الثلاثاء 19 مايو 2020 / 12:10

الضيق المالي لإيران يضطرها إلى قرار تكتيكي في سوريا

لفت مجيد رفيع زاده، باحث سياسي أمريكي من أصل إيراني، إلى أن العقوبات الأمريكية على إيران وسياسة الضغط القصوى لإدارة ترامب تجبر طهران على تغيير سياستها تكتيكياً تجاه أقوى حليف لها؛ سوريا.

سياسة الضغط القصوى الأمريكية تدفع إيران في الاتجاه الصحيح، ولكن على الدول الأخرى أن تتبنى هذه السياسة الواعية من أجل تقويض نظام الملالي في طهران

وكتب في صحيفة "ذا آراب نيوز"، أن وقف تدفق الأموال أدى إلى تقويض جهود القادة الإيرانيين لتمويل ورعاية العديد من الميليشيات، إضافة إلى خفض نظام الملالي في طهران قواته في سوريا وتقليص المساعدات المالية للحكومة السورية.
  
تراجع الصادرات النفطية
ومنذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، واعتماد سياسة الضغط القصوى، باتت صادرات النفط الإيرانية في انخفاض مستمر. وقبل الموقف الأمريكي الأكثر صرامة إزاء ملالي طهران، كانت إيران تصدر أكثر من 2,5 مليون برميل يومياً، ولكن انخفضت صادراتها منذ ذلك الحين إلى نحو 200 ألف برميل فقط يومياً، وهو انخفاض بأكثر من 85%.

ويُشير الكاتب إلى أن وقف تدفق الأموال إلى الحكومة الإيرانية أسفر عن تخفيض طهران لمساعدتها المالية لدمشق ومجموعات الميليشيات المختلفة. وكشفت صحيفة "الوطن" السورية عن وقف إيران خط الائتمان للحكومة السورية في عام 2018، وأضافت أن نظام الملالي يواجه صعوبة في شحن النفط إلى سوريا، مما أدى إلى نقص في الوقود.

واضطرت إيران أيضاً إلى قطع الأموال عن ميليشياتها في سوريا، ولم تتمكن من دفع بعض رواتب المسلحين. وقال أحد المقاتلين في سوريا العام الماضي لصحيفة "نيويورك تايمز": "ولت الأيام الذهبية ولن تعود أبداً، إذ لا تملك إيران ما يكفي من المال لتعطينا".

تقليص الوجود الإيراني في سوريا
ويرى الكاتب أن ثمة عوامل أخرى اضطرت إيران إلى تقليص وجودها في سوريا وهي انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد والانخفاض العالمي في أسعار النفط، وستقود هذه العوامل على الأرجح إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بشكل أكبر، الأمر الذي يجبر نظام الملالي على خفض الإنفاق العسكري.

وحتى قبل انتشار وباء كورونا، عدّل صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد الإيراني في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن ينكمش بنسبة 9,5% في عام 2019 بدلاً من 6% فقط حسب التوقعات السابقة.

ويورد الكاتب أن طهران اضطرت أيضاً إلى تحويل تركيزها من سوريا إلى القضايا المحلية؛ حيث تواجه عجزاً كبيراً في الميزانية وتنفد الخيارات المتاحة لتحقيق إيرادات بسبب سياسة الضغط القصوى الأمريكية وفيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.

وبحسب صحيفة "كيهان" الإيرانية اليومية التي تديرها الدولة، فإن استمرار الركود لن يقود فقط إلى مزيد من الانخفاض في الدخل وضيق سبل العيش، ولكنه أيضاً سيمنع تحصيل جزء كبير من عائدات الضرائب الحكومية المتوقعة في ميزانية 2020 – 2012، وهو ما يعني تفاقم العجز السابق.

تحول تكتيكي لا استراتيجي
ويعتبر الكاتب أن موقف الولايات المتحدة المتشدد إزاء طهران شجع إسرائيل ومكّنها من استهداف قواعد إيران في سوريا، الأمر الذي يُشكل ضغطاً كبيراً على نظام الملالي. ومن المتوقع أيضاً أن يزيد تطبيق قانون "قيصر" الأمريكي، المقرر دخوله حيز التنفيذ في 17 يونيو (حزيران) المقبل، من تفاقم وضع إيران، خاصة أنه سيفرض عقوبات إضافية على أي دولة وكذلك الشركات الخاصة التي تساعد الحكومة السورية.

ولكن الكاتب يلفت إلى أن قرار نظام الملالي بتقليص قواته في سوريا وخفض التمويل لميليشياته هناك لا يُشكل نقلة جوهرية في سياسة إيران إزاء سوريا، فهذا تحول تكتيكي لا استراتيجي. ويوضح تاريخ نظام الملالي المستمر منذ أربعة عقود، أنه عندما يتعافى الاقتصاد الإيراني، فإن نظام الملالي سيعود إلى نهجه في تعزيز ودعم وتسليح الميليشيات والنظام السوري.

تقويض نظام الملالي
ويقول الكاتب: "لكي تصبح سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران أكثر فعالية وتنتج عنها آثار طويلة الأمد على سياسة طهران في سوريا، على الاتحاد الأوروبي أن يلتزم أيضاً بعمل مشترك هادف مع شريكه عبر الأطلسي لوضع حد للسلوك الإيراني المارق وزعزعة الاستقرار في سوريا".

وبينما تسير السياسة الأمريكية تجاه النظام الإيراني في الاتجاه الصحيح، يحض الكاتب واشنطن أيضاً على التعاون الوثيق مع حلفائها في المنطقة؛ لأن تشكيل جبهة موحدة، وعقوبات مشتركة، من شأنه أن يبعث برسالة واضحة ويقود إلى تضييق الخناق الاقتصادي، الأمر الذي يجبر الحكومة الإيرانية على التركيز على أجندتها المحلية بدلاً من نفوذها في سوريا.

ويخلص الكاتب إلى أن سياسة الضغط القصوى الأمريكية تدفع إيران في الاتجاه الصحيح، ولكن على الدول الأخرى أن تتبنى هذه السياسة الواعية من أجل تقويض نظام الملالي في طهران.