الجمعة 26 يونيو 2020 / 02:04

ليفربول البطل.. قصة 30 عاماً

عندما توج ليفربول بطلاً للدوري الإنجليزي لكرة القدم للمرة الأخيرة عام 1990، كانت "المرأة الحديدية" مارغريت ثاتشر لا تزال رئيسة لوزراء المملكة المتحدة، والدوري الممتاز على بعد عامين من انطلاقته البراقة.

لكن فريق المدرب الألماني يورغن كلوب، أهدى جيلاً جديداً من مشجعيه لقب موسم 2019-2020، بعدما فاز في الجولة  الحادية والثلاثين (من أصل 38) برباعية نظيفة على كريستال بالاس الأربعاء، وخسر ملاحقه المباشر وبطل الموسمين الماضيين مانشستر سيتي، على أرض تشلسي اللندني 1-2 الخميس.

وأنهى كلوب انتظاراً دام ثلاثين عاماً "الريدز"، بانتزاع اللقب للمرة الأولى منذ العام 1990، ليضع نفسه على خطى المدرب الأسطوري للفريق الإسكتلندي بيل شانكلي المؤسس لنجاح العقود الماضية.

في العام 2015، تعاقد النادي مع كلوب (53 عاماً)، بعد تجربة ناجحة مع بروسيا دورتموند الألماني، توجها بلقبين في البوندسليغا، ومباراة نهائية لدوري أبطال أوروبا خسرها أمام الغريم بايرن ميونخ.

قبل ثلاثة عقود، حقق النادي الأحمر بقيادة نجمه آنذاك (ومدربه بعد أعوام) الإسكتلندي كيني دالغليش، لقباً لم يفاجئ أحداً. فالفريق هيمن على كرة القدم الإنجليزية منذ منتصف السبعينيات، وأنهى الموسم في أحد المركزين الأول أو الثاني منذ 1973 (باستثناء موسم واحد). وحمل لقب 1990 الرقم 18 للفريق في بطولة إنجلترا، جاءت سبعة منها فقط قبل العام 1973.

كانت رمزية لقب 1990 كبيرة بالنسبة الى مشجعي ملعب أنفيلد.

فهو أتى بعد عام من كارثة ملعب هيلسبره في أبريل (نيسان) 1989، حين لقي 96 من مشجعي ليفربول مصرعهم في تدافع على هامش مباراة الدور نصف النهائي لمسابقة كأس الاتحاد الإنجليزي ضد نوتنغهام فوريست.

كما جاء اللقب الأخير قبل أشهر من نهاية فترة حكم مديدة بدأت في العام 1979، أدارت خلالها ثاتشر مقاليد رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة بطريقة جعلت منها أبرز رئيسة حكومة منذ عهد ونستون تشرشل.

كانت بريطانيا يومها في خضم الاعتراض على ضرائب جديدة تعتزم ثاتشر فرضها، وتواجه الخطر الدائم لنزاعها مع "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، وتتجه نحو انكماش اقتصادي يهدد بمفعول طويل.

عانت مدينة ليفربول من ارتفاع في معدلات البطالة وأحداث شغب مستمرة خلال الثمانينيات من القرن الماضي.

ويقول أستاذ التاريخ الإنجليزي والثقافي في جامعة مورس في المدينة، جو موران، إن "مدن شمال إنجلترا عانت خلال التحول الاقتصادي السريع تحت إدارة رئيسة الوزراء المحافِظة ثاتشر، في الانتقال من اقتصاد مبني بالدرجة الأولى على الصناعة، إلى آخر يقوم بشكل أساسي على الخدمات والاستهلاك. كما ساهم في زيادة الضغوط على سكان المدينة، تراجع دورها كميناء محوري في حركة التبادل التجاري".

ويوضح "العام 1990 لم يكن الأكثر قتامة في تاريخ المدينة، لكنها كانت تخرج بشكل تدريجي" من هذه الحال، متابعا "هيلسبره حصلت قبل عام، والمدينة لم تشهد تحولات فعلية حتى منتصف التسعينيات، وذلك يعود في جزء منه الى بدء خروجها من الانكماش، وعبر التمويل الأوروبي".

ويضيف "الفوز باللقب كان أهم لأن المدينة كانت تختبر ظروفاً صعبة".

لم تكن ليفربول التي يحمل مطارها اسم نجم فرقة "البيتلز" الشهيرة جون لينون، المتغير الوحيد قبل ثلاثة عقود. خريطة كرة القدم الإنجليزية كانت شديدة الاختلاف أيضاً، لاسيما وأن البلاد التي تعد بمثابة مهد اللعبة الشعبية الأولى عالمياً، لم تكن تعرف بعد العقود المغرية لحقوق البث التلفزيوني، أو صيغة الدوري الممتاز الذي جعل لكرة القدم المحلية امتداداً عالمياً هو الأبرز بين البطولات الوطنية الأوروبية.

كان 1990 أيضاً عام "تحول كامل" في كرة القدم، بحسب موران، على إثر نهائيات كأس العالم التي استضافتها إيطاليا. ويبدي الأكاديمي البريطاني تقديره بأن "التغييرات التجارية في كرة القدم هي بشكل أو بآخر صيغة أكثر حدة للتغييرات التي حصلت على صعيد المجتمع".

ويشير إلى "تسارع" هائل في عملية التحول الرأسمالي والإفراط في عمليات التبادل والتعاقد، ما أتاح لبعض الأندية بالابتعاد سريعاً عن منافسيها، وتكوين قوة مالية وكروية كبيرة.

استغل مانشستر يونايتد الذي كان يومها بإشراف المدرب الأسطوري الإسكتلندي "السير" أليكس فيرغوسون، لحظة الاستفادة من الضخ المالي في الكرة الإنجليزية، وتمكن تدريجاً خلال التسعينيات من كسر هيمنة ليفربول.

ويرى رئيس مجموعة "سبيريت أوف شانكلي" لمشجعي ليفربول، جو بلوت، أن اللقب الأخير للفريق كان، قبل لقب 2020، قد أصبح مجرد ذكرى عابرة.

ويتابع "عليك أن تكون في الأربعين من العمر لتتذكر المرة الأخيرة التي كان فيها ليفربول بطلاً ثمة تقريباً جيل ونصف جيل من المشجعين الذين ينتظرون رؤية ليفربول يرفع اللقب للمرة الأولى".

ويرى بلوت (59 عاماً) أن الدوري الإنجليزي برمته اختلف منذ ذلك الحين، وتحول إلى "سلعة عالمية" أكثر منه بطولة محلية.

ما اختلف بشكل أساسي بالنسبة إلى ليفربول، هو المدرب الألماني يورغن كلوب الذي أعاد منذ تعاقده مع النادي في العام 2015، ضخ دماء جديدة وتشكيل الفريق بشكل يتيح له ليس فقط الفوز بلقب الدوري الممتاز، بل جعل ذلك ثالث لقب على التوالي بعد دوري أبطال أوروبا لموسم 2018-2019، ولقب كأس العالم للأندية 2019.

ويقول بلوت إن "الفريق بات يتمتع الآن "للمرة الأولى" منذ لقب 1990، بمعادلة ثلاثية "من مدرب، لاعبين، ومشجعين، يدفعون في الاتجاه ذاته".

ويتحدث بفخر عن كلوب "الذي يفهمنا. هو منغمس في ذهنية ليفربول. يفهم ما يعنيه أن تكون مشجعاً لكرة القدم. يضمن أن يكون الجميع جزءاً من الانتصارات والهزائم. إذا كان من نجل المدرب التاريخي للنادي الإسكتلندي بيل، شانكلي، فهو بالتأكيد كلوب".