احتجاجات في طهران بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية مطلع السنة.(أرشيف)
احتجاجات في طهران بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية مطلع السنة.(أرشيف)
الجمعة 22 مايو 2020 / 09:44

ماذا وراء استرضاء إيران للولايات المتحدة؟

لفت أحمد عبودو، محرر بارز لدى صحيفة "إندبندنت" البريطانية متخصص في قضايا الشرق الأوسط، إلى ابتعاد إيران عن سياسة حافة الهاوية نحو تبني فن استرضاء الولايات المتحدة، متوقعاً أن تستمر هذه الاستراتيجية الإيرانية الجديدة خلال ما تبقى من مدة رئاسة دونالد ترامب.

ولى زمن اعتقاد إيران أنها تتمتع بميزة الحفاظ على سياستها التصادمية تجاه الولايات المتحدة على أساس هزيمة محتملة لترامب في انتخابات الرئاسة في نوفمبر

وتحدث الكاتب عن محادثات سرية بين الخصمين نتج عنها تأمين تعيين مصطفى الكاظمي، سياسي يميل إلى الولايات المتحدة، رئيساً لوزراء العراق. كما يقال أن إيران لعبت دوراً رئيسياً في مساعدة واشنطن على تسهيل إجراء مصالحة حيوية بين قوتين متنافسين رئيسيتين في أفغانستان – الرئيس أشرف غاني ومعارضه عبد الله عبد الله. وثمة معلومات عن محادثات حول انسحاب قوات إيرانية من سوريا، هدف استراتيجي لطالما سعت إدارة ترامب لتحقيقه.
وفي المقابل، وافقت واشنطن على إعفاء دول تتاجر مع إيران من عقوبات اقتصادية صارمة.

سببان
وحول أسباب هذه التحول، يقول الكاتب، إن حدثين كسرا الجليد: اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في يناير( كانون الثاني)، والاجتياح العالمي لفيروس كورونا.

ومنذ الثورة الإسلامية في عام 1979، لم تعرف إيران بديلاً عن سياسة خارجية تقوم على جر الخصوم نحو حافة الحرب لكن دون الانزلاق فيها. ووفقاً لهذه الاستراتيجية، كانت هناك لحظات أجبر فيها النظام على إعادة التفكير بسياسته، عندما بدأ يعتقد أن وجوده بات في خطر.

وحسب الكاتب، كانت إحدى تلك اللحظات حرب العراق عام 2003، التي جعلت إيران مرعوبة من غزو أمريكي وشيك. فقد وجدت إيران عند خلع نظام صدام حسين بسرعة مذهلة أنه لم يعد أمامها خيار سوى الانخراط مباشرة في دعم أجندة الولايات المتحدة الأمنية في كل من العراق و أفغانستان.

وكان اغتيال سليماني بمثابة بؤرة توتر أخرى في تاريخ العلاقات الأمريكية-الإيرانية. فقد وجه الحادث رسالة واضحة إلى إيران، وإلى كامل منطقة الشرق الأوسط، أنه ليس لدى إدارة ترامب خطوط حمراء بشأن الدخول في صراع. كما أبرزت العملية عدم حاجة الولايات المتحدة لتوريط نفسها في حرب كبيرة من أجل تقويض القوة العسكرية والأمنية الإيرانية.

خطوة طائشة
وحسب ديبلوماسي عربي بارز، كانت تلك خطوة طائشة لكنها أثمرت" تحولاً كبيراً في توازن الفكر الأمني" داخل النظام الإيراني.

لكن الكاتب يرى أيضاً أن لحظة إعادة التفكير امتدت عبر جميع مناحي السلطة داخل إيران. فقد أصاب فيروس كورونا اقتصاداً تعرض فعلياً لاضطراب كبير جراء عقوبات فرضتها الولايات المتحدة، بعد انسحابها من الصفقة النووية في 2018.

ولذا تفيد تقارير إعلامية إيرانية أن سحب أصول عسكرية من مناطق صراع عبر المنطقة لم يوجه فقط رسالة إلى الولايات المتحدة بشأن تخفيف التصعيد، بل يخدم بروباغندا مفيدة لخطط النظام الإيراني بهدف إخماد غضب محلي يتعلق بتراجع مستويات المعيشة، وقمع مواطنين عاديين. وقد يؤدي ركود طويل الأمد لإثارة اضطراب سياسي، في وقت تفرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران.

ويلفت كاتب المقال للذهول الذي حل بالسلطات الإيرانية في بداية العام الجاري عندما خرجت احتجاجات كبيرة إثر الاعتراف بإسقاط طائرة أوكرانية في يناير( كانون الثاني)، خطأ تم نفيه بداية ومن ثم حملت مسؤوليته إلى "خطأ بشري". كما كشفت شعارات وهتافات أن عدداً من الإيرانيين فقدوا صبرهم، وباتوا مستعدين لخوض مواجهة مباشرة مع الآلة الوحشية الحكومية. والآن يبدو أن السلطات مرعوبة، وخاصة بسبب التبعات السياسية الطويلة الأمد لتفشي فيروس كورونا.

تسوية مثالية
ويعتقد الكاتب أنه ولى زمن اعتقاد إيران أنها تتمتع بميزة الحفاظ على سياستها التصادمية تجاه الولايات المتحدة على أساس هزيمة محتملة لترامب في انتخابات الرئاسة في نوفمبر( تشرين الأول). ولا شك في أن السلطات الإيرانية سترحب بجو بايدن كرئيس للولايات المتحدة إن اتبع عقيدة أوباما في معالجة العلاقات بين البلدين. لكن عدداً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين( سواء معتدلين أو متطرفين)، يعتقدون أن بلدهم لا يستطيع الصمود بالوضع الاقتصادي الحالي لمدة أربع سنوات محتملة أخرى في ظل وجود ترامب في البيت الأبيض.

وحسب الكاتب، شكل فيروس كورونا توافقاً بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بشأن تحويل موارد من أجل مواجهة طويلة مع الصين. ويتوقع أن يغير هذا التنبؤ الحسابات الاستراتيجية في إيران باتجاه التوصل إلى صفقة نووية جديدة وأكثر شمولاً مع الغرب، ويحتمل أن تشمل أيضاً ترتيبات حول قضية نفوذها الإقليمي. وقد يثبت أن هذا يمثل تسوية مثالية بالنسبة لإيران، وهي تسعى جاهدة لتجنب أن يصبح نزاعها حصة من حرب باردة صينية - أمريكية جديدة.

لذا لا عجب أن يتوصل مسؤولون إيرانيون إلى إدراك أن عليهم التفكير بشكل مختلف فيما يدخل بلدهم في نظام عالمي جديد غير مؤكد. وقد تبدو المهادنة أفضل خيار، وإن إلى حين.