المرتزقة السوريين (أرشيف)
المرتزقة السوريين (أرشيف)
الأربعاء 8 يوليو 2020 / 00:01

أردوغان يشوه صورة السوريين ويحولهم إلى مرتزقة

24 - شيماء بهلول

عملت تركيا منذ بداية الأزمة السورية على استغلال الفئة الأضعف من الشعب وزجت بها في ميليشياتها المسلحة لتحقيق مصالحها في شمال سوريا، كما استغلتهم لاحقاً للقتال في بؤر الإرهاب الأخرى، ليبيا والعراق وغيرها من المناطق التي يسعى أردوغان لتحقيق أحلام إعادة إحياء الخلافة البائدة.

ورغم كل المحاولات شكل عدد السوريين الذين انضووا في صفوف الإرهابيين جزءاً بسيطاً من أهالي الشمال الذين يرفضون قطعاً الاحتلال التركي بجميع أشكاله.



تجنيد السوريين
تعمل حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تشويه سمعة السوريين وصورتهم إعلامياً وعالمياً، عبر تجنيدهم وإرسالهم لمناطق الصراع مثل ليبيا، وإظهارهم بصورة المرتزقة الذين لا يتوانون عن اقتراف أيّة جرائم من أجل المال، وتصويرهم كعصابات للجريمة المنظمة التي يمكن أن تساق للقتال في أيّة جبهة تُعرض عليها مقابل بعض المال.

ويوجّه أردوغان ابتزازه للسوريين نحو الداخل والخارج، بداية يحوّلهم إلى أسلحة وأدوات بيده من خلال تجميع بعضهم في ميليشيات موالية له للقتال إلى جانبه، أو القتال بناء على أوامره في جبهات سورية، كما حصل في مناطق ما يسمى بدرع الفرت، ونبع السلام، بالإضافة إلى منطقة إدلب.

كما يقوم بابتزاز اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا وتخييرهم بين القتال في ليبيا أو إعادتهم إلى الأراضي السورية إما للقتال مع الميليشيات المتطرفة ضد الأكراد، أو ضد قوات الحكومة السورية، أو يقوم بإلقائهم على الجهة الأخرى من الحدود ليلاقوا مصيرهم بأنفسهم.

وأثار إرسال تركيا للمرتزقة السوريين إلى ليبيا حفيظة قادة غربيين، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهم تركيا قبل أيام بتوريد الجهاديين إلى ليبيا بكثافة واصفاً تدخل أنقرة بأنه إجرامي.

وقال ماكرون إن "تركيا تستورد جهاديين من سوريا بكثافة"، وجاء ذلك بعد تدخل تركيا بصورة حاسمة في ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث تقدم دعماً جوياً وأسلحة ومقاتلين متحالفين معها من سوريا لمساعدة ميليشيات الوفاق في طرابلس.


غسل أدمغة الأوربيين
وفي سياق متّصل، عملت السلطات التركية على غسل أدمغة بعض الأوروبيين بالأفكار المتطرفة وتحويلهم إلى مقاتلين في جماعات إرهابية مقاتلة في سوريا، ومن ثم إعادة هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى أوروبا ليكونوا بمثابة خلايا نائمة تعمل لصالح أنقرة.

ويواصل أردوغان الضغط على الدول الغربية وبشكل خاص فرنسا، وابتزازها بشتّى السبل الممكنة، ويأتي ترحيل أنقرة لعشرات من المقاتلين من جنسيات أوروبية كخطوة في هذا المجال، بعد أن كانت قد فتحت حدودها على مدى السنوات السابقة لعشرات الآلاف من الإرهابيين للتوجّه نحو سوريا والعراق.

ويدرك أردوغان أنّ مشكلة المقاتلين الدواعش الذين يحملون جنسيات أوروبية وغربية، ما تزال موضع نقاش محتدم لم يتمّ إيجاد حلّ له بعد، وتثير مخاوف الغرب من عودة أولئك الجهاديين الذين سيشكّلون خطورة على أمن الدول والمجتمعات الأوروبية وسلامتها.

وأثناء ذلك، يواصل استخدام اللاجئين السوريين لابتزاز الغرب من خلال التهديد التركي بفتح الحدود أمامهم باتجاه أوروبا التي وجدت نفسها في مواجهة عملية ابتزاز سافرة تريد أنقرة من خلالها الحصول على مزيد من الأموال والتنازلات وإحداث الفوضى.



أعداد هائلة
ونشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مقالاً استناداً إلى مصادرها، يفيد أن حوالي ألفين من المقاتلين السوريين ينشطون حالياً داخل وحدات أبرزها وحدة أطلق عليها اسم زعيم المقاومة الليبية عمر المختار، فيما رأت مصادر أخرى أن أعدادهم أكثر بكثير.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان في حديث لموقع "DW عربية": إن "عدد المقاتلين وصل إلى 4 آلاف مقاتل ينقسمون إلى جزئين؛ سوريون ومقاتلون مرتزقة من 10 فصائل كانوا ضمن المقاتلين الجهاديين بسوريا، ويتم نقلهم على متن الطائرات الليبية من الحدود السورية التركية إلى الأراضي الليبية".

وأكد الخبير الألماني في الشأن الليبي ميركو كايلبيرت، هذه المعلومات قائلاً "تم رصد طائرات تابعة للخطوط الجوية الليبية وطائرات ليبية خاصة حطت بليبيا، والكثير من التقارير والأشخاص الذين تواصلت معهم في عين المكان يؤكدون أن الأمر يتعلق بمقاتلين سوريين".

وحسب صحيفة "ذا غارديان"، فإن المقاتلين وقعوا عقوداً مدتها 6 أشهر مباشرة مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، وليس مع الجيش التركي، مقابل 2000 دولار شهرياً.

وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن "تركيا تعد المقاتلين بالحصول على الجنسية التركية مقابل مشاركتهم في المعارك في ليبيا، ومن يلقى حتفه يصل عائلته مبلغ 500 دولار لمدة سنتين".

وقالت الخبيرة الألمانية في شؤون شمال أفريقيا فيكتوريا ريتيغ إنه "من المألوف أن تمنح دولة ما جنسيتها كمكافأة لأشخاص أجانب أسدوا لها خدمات معينة، من أجل حمايتهم عبر منحهم حق العيش على أراضيها مستقبلاً بشكل قانوني".

كما أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري، أن أردوغان يستهدف إرسال 18 ألف عنصر، متهماً رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بدفع مليون دولار لكل قائد فصيل كي يرسل عناصره السورية للقتال في ليبيا".



تضييق الخناق على اللاجئين
ومن جهته، حدد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح، عدداً من العوامل الرئيسية وراء التطورات الأخيرة في تركيا بخصوص اللاجئين السوريين، سواء التصريحات أو القرارات الرسمية التي تُضيق الخناق عليهم.

وذكر أن أولها النظرة أو الموقف المجتمعي من اللاجئين، بوصفهم على أنهم يشكلون عبئاً على الاقتصاد التركي في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها تركيا.

ويرتبط السبب الثاني بالظروف والأسباب الأمنية، ذلك أن هناك مخاوف أمنية في تركيا من كثافة الوجود السوري، علاوة على أن بعض السوريين، كما في التصريحات الرسمية الصادرة في تركيا، مُتهمون بارتكاب جرائم أمنية وأخلاقية، وهذا ما تؤيده أصوات بالمعارضة التركية أيضاً والتي تقف ضد الوجود السوري في تركيا.

وأما العامل الثالث فمرتبط بالتجاذبات السياسية الداخلية، ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مُتهم من قبل المعارضة التركيّة بتجنيس عدد هائل من السوريين في تركيا، خاصة المنتمين لجماعات إسلامية بعينها، ليكونوا قوة انتخابية له في الفترات المقبلة.

ويرجع العامل الرابع إلى محاولات الاستثمار السياسي للاجئين، بداية من محاولة أردوغان استثمار هذه الورقة من أجل ابتزاز الأوروبيين، خاصة أن هناك اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي منذ العام 2016 بخصوص عودتهم إلى تركيا، فضلاً عن رغبته في الحصول على أموال إضافية قدرت بـ 6 مليارات يورو.



استغلال الفقر
وبدورها، اتهمت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، تركيا باستغلال الفقر المدقع للشعب السوري الذي أنهكته الحرب الدائرة في بلاده منذ نحو 10 سنوات، لإرسالهم إلى طرابلس للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

وأوضحت في تقرير من 55 صفحة، أن أنقرة تستغل الوضع البائس للسوريين وتقوم بتجنيدهم في صراع لا يعنيهم، بعيداً عن بلادهم آلاف الكيلومترات.

كما حذرت من أن قتال السوريين في ليبيا، من المحتمل أن ينطوي على انتهاكات ستعرضهم لاحقاً، لاتهامات بخرق الالتزامات المتضمنة في العديد من الصكوك القانونية الدولية، مشيرة إلى وجود عمليات تجنيد ممنهجة من قبل تركيا للمقاتلين المنضوين في فصائل المعارضة السورية المسلحة من أجل القتال في ليبيا.

وكشف التقرير أن التجنيد التركي للسوريين، والذي بات معلناً، لا يقتصر على مسلحي الفصائل وحسب، بل يسمح كذلك للمدنيين والأطفال بتسجيل أسمائهم والحصول على مغريات تشمل راتباً شهرياً يتراوح بين 2000 و3000 آلاف دولار، تبعاً للاختصاص العسكري.

ووفقاً للتقرير، فإن فرقة (السلطان مراد) و(لواء المعتصم) و(لواء السلطان سليمان شاه)، التابعة للفصائل السورية المدعومة من أنقرة، هي المسؤولة بشكل مباشر عن التجنيد وعمليات نقل المسلحين إلى تركيا عبر التنسيق مع شركات أمنية تركية قبل نقلهم إلى ليبيا.



ابتزاز تركي
وأكدت مصادر أن تركيا تمارس ابتزازاً لعدد من الفصائل المسلحة السورية، لكي ترغمها على إرسال عناصرها للقتال في سوريا.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، إن "بعض الذين ذهبوا إلى ليبيا اكتشفوا زيف تعهدات أنقرة حول دفع أجور مرتفعة ففكروا في العودة، لكنهم لم يتمكنوا".

وأضاف أن تركيا في سبيل الإبقاء على المعدلات المرتفعة في إرسال المرتزقة إلى طرابلس، انتقلت من سياسة الترغيب إلى الترهيب، من خلال تهديد أجهزة استخباراتها لبعض قيادات الفصائل بفتح ملفات فضائح سرية خاصة بهم".

وكشف أن تركيا سبق أن وعدت المقاتلين الذين أرسلتهم إلى ليبيا بأجر شهري للفرد يبلغ ألفي دولار، لكنها عادت وخفضت أجورهم كثيراً بعد أن تجاوز عدد المجندين الـ6 آلاف، لافتاً إلى أن أغلب المقاتلين من المهّجرين من وسط سوريا وريف دمشق إلى عفرين وإدلب، وريف حلب، وجميعهم يمرون بوضع معيشي صعب، مما دفع بعضهم إلى محاولة الهجرة سراً من ليبيا إلى أوروبا.