الأربعاء 27 مايو 2020 / 12:59

هل ينتزع الكاظمي سيادة العراق من إيران؟

كتب المحلل السياسي حمدي مالك، في تقرير بـ "فورين أفيرز" الأمريكية، أن الظروف التي بدأ فيها رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي عمله مواتية لتقويض النفوذ الإيراني في العراق، خاصةً أنه يتطلع إلى وضع الميليشيات الشيعية تحت سيطرة بغداد، وانتزاع سيادة بلاده من إيران.

تبدو الفصائل العراقية الموالية لإيران في أضعف موقع لها منذ سنوات، الأمر الذي يعتبر توقيتاً مناسباً لكي يبدأ رئيس الوزراء العراقي الجديد في وضع هذه الميليشيات تحت سيطرة الدولة

وأعلن الكاظمي في بيان حكومي قصير قدمه للبرلمان العراقي نيته "الجريئة"، على حد وصف التقرير، فرض هيبة الدولة العراقية بوضع الجماعات المسلحة تحت سيطرة الحكومة، ذلك أن الضرر الذي لحق بمكانة الدولة كان في المقام الأول من استجابة الجماعات المسلحة الموالية لإيران لقادة الحرس الثوري الإيراني بدل قادة العراق.

ميليشيات الحشد الشعبي
ويوضح الكاتب أن الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء وغيرها، تعمل خارج الولاية القضائية للدولة العراقية، وهي جزء من قوات الحشد الشعبي المظلة العسكرية التي تخضع بالاسم لقيادة عراقية، ولكنها في واقع الأمر تلعب دوراً محورياً في تنفيذ مشروع الهيمنة الإيراني في أنحاء المنطقة.

وحاولت الإدارات العراقية السابقة الحد من نفوذ الميليشيات المسلحة ولكنها فشلت في نهاية المطاف. وعلى سبيل المثال سعى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، 2014 و 2018، إلى وضع هذه الميليشيات تحت سيطرة الدولة والحد من طموحاتها السياسية، وطالب بالشفافية في إنفاقها وفصل أجنحتها العسكرية والسياسية.

ولكن السياسيين المدعومين من إيران تفوقوا على العبادي كما تغلبوا على بديله عادل عبد المهدي الذي تولى رئاسة الوزارة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018.

وفي 2019، رفع عبد المهدي ميزانية الحشد الشعبي بـ 20%، وتمكنت الميليشيات المدعومة إيرانياً، من توسيع وجودها في مناطق استراتيجية، بما في ذلك على طول الحدود العراقية السورية التي تتنقل عبرها بحرية تقريباً.

نقطة تحول
ويخطط الكاظمي لإنهاء هذا الوضع، وتوحي التطورات الأخيرة في العراق وفي المنطقة الأوسع نطاقاً بأن لرئيس الوزراء الجديد فرصة أفضل بكثير من أسلافه لكبح نفوذ الميليشيات وهو ما يعني بالتبعية كبح نفوذ إيران.

ويعتبر تقرير المجلة الأمريكية أن احتجاجات العراق منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تُعد بمثابة نقطة تحول، إذ لم تنجح حتى حملة القمع الوحشية في إخماد الثورة التي استمرت حتى انتشار فيروس كورونا الجديد.

وكانت أغلبية المتظاهرين من الشيعة الذين يعترضون بشدة على تدخل إيران في شؤون بلدهم، وأجبرت الاحتجاجات عبد المهدي على الاستقالة، وطالبت بإنهاء التدخل الإيراني، ودعمهم على السيستاني، أعلى مرجعية شيعية في البلاد.

ويقول التقرير: "يتولى الكاظمي زمام الأمور مباشرة عقب هذه الأحداث، وبسببها ربما يرى رئيس الوزراء الجديد طريقه واضحاً للحد من النفوذ الإيراني في البلاد".

فتوى السيستاني
ويلفت التقرير إلى أهمية الدور الذي يلعبه السيستاني، ففي 2014 استولى داعش على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية من حكومة بغداد، وأصدر السيستاني فتوى تدعو جميع الرجال القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال في ظل المؤسسات الأمنية للدولة.

ولكن الميليشيات المتحالفة مع إيران استغلت الفرصة لإنشاء الحشد الشعبي، وهي منظمة عسكرية موازية بميزانية قدرها 2.16 مليار دولار، وتضم 135 ألف مقاتل مسلح.

وتعد هذه المنظمة عنصراً رئيسياً في خطط الحرس الثوري الإيراني لممارسة نفوذه في العراق وخارجه.

وحسب التقرير، يسعى السيستاني إلى تجريد هذه الميليشيات من شرعيتها الدينية، وبالفعل انشقت أربعة فصائل شيعية شبه عسكرية تابعة للسيستاني، هي فرقة العباس، والإمام على، ولواء علي أكبر،وكتائب أنصار المرجعية عن الحشد الشعبي في أبريل (نيسان) الماضي، وأعربت عن نيتها في مساعدة الآخرين على القيام بالشيء نفسه.

ويعني انفصال فصائل السيستاني عن الحشد الشعبي أن الأخير يسحب بشكل فعال تأييده من الفصائل التي لاتزال موالية للحرس الثوري الإيراني، ما يضر بشدة بالشرعية الدينية للفصائل المدعومة من إيران.

اغتيال سليماني

وإلى ذلك، تعاني هذه الفصائل أصلاً من الغارة الأمريكية التي اغتالت الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق وزعيم قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي، إذ كان لكاريزما القائدان دور محوري في تعزيز النفوذ الإيراني في العراق وتوحيد الفصائل الشيعية في البلاد، ولكن خسارتهما تركت فراغاً لم يتمكن العميد إسماعيل قآني، خليفة سليماني، من ملئه.

لذلك، تبدو الفصائل العراقية الموالية لإيران في أضعف موقع لها منذ سنوات، الأمر الذي يعتبر توقيتاً مناسباً ليبدأ رئيس الوزراء العراقي الجديد في وضع هذه الميليشيات تحت سيطرة الدولة.

ويورد التقرير أن الرئيس العراقي برهم صالح، يمكن أن يكون حليفاً قوياً للكاظمي في هذا المسعى، خاصةً أنه لعب دوراً أكثر نشاطاً في السياسة من الرئيس السابق فؤاد معصوم عندما حاول العبادي إقحام الميليشيات، وكذلك كان لصالح دور كبير في اختيار الكاظمي، الأمر الذي أثار غضب الفصائل الموالية لإيران في أواخر مارس (آذار) الماضي، عندما رفض مرشحهم لرئاسة الوزراء.
  
إيران في حالة مزرية

ويرى التقرير أن الظروف الراهنة، ليس في العراق فقط وإنما في إيران أيضاً، تبدو مواتية للتخلص من النفوذ الإيراني، وذلك بسبب سياسة "الضغط الأقصى" التي تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد طهران، والتي أثرت بشدة على قدرة الأخيرة لدعم وكلائها الإقليميين، كما أجبرتها على خفض إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة.

ولا يواجه وكلاء إيران في سوريا تحدياً مالياً فقط، وإنما أيضاً ضغطاً عسكرياً من إسرائيل التي تستهدف المواقع الإيرانية، وبينها الميليشيات العراقية التي تنتمي للحشد الشعبي، وعلى سبيل المثال شنت إسرائيل ما لا يقل عن 11 غارة جوية ضد أهداف تابعة لإيران.

ويُشير التقرير إلى أنه رغم أن النفوذ الإيراني لن يختفي من العراق بين عشية وضحاها، إلا أن الظروف التي يبدأ فيها الكاظمي ولايته تُعد الأفضل منذ سنوات لتقويض النفوذ الإيراني في العراق.

وربما يمكن لرئيس الوزراء الجديد أن يبدأ بتجميد المزيد من التوسع في الحشد الشعبي، ثم تقسيم المسؤولية بين مختلف القادة عبر التنظيم العسكري، وإعادة هيكلة المنظمة بشكل مختلف، فتكون القيادة مشتركة بين مجموعة من القادة يقوم باختيار بعضهم ممن هم مقتنعون بسيادة العراق، وذلك من أجل تحقيق التوازن مع القادة الموالين لإيران.

ويختتم تقرير "فورين أفيرز" بحض الكاظمي على مراجعة فعالة لضمان الشفافية في إنفاق قوات الحشد الشعبي، وإقامة علاقات جيدة مع الوحدات التي انفصلت عنه، إلى جانب تسهيل انشقاق الآخرين، إذا رفضت الميليشيات الموالية لإيران تنفيذ إصلاحاته. ويمكن أن تقدم القوة الشيعية شبه العسكرية التي تعمل تحت سلطة الدولة العراقية بديلاً للميليشيات الشيعية المارقة التي تقودها إيران.