن تنظيم النقل الجوي، إن النفوذ الصيني "حقيقي ومتزايد" موضحاً أن بكين باتت الآن ثاني مساهم مالي فيها، بعد واشنطن.

وفي نهاية 2019، علقت الولايات المتحدة مساهمتها المالية في منظمة الطيران المدني الدولي لتسريع الإصلاحات. وقال المصدر نفسه رافضاً كشف اسمه: "إنهم يستخدمون مساهمتهم وسيلة للضغط".

وفي اليونسكو لم يؤد هذا التكتيك الأمريكي إلى تداعيات كبرى تقلب المقاييس في المنظمة، فماذا سيحصل في منظمة الصحة العالمية؟

في فيينا كان الانصراف النسبي للقوى الكبرى الغربية عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في بلدان الجنوب، وراء استخدامها من الصين "نقطة انطلاق" لزيادة نفوذها في المنظمات الدولية. ولا يزال مديرها العام الوزير الصيني السابق لي يونغ الذي تولى مهامه منذ 2013، في منصبه.

أما في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فان الولايات المتحدة، أكبر مساهم مالي قبل الصين، تقول إنها لم تفقد نفوذها منذ الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين ايران والقوى الكبرى.

ولكن الواقع مختلف بعض الشيء لأن الصينيين باتوا في الصفوف الأمامية مع الروس، والأوروبيين.

وقالت أليس ايكمان: "بعد انتخاب دونالد ترامب، عززت الصين مكانتها قوةً ضامنةً لتعددية الأطراف" مضيفةً أن "أزمة كورونا تشكل حدثاً ثانياً مسرّعاً" لتواصل بكين "الاستثمار في الحوكمة العالمية في كل الاتجاهات". وتابعت "ومنظمة الصحة العالمية ليست سوى مؤسسة بين مؤسسات أخرى".

وأوضحت "على المدى الطويل، ترغب الصين في ظهور حكم عالمي لفترة ما بعد حكم الغرب، تتولى فيه دوراً مركزياً".