الإثنين 13 يوليو 2020 / 15:18

بعد فشله في إيجاد حلول.. حزب أردوغان يحتقر الفقراء

24 - شيماء بهلول

أثار فيديو نشره رئيس الكوادر الشابة بمحافظة شانلي أورفا التركية عن حزب العدالة والتنمية، محمد صالح سارتش، ردود أفعال ساخطة كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لاستخدامه ألفاظاً فاضحة أثناء التصوير فضلاً عن سخريته من الفقراء في تركيا.

وظهر المسؤول مستلقياً داخل حوض الجاكوزي، وقال موجهاً حديثه لبعض الناس، "أيها الفقراء اللُعناءُ، لا تزعجونني، حسناً؟ فأنا أستمتع بهذا قليلاً".


وذكرت صحيفة "جمهورييت" التركية، أن سارتش أعلن استقالته بعد أن تسبب الفيديو في هجوم كبير من المستخدمين عليه وعلى الحزب الحاكم في تركيا، وقال في بيان له "أرى أن الموضوع قد تحول حول حزبنا وفروع الشباب الخاصة بنا"، أعتذر للجميع عن هذا".

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا مقطع الفيديو وشاركوه عبر حساباتهم، حيث بدا محمد صالح سارتش، وكأنه يحتقر طبقة الفقراء، ويتباهى بما لديه من ممتلكات ووسائل ترفيه، في حين أن الفقراء لا يحلمون حتى بهذا بالثراء الذي ينعم به.



استقالات بالجملة
وكان رئيس بلدية بالكسير عن حزب العدالة والتنمية التركي، إكرام باشاران، أعلن استقالته إضافة إلى 5 من رؤساء البلديات من الحزب الحاكم في تركيا، الذي يعاني مؤخراً من الاستقالات الجماعية المتكررة.

وصرح رؤساء البلديات المستقيلين لصحيفة سوزجو التركية، أنه في هذه المرحلة قرروا عدم الاستمرار ويريدون الإذن بالاستقالة.

وقال الخبير في الشؤون التركية محمد ربيع، إن "حزب العدالة والتنمية في تركيا تعرض لعدة ضربات متتالية، حيث يشهد موجات استقالات متتالية منذ أكثر من عامين".

وتأتي هذه الاستقالات في إطار رفض أعضاء الحزب لسياسات أردوغان التي تضر بالبلاد، فسبق وأن استقال أعضاء مؤسسون في الحزب أمثال أحمد داود اغلو وعلي باباجان، واليوم يستقيل أعضاء بارزون، نظراً لخسارة الحزب المتتالية وخاصة على الصعيد الشعبي بسبب سياسات أردوغان.


وأضاف أن "الاستقالات تأتي بالتزامن مع مجموعة متغيرات تشهدها الساحة الدولية والداخلية في تركيا، حيث شهدت أنقرة قرار متهورة لأردوغان، فضلاً عن الهزائم المتتالية له في ملفات السياسة الخارجية والإخفاقات الشديدة التي باتت يمنى بها بسبب تدخله في العديد من الملفات وخاصة استخدامه القوى، كما أن الاستقالات تأتي في إطار التراجع الشديد في شعبية الحزب الحاكم، وسوء الأحوال المعيشية في تركيا والتي تسببت فيها سياسات أردوغان".

وأوضح الخبير أن مثل هذه الانشقاقات وغيرها تؤكد كل يوم حالة الاستقطاب الشديد الذي بات يشهدها الشارع التركي اتجاه أحزاب جديدة بديلة عن الحزب الحاكم، وتتمتع بنفوذ شديد وشعبية كبيرة، كما أنه مؤشر خطير على أن القاعدة المؤيدة لأردوغان أيدلوجياً بدأت في التآكل والتصدع نظراً لسياساته غير المبررة التي أدت في النهاية إلى تآكل شعبة أردوغان وحزبه.

وتابع "يبدو أن الكثير من أعضاء الحزب الحاكم شعروا بالحرج في التعامل مع الشارع التركي بعد أن لمسوا مدى رفض الشارع لهم، لذلك قروا الابتعاد عن الحزب الحاكم الذي يقوده أردوغان الآن إلى حافة الهاوية، الأمر الذي دفع العديد من أعضاء الحزب ومن القاعدة الشعبية للحزب نحو الاستقالة والانضمام إلى أحزاب جديدة مثل حزب المستقبل أو حزب ديفا (حزب الديمقراطية والتقدم)".



رغبة في التغيير
وتوقع مدير إحدى شركات استطلاعات الرأي في تركيا، أن يحدث تراجعاً حاداً في الأصوات المحتمل حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم عليها حال عقد انتخابات مبكرة.

وقال مدير مؤسسة "جينار" لاستطلاعات الرأي والدراسات المجتمعية المعروفة في تركيا، إحسان آقطاش، إن الفترة المقبلة ستشهد تراجعاً حاداً في أصوات الحزب، وذلك مقابل ارتفاع أصوات حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد لأكثر من 30%. 

وأضاف "ومن الجدير بالذكر أن ما حققه الشعب الجمهوري من تقدم كبير في الانتخابات المحلية التي جرت العام الماضي، ترك انطباعاً لدى المعارضة والنخب المثقفة مفاده أنه قادر على تحقيق نفس النجاحات في أول انتخابات عامة؛ لترتفع أصواته لأكثر من 30%".

وكانت مؤسسة "متروبول" للدراسات أجرت مقارنة بين استطلاعات رأي حول تأييد حزب العدالة والتنمية، ففي فبراير(شباط) الماضي كانت نسبة تأييد العدالة والتنمية فيه 33.9%، بينما تراجعت في مارس(آذار) الماضي إلى 33.7%، ثم إلى 32.8% خلال أبريل(نيسان)، و30.7% في مايو(أيار) الماضي، وأخيراً إلى 30.3% في يونيو(حزيران) الماضي.

وأما حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري، فقد كانت أصواته في مارس(آذار) الماضي 17.7%، بينما ارتفعت في أبريل(نيسان) الماضي إلى 19.0%، ثم إلى 21.7% خلال مايو(أيار) الماضي، حتى وصلت إلى 24% خلال يونيو(حزيران) الماضي.



بطالة وفقر
وتعيش تركيا على وقع سلسلة من الأزمات في كل المجالات، ولا سيما الاقتصادية منها، والتي أسفرت عن تردي الأوضاع كافة، وازدياد معدلات الفقر والتضخم والبطالة.

وأشارت تقارير إلى أن هناك أكثر من 3.9 ملايين فرد عاطل عن العمل في تركيا حتى نهاية مارس(آذار) الماضي، وهو الشهر الذي يسبق أزمة اقتصادية حادة عانت منها البلاد نتيجة تفشي فيروس كورونا في البلاد من جهة وانهيار حاد في سعر العملة من جهة أخرى.

وبدأت الأزمات تتسارع على اقتصاد تركيا منذ أبريل(نيسان) 2020، مع ظهور فوضى في سيطرة الحكومة التركية على تفشي جائحة كورونا في البلاد، إلى جانب صعوبات نقدية ومالية أفضت إلى انهيار سعر صرف الليرة لمستويات تاريخية مقابل الدولار.

وجاء في بيانات حديثة صادرة عن هيئة الإحصاء التركية، أن عدد العاطلين عن العمل في السوق المحلية، بلغ حتى نهاية مارس(آذار) الماضي، نحو 3 ملايين 971 ألف شخص، بنسبة بطالة بلغت 13.2%.



وخلال مارس(آذار) الماضي، انخفض عدد العاملين بمقدار مليون 662 ألف إلى 26 مليون 133 ألف شخص، أي انتقلت نسبة من العمل إلى البطالة إذ بلغ معدل العمالة 42.0% بانخفاض 3.4 نقطة مئوية مقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي.

وحتى نهاية مارس(آذار) الماضي، بلغ عدد القوى العاملة (العاملين والعاطلين عن العمل) نحو 30 مليون و104 ألف فرد بانخفاض مليونين و235 ألف شخص، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

وأورد تقرير الإحصاء التركي، أن نسبة الأشخاص الذين يعملون بدون ضمان اجتماعي، فيما يتعلق بالوظيفة الرئيسية 29.1%، بانخفاض 4.8 نقطة مئوية مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وفي المقابل، بلغ معدل العمالة غير المسجلة 18.6% بانخفاض قدره 4.5 نقطة مئوية في القطاع غير الزراعي مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

وبالنسبة للفئة العمرية 15-64، كان معدل البطالة 13.5%، ومعدل البطالة غير الزراعية 15.1%، فيما بلغ معدل بطالة الشباب بين سن 15-24 سنة 24.6%.


مهاجمة العاطلين
ومن جهته، جر ارتفاع معدل البطالة سيلاً من الانتقادات على الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته، بسبب سوء إدارتهما لأزمة التوظيف.

إلا أن أردوغان قرر مرة أخرى أن يدافع عن نفسه بنفسه، حيث هاجم العاطلين بالقول إنه "لا يمكن أن يتمكن كل الخريجين من إيجاد فرص عمل عقب تخرجهم"، وهو ما أثار غضب الكثيرين من خريجي الجامعات.

وقال عاطلون عن العمل إنه "بدلاً من أن يطمئن أردوغان هذه الفئة من المواطنين ويعلن تدشين مشاريع تضمن حصولها على وظائف، ها هو ينقل لنا أخبار سيئة عن مستقبلنا".

وتتهم المعارضة حكومة أردوغان بالتلاعب بالأرقام وإخفاء الأعداد الحقيقية للعاطلين عن العمل، لا سيما أن تقارير مؤسسة التشغيل التركية أظهرت أرقاماً أعلى بكثير من الأرقام التي كشفها معهد الإحصاء.

وقال مركز أبحاث اتحاد النقابات العمالية الثورية إن "معدلات وأرقام المركز التركي للإحصاء لم تعكس الزلزال الذي أحدثه وباء فيروس كورونا في تركيا، ليعلن عن أرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية".

وأكد أن هناك مئات الآلاف من أماكن العمل قد تم إغلاقها، وخسر العاملون فيها وظائفهم، مشيراً إلى أن الأرقام المنخفضة التي تم الإعلان عنها غير قابلة للتصديق.



فساد عميق
وتجرعت تركيا على مدار 18 عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002، قضايا فساد ومخالفة القوانين التي كانت السمة البارزة للحزب الحاكم، وهذا ما كشفه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو(المعارض حالياً)، إذ أن حكومة العدالة والتنمية تتلاعب بالأرقام للتستر على وضعها الاقتصادي المتدهور، وتلجأ لفرض الضرائب ورفع أسعار السلع والخدمات لعلاج العجز الذي تسبب فيه فساد أردوغان وعائلته.

وتحاصر ملفات الفساد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأفراد عائلته، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وبخاصة بعد الصلاحيات المطلقة التي منحها لنفسه فور التحول للنظام الرئاسي.

وحرص أردوغان دوماً على توريط حزبه في الفساد؛ كي لا تكون لديهم أي فرصة لمواجهته أو اتهامه بالفساد، باعتبارهم غارقين في المستنقع نفسه، الأمر الذي انعكس على تراجع تركيا إلى المرتبة الـ91 في مؤشر مدركات الفساد للعام 2019 لجمعية الشفافية الدولية، وتراجعت مرتبتها في عام واحد 13 مركزاً.

كما استغل أردوغان منصبه لتغيير الكثير من القوانين؛ حتى يتمكن من ارتكاب أكبر وقائع الفساد على امتداد تاريخ الجمهورية التركية، ووفقاً لتقرير أعدته صحيفة "بيرغون» في مايو(أيار) 2018، فقد تم تعديل قانون المناقصات العامة 186 مرة خلال 187 شهراً من تولى حزب العدالة والتنمية السلطة.



وفي محاولة لغسل سمعة أردوغان، نشرت الجريدة الرسمية في تركيا بيانات توضح القيمة الفعلية لممتلكات الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعمت أنه بعد 16 عاماً من الرئاسة عليه ديون بمبلغ مليوني ليرة، أي ما يعادل 434 ألف دولار لرجل الأعمال محمد غور، أما ممتلكاته فتصل إلى 6 ملايين و347 ألف ليرة تركية أي ما يقارب مليوناً و300 ألف دولار، محفوظة في 3 بنوك.

ونشر موقع نودريك مونتيرو، وثائق تكشف أن الرئيس التركي جمع الأموال التي أسس بها حزبه السياسي، من خلال الفساد وتزوير المناقصات عندما كان يستلم منصب عمدة مدينة إسطنبول.

وأظهرت التقارير، تحقيقات أجرتها وزارة الداخلية والعديد من لوائح الاتهامات الجنائية التي قدمها المدعون ضد أردوغان وشركائه، أن المشتبه بهم متهمون بتأسيس مؤسسة إجرامية واختلاس الأموال العامة والفساد والاحتيال وإساءة استخدام السلطة وتزوير الوثائق الرسمية وشهادة الزور وغيرها.

وذكرت أن أردوغان وشركاءه قاموا بإنشاء شركات كواجهة ليتم تحويل الأموال، وقام أردوغان بتوظيف أشخاص متطرفين سياسياً وأقال الموظفين القدماء.

وأظهرت الوثائق، أن أردوغان تمكن من تجنب اتهامات الفساد والاختلاس، من خلال قانون التقادم الذي يتيح إسقاط القضايا تلقائياً بعد 5 سنوات، والتهم الأخرى تمت إزالتها من خلال الموالين الذين زرعهم في القضاء بعد أن أصبح رئيساً للوزراء.

وأشارت تحقيقات الفساد التي نُشرت في 2013، إلى قيام أردوغان ببرم مناقصات وعقود بمليارات الدولارات بأسماء شركاته، ومع تصاعد نمو ثروته قام بإقالة حوالي 30% من القضاة والمدعيين العامين الذين قُدِّروا بحوالي 4000 شخص من القضاء التركي، من أجل تأمين منصبه وعدم السماح برفع أي قضايا جنائية ضده أو ضد عائلته أو شركاته.