رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو  ووزير الأمن بيني غانتس (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الأمن بيني غانتس (أرشيف)
الخميس 28 مايو 2020 / 19:56

المهمة الفلسطينية

تبدو عملية "ضم الضفة الغربية" من خلال تصريحات فريق الرئيس الأمريكي قضية داخلية أمريكية تماماً تندرج ضمن مصالح الاتحاد، مثل النظام الصحي والبحث عن لقاح "الكورونا" وفتح الاقتصاد والجدارعلى الحدود مع المكسيك

يضغط وزير خارجية ترامب، بومبيو بقوة على حكومة نتانياهو-غانتس، يرسل إشارات كثيرة دون مناسبة غالباً، حول أن البيت الأبيض لن يعترض على قرار ضم شمال البحر الميت ومنطقة غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية، أي ما يصل إلى 30% من مناطق سي، ويطلق صيحات التشجيع ويشير الى ساعة يده بنفاد صبر واضح، "الرئيس هناك في البيت الأبيض ينتظر وصول الهدايا وأنتم لاتفعلون شيئا!".

ديفيد فريدمان السفير الأمريكي الذي "وهبه" ترامب لحكومة نتانياهو يواصل الضغط من جهته على الأرض والأشخاص، "الضم قرار إسرائيلي" يردد فريدمان دون انقطاع وفيما يشبه متوالية فجة كما ينبغي لعنصري متحمس يلقي دروساً في القومية، يرسم الخرائط ويحدد الخطوط ويربت على أكتاف "مجلس المستوطنات" ويتحدث نيابة عن اليمين الاستيطاني في إسرائيل، "فريدمان" الذي يقوم بدور العربة في الاستعراض العنصري الذي يتصاعد في فلسطين، عربة الهدايا الملغومة التي دفعها ترامب نحو المنطقة.

تبدو عملية ضم الضفة الغربية من خلال تصريحات فريق الرئيس الأمريكي قضية داخلية أمريكية تماماً تندرج ضمن مصالح الاتحاد، مثل النظام الصحي والبحث عن لقاح ضد كورونا وفتح الاقتصاد والجدار على الحدود مع المكسيك وتأهيل العالم للشروع في حرب باردة مع الصين.

بينما في المقابل يتجمع موقف واضح في بقية العالم لمواجهة خطط الضم وعقلية الأبارتهيد الإسرائيلية. منظمة الأمم المتحدة حذرت من الخطوة ورفضت أي قرار يضر بحل الدولتين ويتعارض مع القانون الدولي. الدول المركزية في الاتحاد الأوروبي حذرت اسرائيل من تنفيذ القرار وتحدثت، ربما للمرة الأولى عن عقوبات وإجراءات، والصحافة الاسرائيلية تحدثت عن أربع رسائل تحذيرية وصلت نتانياهو، من فرنسا، وبريطانيا، وايطاليا، وإسبانيا.

عربياً، وضع الملك عبدالله الثاني ملك الأردن البلد الأكثر تداخلاً مع فلسطين، والدولة الوحيدة المتبقية مما كان يطلق عليه "الجبهة الشرقية"، وضع خطوطاً واضحة لموقف المملكة من محاولة الضم الاسرائيلية، تحدث الملك الأردني بوضوح وبأقل قدر من الديبلوماسية عن "مواجهة كبيرة" مع الأردن الذي تربطه معاهدة سلام مع إسرائيل في حالة تنفيذ القرار، يمكن هنا قراءة اختيار "ديرشبيغل" الألمانية لتوجيه التحذير كجزء من الموقف الأردني وابتعاده في هذا الأمر تحديداً عن السياسة الأمريكية في المنطقة.

يضاف إلى هذا مواقف عربية معلنة أعادت التأكيد على موقفها من حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رفض القرار الإسرائيلي، وهي المواقف التي دأب الإعلام الاسرائيلي على محاولة تشويهها وزج أخبار كاذبة حولها والتشكيك بمصداقيتها، صحيفة "إسرائيل هاليوم" الناطقة باسم نتانياهو مثالاً، وهي سياسة ثابتة اعتمدها نتانياهو عبر مسارين، الأول تفكيك ثقة الفلسطينيين في محيطهم العربي من جهة، وإقناع اليمين الإسرائيلي وقاعدته الانتخابية بأنه يحقق اختراقات في الجدار العربي ويواصل عزل الفلسطينيين وتجريدهم من عمقهم القومي والجغرافي من جهة ثانية.

يبني الإعلام الإسرائيلي حملته على تكريس فكرة أن فلسطين هي العبء الأثقل على كاهل التنمية في المنطقة العربية، بعد تجريدها من بعدها القومي والأخلاقي، عبر شيطنة الفلسطينيين وتفكيك روايتهم وتقديم رواية مختلفة، بحيث تتحول فلسطين من عبء إلى خديعة، بينما في الجانب الآخر تُقدم "إسرائيل" على أنها معجزة اقتصادية وقوة عسكرية منتصرة لا تقهر.

رسالة الإعلام الصهيوني للفلسطينيين: "أنتم وحدكم"، وللمنطقة العربية: "لقد تم استغلالكم".

ستقفز هذه الرسائل على حقيقة فشل إسرائيل في السيطرة على المنطقة العربية، وقيادة الإقليم وتفكيكه والتصرف في ثرواته، وتحويله إلى جمهوريات موز تابعة، وهو فشل ما كان ليحدث لولا صمود الفلسطينيين أكثر من قرن منذ بداية المشروع وسبعة عقود على تأسيس إسرائيل.

فلسطين الآن هي خط الدفاع الوحيد وليس الأول عن الإقليم الذي يواصل انهياره، ليس ثمة خط آخر حتى المياه في المحيط والخليج. هذه هي الحقيقة التي ينبغي للخطاب الفلسطيني أن يبني برنامجه على أساسها.

تلك هي مهمتها، كما كانت عبر التاريخ، الدفاع عن هوية المنطقة وشعوبها من العرب، والكرد، والأمازيغ وغيرها من الإثنيات، والقوميات التي واصلت العيش والتجاور على هذه الأرض منذ عشرات القرون.