عناصر من الجيش الصيني (أرشيف)
عناصر من الجيش الصيني (أرشيف)
الجمعة 10 يوليو 2020 / 14:27

محلل أمريكي: كورونا وضع العالم على عتبة نظام عالمي جديد

في مثل هذا الشهر يوليو (تموز) 1945، في نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع قادة الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتي، في أحد القصور الملكية في بوتسدام خارج العاصمة الألمانية بعد الاستيلاء عليها، لتحديد النظام العالمي الجديد. وكان ذلك بمثابة غرس بذور الحرب الباردة.

وفي الوقت الذي كان الذين يحتفلون بالذكرى الـ75 لنهاية الحرب العالمية، يفكرون وهم يضعون الكمامات، في عواقب قرارات مؤتمر بوتسدام، كانت تجرى مرة أخرى إعادة لرسم الخريطة الجغرافية السياسية للعالم. والسبب هذه المرة هو فيروس كورونا، الذي وصفته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتحدي الأكبر لعصر ما بعد الحرب.

عصر جديد
ويقول الكاتب والمحلل الأمريكي ألان كروفورد في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه في منتصف عام هيمنت عليه جائحة كورونا، تواجه الحكومات أزمة صحية، وأزمة اقتصادية، وأزمة شرعية مؤسساتية، كل ذلك في وقت يشهد تنافساً سياسياً جغرافياً.

وستساعد كيفية تبلور كل تلك التحولات الضخمة في الأشهر المتبقية من العام كثيراً في تحديد عصر ما بعد الفيروس. فتكثفت وتسارعت الاتجاهات التي كانت واضحة بالفعل قبل فيروس كورونا.

فالصين باعتبارها قوة في تصاعد سريع، أصبحت أكثر قوة وتنافساً مع الدول، كندا حتى أستراليا. والولايات المتحدة، القوة العظمى التي لا تزال على قمة الطاولة منذ مؤتمر بوتسدام، أصبحت منغلقة على نفسها بصورة متزايدة مع تغلغل الفيروس بين سكانها واقتصادها قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقال روري ميدكاف رئيس كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية، إن "كثيراً من المشاكل الهيكلية في النظام الدولي أصبحت واضحة بجلاء".

وأضاف أنه في ظل التقاء نقاط ضغط متعددة، من فشل القيادات، إلى الافتقار إلى الثقة في صحة المعلومات، كل ذلك يفاقم ما يعد عاصفة هوجاء.. والاختبار الكبير يتمثل حقيقة فيما إذا كان بوسعنا أن نقضي الأشهر الستة إلى الـ18 المقبلة دون أن تبلغ هذه الأزمات ذروتها".

صراع أيدولوجي
ففي بوتسدام، كانت الديناميكية الرئيسية هي الصراع الأيدولوجي بين النظامين الشيوعي والرأسمالي اللذين كانت تتبناهما موسكو وواشنطن. فالاتحاد السوفيتي بزعامة جوزيف ستالين خرج من الحرب قوة عظمى، بينما أظهر الرئيس الأمريكي هاري ترومان، التفوق التكنولوجي والعسكري للولايات المتحدة بإصداره الأمر وهو في المؤتمر، بإسقاط القنابل الذرية على هيروشيما ونغازاكي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، شبه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر المواجهة بين الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب والصين برئاسة شي جين بينغ بـ"سفوح" حرب باردة جديدة.

حرب باردة
ويقول المؤرخ نيل فيرغسون، إننا بالفعل في حرب باردة. ويتفق معظم المحللين على أنه ليس من المحتمل أن يوقف جو بايدن إذا فاز بالرئاسة تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة، والصين.

أما عند ميدكاف الذي يتناول كتابه "الامبراطورية الهندية الباسفيكية" التنافس الاستراتيجي في المنطقة، فلا تتمثل القضية الرئيسية الآن فقط في كيفية مواجهة الولايات المتحدة لتحدي صعود الصين، ولكن تتمثل فيما إذا كان "اللاعبون الأوسط" بما في ذلك الهند، وأستراليا، واليابان وأوروبا، على استعداد للمجازفة بالدفاع عن النظام الدولي، والتعاون معاً من أجل ذلك.

ويضيف كروفورد أن المشكلة هي أنه لا يوجد منتدى واضح لمناقشة شكل العالم بعد انتهاء جائحة كورونا.

غموض
فمجموعة الدول السبع في كمون، بينما ترامب مضيف اجتماع المجموعة هذا العام، في خلاف حول الدولة التي يتعين أن تكون عضواً فيها.

وتأجلت إلى أجل غير مسمى قمة كانت مقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل بين زعماء الاتحاد الأوروبي، والرئيس الصيني.

ولا يزال الغموض يحيط بقمة مجموعة العشرين التي كان من المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل برئاسة السعودية.

والأمم المتحدة، التي تأسست في 1945 لمنع اندلاع حروب أخرى، في اختلال وظيفي إلى حد كبير، فقد حالت روسيا والصين، وهما من الدول الخمس التي لها حق"الفيتو" دون صدور قرار آخر خاص بسوريا هذه المرة.

صراع محيّر
من ناحية أخرى، فإن مصادر الصراع مع بكين موجودة في كل مكان، وبصورة مفاجئة ومحيرة. فالصين التي أبدت تعاطفا واسع النطاق، وقدمت دعماً طبياً في بداية العام عندما أصبحت أول دولة تعاني من تأثير فيروس كورونا، تخلت عن تلك النوايا الطيبة.

فهي في خلاف مع أستراليا، حول أصول الفيروس، ومع كندا على احتجاز الرئيس التنفيذي لشركة هواوي تكنولوجيز مينغ وانزاو، ومع الهند بسبب حدود متنازع عليها. وتتجه اليابان والاتحاد الأوروبي إلى أن يصبحا أقل اعتماداً على الصين بسبب مشاكل في سلسلة الإمداد كشفها تفشي كورونا.

وألمانيا وأستراليا دولتان من بين كثير من الدول التي تعتزم سن أو تشديد تشريعات للحماية ضد الاستثمارات الاستغلالية من جانب الصين.

تحول الرأي العام
وتقول أغاثا كراتز مديرة مجموعة روديوم في باريس، والتي تقود أبحاثاً خاصة بالعلاقات الأوروبية الصينية، إن موقف أوروبا من الصين يزيد تشدداً، ويساعده في ذلك تحول سريع في الرأي العام الأوروبي ضد بكين.

كما أن قانون الأمن القومي الجديد الذي فرضته الصين على هونغ كونغ، أسفر عن غضب عالمي من تدخل بكين في شؤون هونغ كونغ، وأدى إلى توتر شديد مع بريطانيا.

توترات
وهناك توترات كبيرة بين الصين، وتايوان، وفي وبحر الصين الجنوبي، وبحر شرق الصين، وهما محل نزاع في ظل استعراض صيني مفرط للقوة، حسبما قال وليام شونغ، كبير الزملاء بمعهد دراسات جنوب شرق آسيا بسنغافورة.

وأضاف أن الصينيين يرون أن الولايات المتحدة، فقدت قيادتها في منطقة آسيا الباسفيكي، إن لم يكن في العالم. لذلك ترى الصين أن عليها استغلال هذه الفرصة لزيادة ضغطها في المنطقة.

حرب مفتوحة
ويعرب شونغ عن قلقه من إمكانية تحول أي مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، أو بين اليابان والصين، إلى حرب مفتوحة بصورة غير مقصودة. ومن ناحية أخرى، فإن التاريخ ملىء بالتداعيات غير المقصودة، التي كان مؤتمر بوتسدام سبباً في الكثير منها.

ما قبل العاصفة..
فطوال 16 يوماً، قرر ترومان، وستالين، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، مصير ألمانيا والحدود الغربية لبولندا، مع اتخاذ مواقف كانت لها تداعيات بعيدة الأثر على الشرق الأوسط، والصين، واليابان، وكوريا.

ويقول ميدكاف رئيس كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية: "مهما يحدث الآن، فنحن على حافة نوع من العاصفة التي تستجمع قواها... فقط نحن لا نعرف ماذا ستكون عليه العاصفة، أو كيف ستهب".