(أرشيف)
(أرشيف)
الجمعة 3 يوليو 2020 / 13:15

آيا صوفيا.. أمل أردوغان الأخير لاستعادة هيمنته

24 - إعداد: ريتا دبابنة

أجلت المحكمة الإدارية العليا في تركيا، الخميس، حكمها بشأن ما إذا كان يجب تحويل النصب التذكاري للعصر البيزنطي، والنقطة السياحية الساخنة في إسطنبول آيا صوفيا من متحف إلى مكان للعبادة الإسلامية، لمدة 15 يوماً.

وبحث مجلس الدولة التركي الخميس، طلب جمعية مقربة من الحكومة الإسلامية التركية لتغيير مرسوم "علمنة" المبنى قبل 85 عاماً، وأعلن أنه سيتخذ قراراً خلال الأسبوعين المقبلين، وتزعم الجمعية أن المرسوم تضمن توقيعات مزورة لمؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، وهو ما دعمه حزب العدالة والتنمية الحاكم.


تكتيك أردوغاني
دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهذه الخطوة، شهد احتجاجاً واستنكاراً على الصعيدين المحلي والعالمي، حيث تم انتقاد الخطوة من قبل المعارضة والأحزاب العلمانية والمجتمع الدولي، باعتبارها تكتيكاً لتعبئة الناخبين الدينيين والمحافظين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، على الرغم من أن المناقشات حول وضع المبنى الذي تم بناؤه في القرن السادس من قبل الإمبراطور البيزنطي جستنيان، وزاره أربعة باباوات، كانت موضوعاً ساخناً خلال المسيرات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية العام الماضي.

وبحسب استطلاع أجرته شركة "إسطنبول إيكونوميك ريسيرش"، فإن 47% من الشعب أيد تحويل النصب التذكاري إلى مسجد، في حين أراد 38% منه بقاء التحفة المعمارية كمتحف. لكن أردوغان أوضح النتيجة التي يريدها، وقال في اجتماع لمسؤولي الحزب الحاكم الشهر الماضي: "إن شاء الله، بعد قرار مجلس الدولة، سنصلي في آيا صوفيا"، على الرغم من أنه تم حظر الخدمات الدينية في آيا صوفيا منذ عام 1934.


التماس ومراوغة
وحسب وسائل إعلام تركية، وقع أكثر من 200 باحث في الفن البيزنطي والعثماني هذا الأسبوع على التماس للحفاظ على آيا صوفيا كمتحف، مؤكدين أنه لا ينبغي للحكومة التركية أن تسأل "ما إذا كان متحفاً أو مسجداً، بل كيف يمكننا رعاية المبنى".

واتهمت المعارضة أردوغان بالمراوغة مع التراث الثقافي التركي، من أجل صرف الانتباه عن التحديات الاقتصادية التي تفرضها أزمة فيروس كورونا، والتي حذرت من تداعياتها مؤسسة التقييم الائتماني الدولية موديز، وقالت إن الاقتصاد التركي سيتعرض لانكماش حاد خلال هذا العام بسبب الأزمة.


وقال ضياء ميرال، وهو زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في تصريح لصحيفة "أراب نيوز"، إن "الخطوة تتعلق في الغالب بتعبئة جمهور حزب العدالة والتنمية، الذي شارك معظمهم في طموح دام عقوداً لاستعادة وضع المسجد. حقيقة أن أردوغان لم يفعل ذلك على مدى العقدين الماضيين حتى الآن، يثير بوضوح السؤال عما يراه عائداً إيجابياً في قضية من المقرر أن تجذب خيبة أمل واسعة في أوروبا وبين المسيحيين على نطاق أوسع في الداخل وحول العالم".

موقف المعارضة
من جهته، حذر أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق الذي يقود الآن حزباً معارضاً محافظاً، أردوغان بشأن هذه الخطوة قائلاً: "توقف عن استخدام أماكننا المقدسة ورموزنا المشتركة كبطاقة سياسية عندما تكون في مشكلة".


وقالت الخبيرة في العلاقات الدولية في جامعة كامبريدج عائشة زاراكول، وفق صحيفة "فايننشيال تايمز"، إن الخلاف قد ينجح - لفترة وجيزة على الأقل - في صرف انتباه الجمهور. وقالت إن "استعادة رمز السيادة الإمبريالية يجذب الإسلاميين والقوميين، لكنه أيضاً إلهاء عن الأجندة".

وفي حالة قبول طلب تحويل المبنى إلى مسجد، تأمل الحكومة التركية في افتتاح المبنى للصلاة في 15 يوليو (تموز) الجاري.


جنون أردوغان
من جهتها، قالت المؤرخة والعضوة في اللجنة العلمية في آيا صوفيا زينب أهونباي، إنه "سيكون من الجنون القيام بذلك، إنه نصب تذكاري استثنائي ذو أهمية عالمية، يجب أن تقدم للشعب والعالم دون أي نقص بعناصرها الفنية والمعمارية".

وقال سونر كاجابتاي، مدير برنامج تركيا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تصريحات للصحيفة، إنه "في هذه الأثناء، يأس المؤرخون من محاولة احتواء أحد أعظم المعالم الأثرية في تركيا فيما يرونه رواية مبسطة. تتلخص خطوة أردوغان في خيار سياسي بين الانفتاح على نوع ما من الفهم الكوني لتقاسم التراث".


غضب دولي
وبما أن أنقرة لديها الكثير من العلاقات غير المستقرة مع العديد من الحكومات الغربية، فمثل هذا القرار المدفوع أيديولوجياً بشأن مبنى يحمل معنى سياسياً ودينياً عالمياً، من المرجح أن يتسبب في تدهور العلاقات مع الدول الرئيسية المعنية، وخاصة الولايات المتحدة واليونان.

فاتهمت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني تركيا الخميس بتحديث "المشاعر القومية والدينية المتعصبة"، في حين دعت اليونسكو إلى موافقة أوسع وتوافق تعددي على مصير المبنى قبل اتخاذ مثل هذا القرار الرئيسي.


من جهته، حث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تركيا هذا الأسبوع على الحفاظ على مكانة آيا صوفيا كمتحف قائلاً: "نحض السلطات التركية على أن تواصل الحفاظ على آيا صوفيا كمتحف، تجسيداً لالتزامها احترام التقاليد الدينية والتاريخ الغني، التي ساهمت في صنع الجمهورية التركية، وأتاحت لها أن تبقى منفتحة على الجميع".

استفزاز أردوغان
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية الخميس، إن "متحف آيا صوفيا، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي وبٌني أصلاً ككاتدرائية مسيحية في إسطنبول، يجب أن يظل مفتوحاً للجميع، فهو رمز للتسامح والتنوع".

وقال البطريرك المسكوني برثلماوس، الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثودوكسي بأنحاء العالم، والذي يتخذ من إسطنبول مقراً له، إن "تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيخيب آمال المسيحيين ويقسم الشرق والغرب".


ولكن عندما سئل أردوغان في مقابلة تلفزيونية عن رأيه بشأن الغضب الدولي حول القرار المحتمل، أصر على أن هذه القضية هي مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، قائلاً: "لن نلجأ أبداً إلى الحصول على إذن أو موافقة من أحد.. من يحكم تركيا هم أم نحن؟".

نبذة تاريخية
آيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس، وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وأدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعد واحدة من أهم الوجهات السياحية في إسطنبول.

وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تم تحويلها إلى مسجد في 1453 ثم إلى متحف في 1935 بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك، بهدف "إهدائها إلى الإنسانية".


لكن وضعها كان محور جدل، فمنذ 2005 لجأت منظمات مرات عدة إلى القضاء للمطالبة بإعادة جعلها مسجداً، لكنها لم تنجح حتى الآن.

وبنى العثمانيون مآذن على امتداد هيكلها المقبب، في حين أضافوا في الداخل مخطوطات تحمل أسماء عربية للخلفاء الراشدين إلى جانب الرموز المسيحية القديمة.