منصات صواريخ باتريوت الأمريكية.(أرشيف)
منصات صواريخ باتريوت الأمريكية.(أرشيف)
الجمعة 22 مايو 2020 / 11:38

هل يكرر البنتاغون خطأه في الشرق الأوسط؟

أوضح المحللان جون حنا وبرادلي بومان في مجلة "فورين بوليسي" أن سحب واشنطن بطاريتي صواريخ باتريوت ومقاتلات عدة من السعودية في 7 مايو (أيار) الحالي ارتبط بجهود البنتاغون لإدارة موارده وتحويل العديد منها إلى مناطق خارج الشرق الأوسط. أضاف حنا، وهو مستشار بارز لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وبومان، المدير البارز لمركز القوة العسكرية والسياسية التابع للمؤسسة عينها، أنّ هذه ليست هي محاولة البنتاغون الأولى لتنفيذ هكذا قرار. وكالمحاولات السابقة، ستترافق تلك الحالية مع المخاطر.

يقول كثر في البنتاغون إن كل انتشار في الشرق الأوسط يخفف من قدرة ردع الصين في المحيط الهادئ

بينما يمكن أن يكون سحب بعض القوات من المنطقة خطراً ضرورياً وقابلاً للإدارة، فإن سحب العديد منها قد يوجه الرسالة الخاطئة حول الإمكانات الأمريكية ويفتح المجال أمام نزاع إقليمي متصاعد يريد البنتاغون تجنبه بقوة. يقلب هذا القرار، على الأقل جزئياً، التعزيز العسكري الأمريكي الذي بدأ بناؤه السنة الماضية في الشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الإيرانية.
في المحادثات الخاصة، شرح المسؤولون الأمريكيون أن هذا الانتشار الإضافي في السعودية كان إجراء موقتاً لتقوية الإمكانات الدفاعية السعودية ومواجهة تصاعد فجائي في الاعتداءات الإيرانية. وحين تصبح الترتيبات المناسبة جاهزة لإغلاق الثغرات في الدفاعات السعودية، كان على الانتشار الطارئ أن ينتهي.

ما عليها سوى لوم نفسها
أضاف الكاتبان أنّ الصواريخ الدفاعية والمقاتلات هدفت بشكل واضح إلى رد التهديدات الصادرة من إيران. بعد هجمات 14 سبتمبر (أيلول) على حقل خريص النفطي ومنشأة أبقيق للتكرير، أرسل البنتاغون العديد من الجنود والتجهيزات إلى السعودية. شمل هذا الانتشار بطاريات باتريوت لزيادة الإمكانات الدفاعية السعودية.

سيتم سحب البطاريتين اللتين كانتا تحرسان المنشآت النفطية فيما ستبقي واشنطن على البطاريتين اللتين تحرسان قاعدة الأمير سلطان الجوية بحسب التقارير. وإذا ولّد القرار التشويش لدى الحلفاء وأطلق تكهنات حول دوافعه، فما على واشنطن إلا لوم نفسها.

تكتيك لا غير
من وزارة الدفاع مروراً بوزارة الخارجية وصولاً إلى البيت الأبيض، لم يبدُ أحد مستعداً لتوفير تفسير علني قاطع للقرار والتشديد على التزام الولايات المتحدة بالشركاء الإقليميين. لهذا السبب برز فراغ في المعلومات سرعان ما تم ملؤه بالإشاعات والتكهنات. في محاولة غير ناجحة للحد من الأضرار، وصف الناطق باسم البنتاغون شون روبرتسون الانسحاب بأنه جزء من مسار إعادة انتشار دولي "ينقل بشكل روتيني القوات والأصول لمواجهة التهديدات الناشئة والحفاظ على الاستعداد".

لكن في إطار حملة ضغط أقصى مستمرة على إيران، إن انسحاباً منفذاً بطريقة سيئة أو مفسراً بطريقة ضعيفة سيخرج عن مساره الروتيني. حتى ولو كان هنالك انخفاض اليوم في الهجمات التي تشنها إيران ووكلاؤها، تقترح أربعة عقود من التاريخ وأكثر أن هذا الأمر مجرد توقف عملاني تكتيكي عوضاً عن أن يكون تغييراً استراتيجياً في المسار.

هذه هي النقطة المهمة
في الشهر الماضي، أرسلت طهران 11 زورقاً مسلحاً لمضايقة السفن الأمريكية في خطوة وصفتها البحرية الأمريكية بأنها "خطيرة واستفزازية." في مارس (آذار)، أطلق وكلاء إيران عدداً من القذائف على قواعد عسكرية أمريكية في العراق. وفي سوريا، شنت إسرائيل غارات متكررة لمكافحة جهود إيران المتواصلة لتجهيز حزب الله بأسلحة دقيقة.

قال روبرتسون إن الولايات المتحدة تحتفظ "بقدرات قوية في مسرح العمليات، بما فيها الدفاع الجوي، لمعالجة أي طوارئ مرتبطة بإيران وفقاً للحاجة." وأضاف روبرتسون: "نحتفظ أيضاً بالقدرة على زيادة هذه القوات بسرعة." يرى الكاتبان أن هذه هي نقطة يجب على واشنطن وحلفائها الإقليميين التشديد عليها، وإلا فبإمكان طهران مقاربة الانسحاب على أنه التزام متضائل بالدفاع عن الشركاء الأمريكيين والمصالح الإقليمية. يفتح هذا الأمر المجال أمام المزيد من الاعتداءات التي تريد واشنطن تفاديها.

طلب كبير على باتريوت
شددت مصادر سعودية الأسبوع الماضي على أن الرياض ستنشر أنظمة باترويت خاصة بها للحلول مكان البطاريات المغادرة. استغل السعوديون الأشهر الماضية لتعزيز دفاعاتهم وقيادة تدريبات إضافية مع المستشارين الأمريكيين. وجد المحللان أنه من المنطقي استخدام السعوديين ترسانتهم الدفاعية الجوية لحماية أصول المملكة الاقتصادية الحيوية. وبالنظر إلى التهديدات الإيرانية المتزايدة ضد القوات الأمريكية، من السهل فهم سبب الطلب الكبير على صواريخ باتريوت.

بعد إطلاق إيران 16 صاروخاً بالستياً على قاعدتين أمريكيتين شمال العراق في يناير (كانون الثاني)، نشر البنتاغون الباتريوت في تلك البلاد. وشددا على ضرورة توفير الكونغرس وإدارة ترامب إمكانات صاروخية دفاعية لتفادي ترك أعداد كبيرة من الجنود والتجهيزات من دون حماية وفي مرمى نظام عدواني.

توازن صعب لكن غير مستحيل
في هذه الأثناء، يقول كثر في البنتاغون إن كل انتشار في الشرق الأوسط يخفف من قدرة ردع الصين في المحيط الهادئ. استبقت استراتيجية الدفاع القومي لسنة 2018 هذا الضغط فرأت أن الصين وروسيا هما "أولويتان أساسيتان" لكنها شددت على ضرورة حفاظ الجيش الأمريكي على جهوده "لردع ومواجهة" إيران.

كتب المحللان عن صعوبة إيجاد التوازن الحقيقي بين ردع إيران والصين حتى بالنسبة إلى أفضل جيش في العالم. إن الكثير من الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط سيحرمون البنتاغون من الموارد التي يحتاج إليها في أماكن أخرى، لكن وجود أعداد قليلة فقط منهم قد يسمح بعودة داعش أو يحفز إيران على شن اعتداءات إضافية.

درس غير بعيد
في 2018، سحب وزير الدفاع السابق جايمس ماتيس أربع بطاريات باتريوت وحاملة طائرات من الشرق الأوسط لتوجيهها إلى آسيا. بعد أقل من سنة، أعيد سحبها باتجاه الخليج العربي لمواجهة الاعتداءات الإيرانية ومن ضمنها الهجوم الدقيق على منشآت النفط السعودية. ما حصل يعني أنه إذا ذهب البنتاغون بعيداً في سحب القوات فيجب، بحسب حنا وبرادلي، توقع عودتها سريعاً حين تبرز الأزمة التالية.