مدير مستشفى الحرير في بيروت فراس أبيض (أرشيف)
مدير مستشفى الحرير في بيروت فراس أبيض (أرشيف)
الإثنين 3 أغسطس 2020 / 14:06

فراس أبيض... الطبيب الذي استعاد الثقة في مرفق عام لبناني لمواجهة كورونا

إلى أشهر قليلة خلت، كان فراس أبيض طبيباً وأستاذاً جامعياً بعيداً عن الأضواء، حتى دفعته أزمة كورونا إلى الواجهة، فبات مدير المستشفى الحكومي الذي يقود جهود التصدي للوباء مرجعاً موثوقاً عند لبنانيين كثر فقدوا ثقتهم في القطاع العام ومؤسساته.

في مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي لطالما ارتبط اسمه لدى اللبنانيين بمنشأة طبية يقصدها الفقراء المحرومين من تأمين صحي، وبإضرابات موظفيها المطالبين برواتبهم، يدير أبيض 52 عاماً، طاقماً إدارياً وطبياً يعمل مثل خلية نحل منذ استقبال أول المصابين بفيروس كورونا في فبراير(شباط) الماضي.

يحضر أبيض في أيام عمله باكراً إلى المستشفى عند أطراف بيروت الجنوبية. في مكتبه، يتابع المراجعات كافة. يوقّع أوراقاً ومستندات. ينتقل إلى قاعة أخرى ليجتمع عبر تقنية الفيديو مع المشرفين على قسم كورونا، يسأل عن احتياجاتهم والعوائق. يجول على المستودعات وينسّق مع المعنيين والمستشفيات الحكومية الأخرى.



منذ 2015، أصبح أبيض، وهو جراح في الجهاز الهضمي والبدانة، والمتخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت ومن الأساتذة المحاضرين فيها، وحامل ديبلوم في الإدارة منها، رئيس مجلس إدارة ومديراً عاماً للمستشفى.

ويحظى عمله بتقدير في أوساط المنظمات الإنسانية وشريحة واسعة من المواطنين.

ففي خضمّ أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان، وفي ظل عجز السلطة عن تقديم أي حلول، لا يقتصر عمله على الشقّ الإداري فحسب.

في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، كان عليه أن يحذّر من تأجيل جراحات وإقفال غرفتي عمليات، وإطفاء التكييف في الأقسام الإدارية، بسبب قرب نفاد المازوت من المولدات لتأمين التغذية بالكهرباء فيما تجاوزت ساعات التقنين 15 ساعة. فكانت تغريدة واحدة منه كفيلة بإغداق التبرعات لتوفير احتياجات المشفى.

وبعد انتشار مقاطع فيديو في منتصف الشهر تظهر اكتظاظاً أمام قسم فحوص كشف الفيروس في المستشفى دون احترام التباعد الاجتماعي، سارع إلى الاعتراف بالخلل وفي اليوم الثاني كان بربطة عنقه وقميصه الأبيض في طليعة منظمي صفوف الانتظار الطويلة.



ورغم انشغالاته، يشارك أبيض على "تويتر" ما يتوفّر لديه من معطيات عن الوباء والإصابات.

ولا يتردّد، بدبلوماسية لافتة، في تصويب النقاش الرسمي حين يضلّ طريقه، أو تقديم النصح عن الوسائل المتاحة لتجنّب السيناريوهات الأسوأ مع ازدياد الإصابات.

وتلقى تغريداته، بالانجليزية إجمالاً، تفاعلاً ومشاركة. وتسارع وسائل إعلام محلية إلى ترجمتها ونشرها بوصفه مرجعاً موثوقاً يفنّد الوقائع ويقدم النصح بلا تهويل أو مبالغة.

في بلد مثل لبنان، تثقل الطائفية ومنطق المحاصصة كاهله، يقدم أبيض صورة يجدها كثيرون "مشرقة" عن مسؤول في قطاع عام، قائم على المحسوبيات والزبائنية.

وتقول دونا معلاوي، الناشطة في التظاهرات التي عمت لبنان احتجاجاً على فساد الطبقة السياسية، لفرانس برس، إن أبيض يقدم "نموذجاً فريداً"، فهو "يتوجّه برسائل شبه يومية حول الواقع بلا تجميل، ولكن مع إلمام واضح بالتفاصيل".

ويصفه رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان كريستوفر مارتن، برجل "استثنائي".

ويقول لفرانس برس إن أبيض بات في الأشهر الماضية "شخصية مؤثرة. يكفي أن يقرأ الفرد سلسلة تغريداته لإدراك مقدار الذكاء والتفكير" الذي يتمتع به.



وانطلاقاً من تعاونهما المشترك منذ ثلاث سنوات، يعتبر أن أبيض "من بين اللبنانيين القلائل العاملين في القطاع العام الذين يعملون بصدق من أجل المصلحة العامة".

لكن ما يحصل عليه من إطراء يترك شعوراً بـ"الانزعاج" لدى أبيض، لأنه يظهر "كم بات مستوى التوقعات من المسؤولين متدنياً"، على حد قوله.

ويتابع الطبيب بنبرة جدية "ما أقوم به هو ما يفترض أن نتوقعه من كل المسؤولين"، معتبراً أن "تركيز الضوء لا ينبغي أن ينصبّ على شخص إنما على فريق ومؤسسة في بلد نفتقد فيه إلى المؤسسات".

ويتصدّى لبنان للوباء في خضم انهيار اقتصادي دفع الكثيرين إلى إعطاء الأولوية لتأمين قوتهم اليومي، بعدما فقدوا وظائفهم أو جزءاً من مداخليهم.

وأعادت الحكومة قبل أيام فرض إغلاق على مرحلتين في محاولة للتخفيف من عدد الإصابات التي بلغت 4885 بينها 62 وفاة، وبعد ارتفاعها في الأسبوعين الأخيرين.

ويعتبر أبيض أنّ "تحدياً كبيراً" يواجه السلطات وهو "كيف ستخط مساراً بين معالجة الأزمتين"، خصوصاً أن إيلاء إحداها اهتماماً على حساب الأخرى ستكون عواقبه مكلفة.

ورغم إيمانه بأن تجنب سيناريو كارثي في أزمة كورونا ممكن، يبدي أبيض، الأب لثلاثة أولاد، تخوفه من "ضغط أكبر على القطاع الصحي" بحلول الخريف، وهو موسم تظهر فيه عادة الانفلونزا.

وما يقلقه أكثر هو تقاعس المستشفيات الخاصة، الأكبر والأكثر تجهيزاً والتي تشكل أكثر من 80% من قطاع الاستشفاء، عن المشاركة في تحمّل العبء بالشكل المطلوب.

ولا يتردد في دعوتها، رغم أن لديها مستحقات مالية لدى الدولة، إلى تحمل مسؤولياتها، بعيداً عن "حسابات الربح والخسارة" انطلاقاً من حجم الأزمة.

قبل سنوات، لم يكن انتقال أبيض من مستشفى الجامعة الأمريكية المرموق أين عمل لسنوات، إلى مرفق حكومي يعاني من اضطراب مالي وأزمات عدة، خياراً سهلاً.

لكنه قبل التحدي، ورأى فيه "واجباً" باعتباره المستشفى الأساسي الذي يعالج الطبقة الكادحة.

بعد سنوات، يجد نفسه أمام تحد جديد في مستشفى تحول إلى خط الدفاع الأول في مواجهة الوباء.

ولا يمنعه ذلك من رؤية جوانب إيجابية رغم التعب. إذ يقول: "التضحية والمساعدة والتشارك.. هذه اللحظات الجميلة أو الانتصارات الصغيرة.. تُعوّض".