الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد (أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد (أرشيف)
الخميس 2 يوليو 2020 / 20:55

أردوغان في الدوحة.... اشتدي أزمة

مثلما كان متوقعاً منذ إعلان خبر زيارة الرئيس التركي إلى قطر اليوم الخميس، أعلنت أنقرة في بيان توقيع الجانبين اتفاقات مالية جديدة، بين البلدين، في تأكيد لطبيعة العلاقة بين السلطان العثماني الجديد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الذي يسير على خطى والده بشكل لافت، الأول يُخطط والثاني يُمول بسخاء.

وجاء في برقيات وكالات الأنباء اليوم الخميس، أن البلدين وقعا مذكرات واتفاقات ذات بعد مالي، بالدرجة الأولى، تبادل العملات بين البلدين، ولكن أيضاً أو خاصةً مذكرات بين قطر من جهة، ورئاسة الجمهورية التركية مباشرة، التي حلت محل الدولة التركية، التي أصبحت أقرب إلى مزرعة شخصية على رأسها رجب طيب أردوغان، مثل مذكرة التفاهم بين مركز قطر للمال، ومكتب التمويل، في الرئاسة التركية، أو بين وكالة ترويج الاستثمار في قطر، و...مكتب الاستثمار في رئاسة الجمهورية التركية.

ونقلت وكالات الأنباء الدولية، أن الرئيس التركي الذي وصل إلى الدوحة على رأس وفد يضم أقرب مساعديه، أشرف على توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم، بين قطر وشخصه، أو جهات خاضعة له تماماً في الرئاسة التركية، ما يعني أن السلطان أصبح عاجزاً عن انتظار المرور بالإجراءات والترتيبات الدستورية المعمول بها بين الدول، للحصول على ما يريده، وأصبح يمد يده مباشرة، إلى الخزينة العامرة، قطر، في تذكير بما جاء في كتاب الصحافيين الفرنسيين الشهيرين جورج مالبرونو وكريستيان شينو "قطر: سر الخزينة".

وتكشف هذه الزيارة الجديدة، التي لن تكون الأخيرة في المدى المنظور على الأقل، كيف أن أردوغان من جهة والشيخ تميم بن حمد من جهة، أسسا بطريقة أو بأخرى، تحالفاً جديداً في العلاقات بين الدول، أقرب إلى علاقة العلاقة التجارية الانتهازية، فكلما اشتدت الأزمة في تركيا، فتحت قطر حنفية التمويل، التي ينهل منها السلطان ليروي ضمأه بنهم.

وفي سياق تورط وريث الباب العالي، في المتوسط، وفي ليبيا، وفي اليمن، وقبلها السودان، وحتى أوروبا، فضلاً عن سوريا، وشمال العراق، ضد الأكراد، وضد العرب، والأرمن، واليونان والقبارصة، وفي كلمة ضد الجميع، أصبحت فاتورة هذه الأعباء أثقل مما يتحمله أردوغان، أو تركيا من ورائه، ما يهدد بكشفه أمام الرأي العام الداخلي والدولي من جهة، وأمام الانكشارية الجديدة، أي القوات المسلحة التي لم تعرف تورطاً دولياً وإقليمياً بهذا الحجم والاتساع والامتداد، منذ 1914 تاريخ مشاركتها في الحرب العالمية الأولى ضمن دول المحور، إلى جانب ألمانيا القيصرية.

وبسبب هذه الأعباء المالية من جهة، وتقاطع المصالح مع قطر من جهة ثانية، عادت تركيا إلى سيرة السلاجقة الأولى، في عهد أردوغان، بالبحث عن المال لخدمة أهداف وبرامج سياسية، لدى من يملك المال ومستعد لإهداره على مغامرات عسكرية وتدخلات خارجية.

وفي هذا السياق نقل موقع أحوال، اليوم الخميس، أن زيارة أردوغان إلى الدوحة "زيارة عمل تستغرق يوماً واحداً، وتأتي في ظل تخوف قطري من إغلاق الولايات المتحدة لقاعدة العيديد الأمريكية التي تعتد وتحتمي بها الدوحة، بالتزامن مع حاجة أردوغان لمزيد من الأموال القطرية لتمويل عُدوانه في ليبيا بعد الخطوط الحُمر التي وضعتها القاهرة".

ويمضي "أحوال" فيقول: "ووفقاً لمُراقبين سياسيين، يبدو أن أردوغان، وبعد أن استنزف أموال بلاده في حروبه الخارجية، خاصةً في ليبيا، وفي ظل أزمة اقتصادية مُتصاعدة تتهدد تركيا، بات في حاجة ماسة لمزيد من أموال الدوحة التي تمر هي الأخرى بكارثة اقتصادية غير مسبوقة، خاصة بعد أن باتت خزائن حكومة الوفاق الليبية الموالية له خاوية في ظل استنزافها من قبل تركيا، وانخفاض مبيعات البلاد من النفط على نحوٍ غير مسبوق بعد أن رفضت القبائل الليبية استمرار الإنتاج لتمويل التدخل العسكري التركي والفصائل السورية الموالية لأنقرة".
وبالتوازي تكشف تغريدات رئيس الوزراء القطري السابق وعراب السياسة الخارجية القطرية الحقيقية منذ تسعينات القرن الماضي، الشيخ حمد بن جاسم التي أطلقها في الأيام القليلة الماضية، قبل زيارة أردوغان، الرعب القطري من إغلاق القاعدة، وخسارة أي غطاء معنوي أو سياسي أمريكي للسياسة القطرية إقليمياً ودولياً، ما يدفع الدوحة إلى مزيد من التقارب مع تركيا، تعويضاً ربما عن الفراغ القاتل الذي يهدد الدوحة، إذا سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جنوده وطائراته من قطر، وهو الذي لم يتورع عن ذلك مع حلفاء أكبر وأهم من قطر، تربطهم علاقات تاريخية واستراتيجية أكبر بكثير مما يربط خزينة الدوحة، ببلاد العم سام.

وفي هذا السياق، تأتي زيارة أردوغان، الذي أصبح شبه مقيم في الدوحة، لتؤكد أن قطر ماضية في سياسة استعداء الجيران من جهة، ولكن أيضاً في التورط في مستنقع الرجل المريض، الذي تحول إلى "المسألة التركية" وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي أمس الأربعاء، جان إيف لودريان، الذي هدد بتسليط عقوبات أوروبية على تركيا، بسبب تورطها في ليبيا، واستفزازها للبحرية الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط.

وكان أجدر بن جبر قراءة مثل هذا التحول الصريح في الموقف الفرنسي من تركيا، مع ما يعنيه ذلك من تحول عاجلاً أو آجلاً في الموقف الأوروبي الذي لا يمكنه معاداة دولة كبرى في أوروبا، خاصةً بعد خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، لإعادة ترتيب السياسة الداخلية والخارجية القطرية، بدل فتح أبواب المال والغاز لسلطان الأناضول، والتحول إلى مصدر رزق لتركي لا يقنع، ووضع كل بيض الدوحة في سلة رجل أصبح مصيره موضع رهان المتراهنين من لندن إلى واشنطن ومن برلين إلى باريس، خاصةً إذا تزامن ذلك مع تغريدة من ترامب قد يقول فيها على طريقته الساخرة "شكراً قطر ووداعاً".