أردوغان متحدثاً خلال أحد مؤتمرات حزب العدالة والتنمية (أرشيف / غيتي)
أردوغان متحدثاً خلال أحد مؤتمرات حزب العدالة والتنمية (أرشيف / غيتي)
الخميس 16 يوليو 2020 / 14:30

الخطر الأبرز على مستقبل أردوغان.. شباب تركيا

شكّل 26 يونيو (حزيران) تاريخاً لافتاً بتوجه الرئيس التركي إلى شباب بلاده في نداء مباشر عبر لقاء تم بثه عبر الإنترنت، إلا أن الضربة كانت بردود الفعل السلبية التي تلقاها، والتي فجرت غضباً لاحقاً بتهديده حجب منصات التواصل.

كان خطاب رجب طيب أردوغان للطلاب عبر يوتيوب يوم الجمعة 26 يونيو (حزيران) آخر إشارة إلى فشل جهوده لتشكيل الشباب التركي على صورته.

ضربة منصات التواصل
وذكر تقرير لموقع "فورن بوليسي" الإلكتروني، أن الآلاف من اليافعين الأتراك الذي انضموا إلى يوتيوب لمشاهدة أردوغان، أرادوا توجيه الرسائل مباشرة إلى الرئيس، فاستخدموا خانة التعليقات لانتقاد أردوغان، وضغط الآلاف منهم على زر "استياء" بدلاً من زر "لايك"، ليخبروا الرئيس التركي أنه لن يحصل على أصواتهم في الدورة المقبلة.

وبحسب التقرير، فإن العديد من الشباب الغاضبين هم طلاب مدارس وجامعات، وعانى العديد منهم من تغيير الحكومة مواعيد الامتحانات وبدء السنوات الدراسية عدة مرات خلال الأشهر الماضية، نتيجة لسوء التخطيط المرتبط بجائحة كورونا.

وما حصل عبر يوتيوب لم يكن سوى طرف الجبل الجليدي للغضب الشعبي ضد أردوغان الذي تكشّف لاحقاً عبر تويتر من خلال هاشتاغ #OyMoyYok - لا أصوات لك - والذي تحول إلى العبارة الأشهر على تويتر التركي.

وما الحل الذي اتخذه فريق أردوغان؟ تعطيل خدمة التعليقات على يوتيوب، ودفع الرئيس التركي إلى إعلان خطط للتحكم بمنصات التواصل الإجتماعي وحتى الذهب إلى إغلاقها بشكل تام.




تعليم ديني
نشأ جيل كامل من الشباب التركي الآن تحت حكم أردوغان رئيساً للوزراء، ثم رئيساً. ومع كون نصف سكان البلاد تحت سن 32، قد تكون للطبقة الشبابية نتائج سياسية كبيرة. ويبدو أن لا أحد يعرف ذلك أفضل من أردوغان: ابتداءً من 2012 ، شرع في مشروع لتربية "الأجيال المتديّنة"، والتي كانت الأداة الرئيسية لتحقيق ذلك عبر نظام تعليم وطني تضمن ضخ مليارات الدولارات في مجال التعليم الديني.

ارتفع عدد مدارس "ثانوية إمام خطيب" لتدريب الأئمة والخطباء وتوسّع هذا النظام ليشمل الفئات العمرية الأصغر. وفي المدارس الحكومية، ازداد عدد الساعات المخصصة للتعليم الديني وتم حظر تدريس نظرية التطور من المناهج الدراسية.

ولكن المدارس الدينية بات أداؤها ضعيف ووبالتالي تجذب نسبة أقل من الشباب، وينقل التقرير نتائج استطلاع وجد أن نسبة التديّن لدى الشباب بات يتضاءل بشكل مستمر وبات عدد قليل من الشبان يصفون أنفسهم بأنهم "محافظون دينياً"، لا بل أن طلاباً من مدارس "إمام خطيب" باتوا يخرجون عن دين الإسلام.

ويرى التقرير أن ما يحصل اليوم من قبل إدارة أردوغان هو تجريد للدين الإسلامي من جوهره الأخلاقي واستخدامه للتستر على الفساد وإضفاء الشرعية على الحكم المكون من شخص واحد. وهذا يدفع الشباب للبحث عن مصادر أخرى للسلطة الأخلاقية.



التحكم التربوي
إن رفض الشباب للصورة المحافظة التي يحاول أردوغان فرضها على المتجمع التركي متعلق أيضاً بسوء نوعية التعليم، حيث باتت المواد التعليمية المتعلقة بالدين تحل مكان المواد التعليمية الاعتيادية. ويعتبر أولياء الأمور من أكثر المنتقدين للجرعة الثقيلة من التعليم الديني في المدارس التي باتت اليوم تمنع الحصول على ما يكفي من دروس الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا التي تعتبر ركيزة النجاح في الامتحانات الجامعية.

القلق المتزايد حول جودة التعليم أوسع من الإطار الديني، إذ أن له علاقة أيضاً بتدخل أردوغان المستمر والمتزايد في النظام الجامعي. إذ بات الرئيس التركي، بعد التعديلات التي حدثت على دستور البلاد في 2018، صاحب السلطة الوحيدة لتعيين لتعيين رؤساء جميع الجامعات العامة والخاصة، وأغلب من وصل اليوم إلى سدة المسؤولية في الجامعات يوصمون بأنهم موالون سياسيون ذو مؤهلات أكاديمية ضعيفة.

ويرى التقرير أن جودة التعليم أصبحت واحدة من أكبر المخاوف بين الشباب الأتراك، حيث يعتقد العديد منهم أنه يمكنهم الحصول على تعليم جيد فقط في بلد غربي. وحتى مع زيادة حصة خريجي المدارس الثانوية الذين يتوجهون إلى التعليم العالي، يشك العديد من الشباب في أن شهادتهم ستوفر لهم وظيفة لائقة.



المحسوبية وكم الأفواه
ومع بلوغ البطالة بين الشباب 27٪ العام المنصرم، يزيد من مخاوف الشباب انتشار منطق المحسوبية في عهد أردوغان. إذ تعتقد الغالبية العظمى من الأتراك أن القاعدة الفعالة الآن لا تتعلق بمستوى العلم الذي حصلت عليه ولكن بمستوى الأشخاص الذين بإمكانهم أن يأمنوا لك الوظيفة، ويشكو من هذا المنطق حتى أولئك الذين يدعمون أردوغان والذين يشكون من عدم وجود توظيف قائم على الجدارة في كل من القطاعين العام والخاص.

وما يزيد مخاوف حدوث انتفاض ضد أردوغان هو الارتفاع المستمر بمستوى الاستبداد وتقليص الحريات في البلاد، فبحسب استطاع 2018، الغالبية العظمى من السكان تقدر حرية التعبير، والشباب بات اليوم أكثر تسامحاً تجاه الجماعات العرقية والدينية المختلفة مقارنة بالفئة العمرية المماثلة التي تم استطلاعها قبل 10 سنوات. وعدد المؤمنين بضرورة حظر الأحزاب السياسية عند الضرورة انخفض بشكل ملحوظ في السنوات الماضية، وباتت الغابية العظمى من الجيل الجديد الذي نشأ في عهد أردوغان تود الانتقال إلى خارج تركيا بحثاً عن الحرية والفرص.



وينقل التقرير أن التضخيم الذي حدث بالشعور العثماني خلال السنوات الماضي انقلب على رأس أردوغان، إذ بات الشباب يتوقون إلى تعليم علماني والعيش في دولة حديثة وحرة وديمقراطية. ويمكن الاستنتاج من الاستطلاعات أن الشباب التركي بات اليوم يحب الانتقال للعيش في أوروبا أو في أي مكان بمنطقة الشرق الأوسط، لا بل إن أكثر من 70% من الشباب رأوا أنهم يودون الانتقال إلى سويسرا أو المملكة العربية السعودية، حتى لو عنى ذلك عدم الحصول على نفس الميزات التي قد يحصلون عليها داخل تركيا.

ويختم التقرير بالإشارة إلى أن شعار "لا أصوات لك" بات يرتفع أكثر وأكثر في الشارع التركي، وما يحصل قد يكون دليلاً على أن أردوغان لم يفشل في تربية جيل من المؤيدين فحسب، بل أيضاً ساهم بتقوية الجيل الذي قد يهزمه في النهاية.