الثلاثاء 14 يوليو 2020 / 17:17

قريباً.. رواية أليف شافاك الجديدة بالعربية

تصدر بعد أيام قليلة عن دار الآداب اللبنانية ترجمة لرواية جديدة للروائية التركية أليف شافاك، التي تحمل عنوان "10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب"، وهو الوقت الذي سيبقى فيه عقل البطلة ليلى المتوفاة يعمل، لا بل ويعمل بحيوية فائقة، بعد أن فارقت الحياة، أو هكذا يفترض.

وبحسب ما جاء في مقتطفات من الرواية، لن تتذكر ليلى في هذه اللحظات الثمينة التي أهديت لها، أموراً كبيرة بالمعنى الدنيوي، إنما دقائق الأمور وصغائرها، وأكثرها حسية، مثل رائحة القهوة، وطعم لحم الماعز ونكهة التوابل.

والكتاب من ترجمة محمد درويش وهنا مطلع الرواية الذي نشرته "الشرق الأوسط":

كان اسمُها ليلى، ليلى التكيلا هو الاسم الذي اشتُهرتْ به بين أصدقائها وزبائنها. كانوا ينادونها بليلى التكيلا في العمل وفي البيت؛ البيت الذي كان لونُه بلون الخشب الورديّ، ويقعُ في طريقٍ مسدودٍ مرصوفٍ بالحجارة عند رصيف المرفأ، ما بين كنيسة وهيكلٍ يهوديّ، وسط دكاكين تبيع المصابيحَ والكباب، في الشارع الذي يضمّ بين جوانبه أقدمَ المواخير المجازة في إسطنبول.
لكنْ، إنْ قُدِّر لها أن تسمعَكَ وأنت تتفوَّه باسمها على ذلك النحو، فقد تشعرُ بالإهانة، ثمّ تقذفكَ مازحة بفردة حذاءٍ من أحذيتها ذات الكعب العالي المستدقّ.
- الآن، يا عزيزي، لا في الماضي. اسمي الآن ليلى التكيلا.
لم تكن لتوافق، ولو مرَّة واحدة في ألف سنة، على أن يكون الكلامُ عليها بصيغة الماضي. إنّ مجرّد التَّفكير في ذلك يُشْعرها بالضَّعَة والانهزام، وهذا آخر ما تريد أن تشعر به في هذا العالم. لا، بل ستُصرّ على استعمال صيغة الحاضر، وإنْ باتت تدرك إدراكاً يبعثُ الكآبة في نفسها أنَّ قلبها قد توقَّف عن الخفقان قبل قليل، وأنَّ أنفاسها انقطعَتْ على حين غرَّة، وأنْ لا فائدة من إنكار وفاتها، بصرف النَّظر عن زاوية النَّظر إلى حالتها.

لم يدرِ أحدٌ من أصدقائها بالأمر بعدُ. فَهُمْ، في هذا الوقت المبكِّر من الصباح، غارقون في النوم، وكلٌّ منهم يحاول أن يجد وسيلة يَخرج بها من متاهة أحلامه. تمنَّت ليلى لو كانت في البيت أيضاً، مدثَّرة بالأغطية الدافئة، وقطُّها يجثم عند قدمَيْها والنعاسُ يُغالبه. كان القطّ مصاباً بالصَّمم التامّ، وكان ذا لون أسود باستثناء بقعة بيضاء على إحدى كفَّيْه. أسمَتهُ "السيِّد تشاپلن" تيمُّناً بتشارلي تشاپلن، لأنَّه كان يعيش في عالم صامتٍ خاصٍّ به، على غرار أبطال السينما في بداياتها.

كانت ليلى لتَهَبَ أي شيء لقاء وجودها في شقَّتها الآن. إلَّا أنَّها راقدة هنا، في منطقة من ضواحي إسطنبول، على الجهة الأخرى من ساحة كرة قدم مظلمة ورطبة، وداخل حاوية نفايات معدنيَّة ذات مقابض مكسوَّة بالصدأ وبِقشيْرات الطِّلاء. كانت حاوية ذات عجلات، ويبلغ ارتفاعُها أربعَ أقدام على الأقلّ، وعرضُها قدماً واحدة. أمَّا ليلى، فطولها خمسُ أقدام وسبعُ بوصات، ويُضاف إليها ثماني بوصات أخرى، هي مقدارُ ارتفاع حذائها المستدَقّ الأرجواني الذي ما يزال في قدميْها.

ثمَّة أشياء كثيرة كانت ترغب في معرفتها. لذا لبثتْ تفكِّر في اللَّحظات الأخيرة من حياتها، وتطرح على نفسها سؤالاً عن الخطأ الذي حدث، وكان هذا التَّفكيرُ تمريناً عبثيّاً ما دام يَصْعب فكُّ ألغاز الزمن، وكأنَّه كرة من الغَزْل.