الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)
الجمعة 10 يوليو 2020 / 22:07

استبداد أردوغان يصل إلى الجامعات

عمدت أنقرة في الأسابيع الماضية إلى إغلاق جامعة أنشأها المحافظون الدينيون في تركيا، تزامناً مع إطلاق هجوم على منصات التواصل الإجتماعي في محاولة منها لمنع الشباب الأتراك من الحصول على تعليم مجاني ومجتمع إعلامي حر.

وأصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 30 يونيو (حزيران) مرسوماً أعلن فيه إغلاق جامعة "إسطنبول شهير"، المعروفة بمستوى تعليمها العالي بحجة العجز المالي الذي يمنع الجامعة من مواصلة أنشطتها.

وكانت الجامعة التي شارك في حفل افتتاحها عام 2010 أردوغان نفسه، تعرضت لضغوط سياسية ومالية متزايدة بعد نزاع داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبخاصة بين أردوغان ورئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو.

ويقول حسن كوسلبلبان، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة اسطنبول شهير، في مقالته المنشورة في موقع "فورن بوليسي" اليوم الجمعة أن العديد من الأكاديمين سيصبحون من دون عمل في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث.



في رسالة مفتوحة إلى أردوغان مؤرخة في 20 مايو (أيار)، وصفت جمعية دراسات الشرق الأوسط جامعة شهير بأنها "مؤسسة مستقلة للتعليم العالي اكتسبت سمعة قوية في العديد من التخصصات الأكاديمية .. إنها ملاذاً لوجهات نظر متنوعة التي جذبت الأكادمين الأكثر تميزاً في تركيا".

ولكن اليوم، لم تعد "جامعة شهير" مفضلة بعين أردوغان. عندما افترق داود أوغلو عن رئيس البلاد وشكل حزبه السياسي، أعيد فتح القضايا القانونية المغلقة سابقاً ضد الجامعة، وتعرضت الجامعة لمشاكل قانونية ومالية شديدة.

ويشير التقرير إلى أن آلاف من الطلاب باتوا اليوم أمام مستقبل غامض، وقد اضطر المئات من أعضاء التدريس البحث عن عمل في مكان آخر، في وقت بات العثور على وظيفة أكاديمية أقرب إلى المهمة المستحيلة، لاسيما وسط أزمة فيروس كورونا.

ويرى كوسلبلبان أن ما يحصل هو استمرار لنهج الأنظمة الاستبدادية التي تلاحق المؤسسات التي يكرهونها.



معارضة من أركان الحزب الحاكم 
وتصدى حزبا المعارضة المحافظان الجديدان، اللذان تم تشكيلهما من داخل حزب العدالة والتنمية، بشكل مباشر لهذه الصدمة.

داود أوغلو، الذي يقود الآن حزباً محافظاً (المستقبل) يتحدى به حزب العدالة والتنمية، ألقى باللوم مباشرة على أردوغان في قرار الإغلاق. كما عبّر نائب رئيس الوزراء السابق لحزب العدالة والتنمية، علي باباجان، الذي أصبح الآن زعيم حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا)، عن رد فعله واصفاً الإغلاق بأنها "معادية وغير قانونية".

تصريحان من شأنهما الإشارة إلى نشوء تحالف جديد متعدد الأطراف مؤيد للديمقراطية، يجمع تحت مظلته أحزاب معارضة أخرى أعلنت رفضها لقرار إغلاق الجامعة، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري العلماني وحزب الخير القومي.

ويشير التقرير إلى أن إغلاق الجامعة ليست سوى جزء صغير من المخطط السياسي الأكبر للنظام الاستبدادي.



إذ يبدو واضحاً أيضاً محاولة التحكم في عقول الشباب عبر حجب ما يتم التداول به عبر منصات التواصل الإجتماعي، وانكشف الاستياء الواسع عبر المقابلة التي أجراها أردوغان عبر يوتيوب في 26 يونيو (حزيران)، والتي تداعى الشباب التركي من كل حدب وصوب لتوجيه رسالة مباشرة للرئيس التركي عبر الضغط على زر "عدم الإعجاب - استياء" وترك الآلاف من الرسائل السلبية تجاه طريقة إدارة البلاد. ويسجل فيديو أردوغان اليوم 123 ألف إعجاب (لايك) وما يزيد على 420 ألف (استياء).

ولم تمر حادثة توجيه الشتائم إلى كريمة أردوغان، زوجة وزير الاقتصاد التركي على خير أيضاً، فرد أردوغان بالتحذير من نشر منصات التواصل للأكاذيب والإهانات والمس بالكرامات، داعياً إلى إزالة والتحكم بمنصات التواصل، محدداً بالاسم يوتيوب وتويتر.

وإلى جانب منصات التواصل عبر الانترنت، لم يتبق سوى عدد ضئيل من وسائل الإعلام التي ما زالت خارج هيمنة الحكومة التركية، وهي تعاني باستمرار من العقوبات والقرارات المجحفة بحقها.

ومع ذلك، فإن وجود منصات التواصل يجعل محاولات الحكومة للسيطرة على وسائل الإعلام التقليدية غير فعالة، إذ أنها تسمح عبرها بحرية التعبير على الشبكات التي لا تزال خارج سيطرة الحكومة.



ويعد إغلاق جامعة شهير وانكشاف جهود الحكومة ضد منصات التواصل الاجتماعي مؤشراً على يأس الائتلاف الحاكم مع تعرض تركيا لأزمة اقتصادية كبيرة وتحولاً ديموغرافياً.

فأردوغان الذي كان في يوم من الأيام يبرز على أنه قائداً يلهم على الإصلاح والديمقراطية، بات اليوم غير قادر على جذب انتباه الشباب، بل يعمد بدلاً من ذلك إلى التحكم في عقلية الشباب المتعلمين من المجتمع التركي من خلال منعهم من الوصول إلى بيئة أكاديمية وإعلامية تعددية.

وعلى الرغم من سوداوية المشهد، إلا أن كوسلبلبان يشير إلى أن التاريخ يكشف أن تركيا لا يمكن أن تستمر في العيش بمرحلة الاستبداد لفترة طويلة، ومن أجل عودة الديناميكية الاقتصادية إليها يجب على أنقرة أن تنفتح على العالم الخارجي، وأن تتعرض لمجموعة متنوعة من الأفكار ووجهات النظر، وأن تبقي شبابها مؤمن بمستقبل لبلادهم.