الخميس 21 مايو 2020 / 14:08

سلطة رجال الدين في إيران تتراجع أمام الحرس الثوري

عرض في الآونة الأخيرة فيلم إيراني للرسوم المتحركة يظهر معالجين تقليديين، من بينهم رجل دين معمم، يحضر وصفة لمريض بفيروس كورونا مكونة من أكواب من بول الجمال وزيت أوراق البنفسج، وهي أدوية أشاد بها بعض رجال الدين كعلاجات لكوفيد-19 .

سلطات رجال الدين تراجعت ضمن أروقة السلطة، وسط صعود دراماتيكي للحرس الثوري الإسلامي الذي يسيطر على قطاعات اقتصادية وإعلامية وسياسية واسعة

وظهرت ضمن فيلم الكرتون صورة معلقة على جدار للمرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، مع قبعة ممرض ويضع إصبعاً على شفتيه، في إشارة تحذير لمنتقديه لالتزام الصمت.

وقالت إرين كانينغهام، محررة لدى صحيفة "واشنطن بوست"، تغطي إيران وتركيا وسوريا والمنطقة الأوسع نطاقاً، إن الفيديو نشر الشهر الماضي، على موقع وكالة أنباء العمل الإيرانية، قبل أن يحذف سريعاً.

انتقاد نادر
وترى كاتبة المقال في نشر الفيديو، رغم قصر مدة عرضه، انتقاداً نادراً من وسائل الإعلام للمؤسسة الدينية الحاكمة في إيران، وجاء في خضم استياء واسع النطاق بين الإيرانيين حول الدور الذي لعبه رجال الدين الشيعة أثناء الوباء.

ومنذ بداية تفشي الوباء في مدينة قم المقدسة، رفض قادة دينيون دعوات لفرض حجر صحي، وعارضوا إرشادات بشأن إغلاق الأضرحة، واعتبروا فيروس كورونا بمثابة مؤامرة أمريكية، وروجوا لدواء تقليدي أو إسلامي كترياق للمرض الذي يسببه كوفيد- 19. وقد أغضبت إرشاداتهم كبار الأطباء، وأثارت شكوكاً قائمة منذ وقت طويل في أوساط الشعب الإيراني حول ما إذا كان رجال الدين أهلاً للحكم.

استجابة فاشلة
ويشير محللون سياسيون إلى أن رجال الدين في إيران الذين يتزعمون الدولة يواجهون تحديات كبيرة قد تضعف مكانتهم السياسية، في وقت بات نفوذهم معرضاً لضغوط.

ومع تخبط النخبة السياسية وارتفاع حصيلة الوفيات من الفيروس، أعلنت إيران عن قرابة 7000 حالة وفاة وأكثر من 118,000 إصابة بالعدوى- وتدخلت القوى الأمنية النافذة لمراقبة انتشار المرض، وتطهير الأماكن العامة، وحتى الإشراف على مراسم تشييع الضحايا، دور لطالما احتفظ به للسلطات المدنية ورجال الدين الشيعة.

ويقول إيرانيون داخل البلاد ومحللون إن الوباء سلط الضوء على تراجع مكانة رجال الدين فيما منح القوات المسلحة فرصة لتعزيز سلطتهم. إنها ديناميكية لها آثارها على مستقبل إيران السياسي، مع احتدام المعركة لخلافة خامنئي، وتنامي شعور لدى أبناء الطبقة الوسطى بالاستياء من الحكومة الثيوقراطية.

نقطة اللاعودة
في هذا السياق، كتب مهدي خلاجي، زميل لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ضمن تحليل سياسي إن مقاومة رجال الدين المؤكدة لدور الدولة في السيطرة على الفيروس، ستكون بلا شك نقطة لاعودة بالنسبة لانعدام ثقة الشعب الإيراني برجال الدين والشك بقدرتهم على ممارسة سياسات راجحة في المجال السياسي أو الاجتماعي.

وحسب خلاجي الذي تدرب سابقاً كرجل دين في قم إن "فشل رجال الدين الملحوظ في الاستجابة بالشكل المناسب للوباء، سيجعل أطراف السلطة أقل انشغالاً بالسعي للحصول على دعم عقائدي أو سياسي من رجال الدين بعد انقضاء عهد خامنئي".

وقال محمد، متقاعد، 70 عاماً، يقيم في طهران: "أستطيع القول إن رجال الدين فقدوا المزيد من المصداقية. وكان بمقدورهم تلميع صورتهم عبر مساعدة المحتاجين أو تقديم الدعم المعنوي للضحايا، ولكنهم دمروا تلك الصورة أكثر فأكثر من خلال إبداء رأيهم في أشياء لا يعرفون عنها شيئاً، كالأدوية".

وتر حساس
ووفق مؤسسة "إعلاميون بلا حدود"، دق الكرتون الذي يصور معالجين مخادعين على وتر حساس عند الحكومة التي يديرها ملالي إيران. وفيما يقيم الفنان رضا آجلي منتج فيلم الكرتون في المنفى بعيداً عن السلطات، ألقي القبض على مدير القناة التي عرضت الفيلم في نهاية الشهر الماضي بتهمة إهانة "مبادئ إسلامية مقدسة" وزعماء دينيين.

وقال آجلي: "أعتقد أنه لم تتراجع شعبية رجال الدين فحسب، بل تدنت بسببهم شعبية التدين عموماً إلى أدنى مستوى".

ويقول محللون سياسيون إن سلطات رجال الدين تراجعت ضمن أروقة السلطة، وسط صعود دراماتيكي للحرس الثوري الإسلامي الذي يسيطر على قطاعات اقتصادية وإعلامية وسياسية واسعة.

وفي ذات السياق، قال علي ألفونه، مؤلف كتاب: "كشف النقاب عن إيران: كيف يحول الحرس الثوري إيران من سلطة دينية إلى ديكتاتورية عسكرية" ستشهد إيران، عاجلاً أم آجلاً، اتهامات لرجال الدين ومؤسسي الجمهورية الإسلامية بالخيانة ومعاداة الثورة والعمالة للخارج، وقد يساقون إلى السجن على يد الحرس الثوري الإسلامي".

انقسامات
وتشير الكاتبة إلى أنه حتى فيما تواصل إيران مكافحة أكبر تفشي للفيروس في الشرق الأوسط، أعلنت منظمة التنمية الإسلامية، هيئة ثقافية ودينية مرتبطة بالمرشد الأعلى، عن إعادة افتتاح جميع المساجد في إيران خلال الشهر الحالي.

ولكن لم يتخل جميع رجال الدين الإيرانيين عن الطب الحديث كما لم يعارضوا الإرشادات الصحية العامة، ودعم عدد كبير منهم حظراً مؤقتاً للصلوات الجماعية، وفرضت النظافة في المساجد.

وحسب الكاتبة، كشف الوباء أيضاً عن انقسام قديم ضمن صفوف رجال الدين بين من يدعمون دورهم في إدارة البلاد، وبين فصائل دينية تقليدية ترى أنه من الحكمة أن يبقوا منفصلين عن الحكومة.