رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الأمن الداخلي بيني غانتز (أرشيف)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الأمن الداخلي بيني غانتز (أرشيف)
الجمعة 29 مايو 2020 / 12:02

هكذا نجح نتانياهو في ابتكار خدعة جديدة للبقاء في السلطة

يقول البروفسور يوسي ماكيلبرغ، الزميل البارز للأبحاث لدى برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمؤسسة تشاتام هاوس، إن تشكيل حكومة جديدة تضع نهاية لفراغ دستوري وسياسي في إسرائيل دون أن تحظى بدعم البرلمان، ليس إلا قضية قضائية أكثر منها مناسبة للاحتفال.

القول إن نجاح نتانياهو في تشكيل حكومة يعود إلى خبرته الواسعة وسحره الشخصي، وقدرته على التلاعب وشغفه اللامحدود في التمسك بالسلطة لا يقدم إلا جزءاً من الإجابة

فبعد عام ونصف، وثلاث انتخابات، استطاع نتانياهو، ساحر السياسات الإسرائيلية إخراج خدعة أخرى من جعبته لحشد دعم غالبية أعضاء الكنيست الإسرائيلي لتشكيل حكومة ائتلاف يقودها، نظرياً، لمدة 18 شهراً، إذا لم يُدن بعد محاكمته بتهم فساد يواجهها حالياً.

وحسب الكاتب، سيكون فوز نتانياهو الشخصي ضاراً بمستقبل الديمقراطية الإسرائيلية، وبالنظام القضائي بشكل خاص، وبالحكم الرشيد، وما تبقى من فرصة ضئيلة أمام عملية سلام تقود إلى حل الدولتين مع الفلسطينيين.

نصف الإجابة
ويرى الكاتب أن القول إن سبب نجاح نتانياهو في تشكيل حكومة، خبرته الواسعة، وسحره الشخصي، وقدرته على التلاعب وشغفه اللامحدود بالسلطة لا يقدم إلا جزءاً من الإجابة، إذ يجب الأخذ في الاعتبار ضعف المعارضة وافتقارها للإقناع الإيديولوجي وإيمانها بنفسها، وبأنه يجب أيضاً أن يحسب لها حساب.

ويشير كاتب المقال إلى أن حزب أزرق وأبيض، تشكل سريعاً من ثلاثة فصائل مختلفة قادها بيني غانتز الذي كاد في ثلاث حملات انتخابية أن يخلع الليكود وينهي عهد رئيس وزراء شغل موقعه أطول مدة في تاريخ إسرائيل. وبعد الانتخابات الثالثة، فازت كتلة يسار الوسط بأقلية ضئيلة على الأحزاب اليمينية.
  
ووفق الكاتب، تبدو فكرة يسار الوسط مضللة، من الناحية الإيديولوجية، لأن عدداً من أعضاء الكنيست فيها يميلون أكثر إلى اليسار، ورغم أنهم موحدون تحت شعار"لا لبيبي"، إلا أنهم  ترددوا عندما منحوا الفرصة لتمرير تشريع يمنع متهماً بجرائم من ترؤس حكومة.

فشل
ويعزى هذا الفشل إلى امتناعهم عن التحالف مع القائمة العربية المشتركة للفوز بالانتخابات،في صورة مقلقة للانحياز ضد الأقلية العربية، والتي تبقى مكانة أفرادها مواطنين متساوين عرضة لهجوم متواصل، فضلاً عن تحدي شرعيتهم مراراً وتكراراً.

وبذريعة الحاجة إلى حكومة طارئة للتعامل مع فيروس كورونا، جرد غانتز حزبه من جميع أصوله السياسية، وتسبب في تصدعه، ووافق على الانضمام إلى حكومة دورية في الأشهر الـ 18 الأولى.

ويرى الكاتب أن من السذاجة ربما الاعتقاد أن هذه الإدارة جاءت استجابة لتحديات صحية عامة واقتصادية فرضها فرضها وباء كورونا، فهي تتعلق بسعي نتانياهو لتجنب المساءلة، وافتقار غانتز لما لدى نتانياهو من هوس شديد بالسلطة، سواء كان ذلك ليوم واحد أو عشرة أعوام.

وفي رأي الكاتب، تشكل جوانب عدة من اتفاق الائتلاف مصدر قلق بالغ، تبرز منها ثلاث نقاط، أولاها خطة لهجوم جريء على النظام القضائي بتمكين الساسة من سلطة تعيين القضاة، خاصةً في المحكمة العليا، والنائب العام، والمدعي العام، وقائد الشرطة.
  
ويشار إلى أن كراهية نتانياهو للنظام القضائي موثقة جيداً، وتضم مزيجاً من الإيديولوجيا والثأر الشخصي.

ويمثل النظام القضائي، خاصةً المحكمة العليا، لليمين الإسرائيلي آخر معقل لليبرالية وما أطلقوا عليه "الدولة العميقة"، التي تمنعهم من جعل البلاد أكثر تديناً، وتمنع المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من القيام بما يرغبون فيه ضد الفلسطينيين وأرضهم.

نزع الشرعية
ويرى الكاتب، أن ما يجمع بين مكونات الحكومة المشكلة حديثاً أكثر من أي حكومة سبقتها، يكمن في توحدها في نزع الشرعية عن الأقلية العربية والتمييز ضدها، وهي التي تشكل 20% من سكان إسرائيل.

ويرى الكاتب أن الذين يشاركون في هذا الائتلاف لا يرفضون تقاسم السلطة مع القائمة العربية وممثليها الـ 15 في الكنيست فحسب، بل لا يعتبرون أي حكومة مدعومة من العرب، حكومة شرعية.

ويلفت الكاتب إلى فقرة تحريضية وردت في اتفاقية الائتلاف تؤكد عزم الحكومة تقديم مشروع قانون، بحلول يوليو(تموز) المقبل، لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.

ولا تعد هذه الخطوة الأحادية الجانب تحريضية وحسب، وإنما تلغي أيضاً خيار الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتجعل من المستحيل اتخاذ أي قرار آخر قائم على أساس الاعتراف المتبادل بحقق تقرير المصير والتعايش السلمي.

ومن المؤكد أن تلك الخطوة ستسبب احتكاكاً مع أطراف من المجتمع الدولي، بما فيها دول في الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي.

ويختم الكاتب بتأكيد أن سماح المحكمة العليا في إسرائيل لنتانياهو بالبقاء رئيساً للوزراء، رغم المحاكمة المقبل، أسوأ نقطة في تاريخ إسرائيل، ومربكة على الساحة الدولية.

ولكن بالنظر لسجل نتانياهو الطويل في التراجع عن اتفاقيات، لن يتفاجأ أحداً عندما يجد مبرراً للتنصل من اتفاقية تداول السلطة، ويدعو إلى انتخابات جديدة حين يكون الوقت مناسباً له.

وإلى أن يحين ذلك، يتوقع أن تنشغل الحكومة الحالية بخلافات داخلية، وبمحاكمة نتانياهو التي ستعمق الانقسامات في إسرائيل، وتصعد الخلافات مع الفلسطينيين ونتيجة لذلك، ستسبب خلافاً داخل المجتمع الدولي.