أنقاض صومعة حبوب في ميناء بيروت (أرشيف)
أنقاض صومعة حبوب في ميناء بيروت (أرشيف)
الجمعة 7 أغسطس 2020 / 16:41

أزمة قمح في الأفق بعد انفجار بيروت

في مرفأ بيروت، امتزجت أطنان من القمح والذرة المخزنة مع الأتربة والركام بعدما دمر الانفجار الضخم جزءاً منها، ما يثير خوف اللبنانيين من انقطاع الخبز في بلد يعاني أساساً من غلاء الأسعار.

ويُعقّد الانفجار الضخم وصول المواد الغذائية في بلد يستورد أكثر من 85% منها، لا سيما القمح لإنتاج الخبز، في وقت ارتفع سعر كيس الخبز بعد الأزمة الاقتصادية خلال الأسابيع الماضية من 1500 إلى ألفي ليرة لبنانية.

ويقول رئيس مجلس إدارة أفران "وودن بايكري" غسان أبو حبيب "عندما رأينا الصوامع، أصبنا بالذعر"، وتناثر 15 ألف طن من القمح والذرة والشعير من إهراءات مرفأ بيروت التي تضررت مع الطاحونة القريبة منها بشكل كبير وانهارت أجزاء كبيرة منها.

ويفاقم تضرر المخازن التي تتسع لـ120 ألف طن من الحبوب، مخاوف اللبنانيين الذين يخشون منذ أشهر انقطاع القمح، أو ارتفاع سعره أكثر في ظل الأزمة الحادة في السيولة، باعتبار أن هذه المادة الأساسية مدعومة من الدولة.

وبينما كانوا يتابعون بعجز انهيار الاقتصاد في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهش وتفاقمه مع تفشي وباء كورونا، أتى انفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل 154 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، ليشكل أكبر كارثة عرفها اللبنانيون.

ويتخبّط لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، وتآكلت قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان لاستيراد مواد حيوية مدعومة مثل القمح والأدوية والوقود، وفرضت المصارف قيوداً على سحب الدولار ومنعت عمليات تحويله إلى الخارج، ما عقد العمليات التجارية.

وتراجعت حركة حاويات البضائع 45% في النصف الأول من 2020 مقارنة مع العام الماضي، وفق تقرير لـ "بلوم إنفست"، في وقت ساهم تدهور قيمة الليرة اللبنانية بـ 80% في ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية تخطى 70%.

ويقول أبو حبيب: "منذ ما قبل الإنفجار، نواجه صعوبات بالنسبة إلى القمح والطحين، إذ ليس لدى المطاحن كميات كافية، كما ليس لديها المازوت الضروري للتشغيل".

وتحتاج أفران "وودن بايكري" التي توزع منتجاتها في المناطق كافة، إلى ما بين 60 و70 طناً من الطحين يومياً، غير أنه لم يكن بمقدورها الحصول في الفترة الماضية إلا على 70% من حاجاتها، وأضاف أبو حبيب "مطبخنا الرئيسي غير قادر على تلبية الطلبات الضرورية لتعبئة الرفوف".

وغداة الانفجار، توافد مئات الزبائن إلى فرن الكبوشية الصغير في شارع الحمرا في بيروت خشية انقطاع الخبز في السوق، ويقول أحد عمال الفرن حيدر الموسوي: "انتهى المخزون لدينا جراء التهافت على الخبز والطحين"، مشيراً إلى أن الشخص الواحد كان يشتري 5 أكياس خبز إثر الانفجار.

وأضاف "الخبز هو الشيء الوحيد الذي يُشبع الفقير، فنحن لا نجلس في مطاعم مار مخايل لنأكل اللحمة بالشوكة والسكين".

وسارع مسؤولون بعد الانفجار إلى التخفيف من وطأة المخاوف، وطمأنوا على وجود مخزون من القمح يكفي لشهر، وأن شحنات جديدة ستصل إلى مرفأي طرابلس شمالاً، وصيداً جنوباً، ولكن المرفأين غير مجهزين مثل مرفأ بيروت المدمر، ولا توجد فيهما صوامع للتخزين، وفق ما يقول مدير مخازن بيروت السابق موسى خوري.

وأوضح "لا مثيل لمرفأ بيروت، كان إفراغ البواخر ونقل الحمولة إلى الصوامع أو تفريغ الصوامع لإرسال الحبوب إلى المطاحن يتواصل على مدى 24 ساعة في اليوم".

ومن المرجّح ألا تشهد أفران ومتاجر لبنان نقصاً في الخبز سريعاً، لكن "المشاكل الكبيرة" ستظهر في الأشهر المقبلة، وقال: "موانئ طرابلس وصيدا أصغر حجماً، وبالتالي سيحتاج  تفريغ الحبوب ونقلها وقتاً أطول وسيرتفع سعرها".

وأمام الواقع الجديد، سارع أصحاب المطاحن إلى تقدير كلفة نقل القمح من طرابلس، التي تبعد 80 كيلومتراً عن بيروت، فاتضح أنها ستكلفهم 6 دولارات إضافية للطن الواحد، وفق ما يقول مدير مطاحن منطقة الدورة رسلان سنو.

ويتساءل سنو "من سيدفع ثمنها؟ نحن؟"، مشيراً إلى أن كميات القمح القليلة التي كانت موجودة في صوامع بيروت وفي المطاحن كانت مرتبطة بتأخر المصرف المركزي في دفع المستحقات للمزودين.

ودقت الأمم المتحدة أيضاً ناقوس الخطر، إذ حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من تفاقم الوضع الاقتصادي والغذائي المتردي بالفعل في لبنان بعد الانفجار، ومن ارتفاع أسعار المواد الغذائية لتكون بعيدة عن متناول الكثيرين.

ومنذ أشهر، يلجأ عدد متزايد من اللبنانيين إلى المنظمات الإنسانية مثل "بنك الطعام في لبنان"، والتي كانت خدماتها مكرسة بشكل أساسي لمساعدة مليوني لاجئ سوري وفلسطيني في لبنان، ودأبت المنظمة على وضع أكياس الخبز في سلّتها الغذائية من تبرعات أفران ومطاحن.

ومنذ التفجير، يوزع متطوعو المنظمة السندويشات والوجبات الخفيفة على السكان الذين طالت الأضرار منازلهم، وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة سهى زعيتر: "ليس لديهم وقت للطبخ لأنهم ينظفون منازلهم".

وتلقت المنظمة حتى الآن تبرعات على موقعها الإلكتروني من أكثر من 10 آلاف شخص، وأرسل آخرون مبالغ نقدية أو مساهمات عينية.

وتخشى زعيتر ألا تتمكن منظمتها من تقديم ما يكفي، إذ أن أحد الأفران، الذي كان يتبرع بـ500 كيس خبز، أبلغها أنه لن يستطيع زيادة الكمية خشية نقص القمح، وأضافت "كنا نواجه أساساً وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية، ثم جاء هذا الحادث الكارثة ليزيد الطين بلّة".