جانب من عملية اغتيال الحريري (أرشيف)
جانب من عملية اغتيال الحريري (أرشيف)
السبت 8 أغسطس 2020 / 14:34

مع قرب النطق بالحكم.. مخاوف من تقويض حزب الله لمحكمة الحريري

24 - إعداد: ريتا دبابنه

تصدر المحكمة المدعومة من الأمم المتحدة قريباً أحكامها في قضية اغتيال رفيق الحريري، التي استمرت 15 عاماً وأثارت اضطرابات في الشرق الأوسط، فيما يشير محللون إلى أن تأجيل صدور الأحكام النهائية والأموال الضخمة التي أنفقت عليها، قوضت هدفها الأصلي.

كما قلة من الناس في لبنان يثقون في أن حكومتهم ستحاسب المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، لا يتوقع أحد تقريباً الوصول إلى الحقيقة الكاملة حول مذبحة الحريري ومرافقيه

أعادت صحيفة نيويورك تايمز فتح ملف اغتيال الحريري، مع قرب صدور الأحكام الخاصة به، حيث كان من المقرر أن تصدر المحكمة قرارها أمس الجمعة، إلا أنه في أعقاب الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في العاصمة اللبنانية، وخلف مقتل نحو 154 شخصاً وإصابة نحو 5 آلاف آخرين، تم تأجيل الجلسة إلى يوم 18 أغسطس (آب) الجاري. 


انفجار هائل
وتقول الصحيفة "مزق الانفجار شرفات على طول الشاطئي، وتحطمت النوافذ على بعد عدة مبان، وتردد صداها في جميع أنحاء بيروت، تاركاً مدينة حطمت بسبب الخسائر التي لا تُحصى.. حدث ذلك قبل 15 عاماً وخمسة أشهر وثلاثة أسابيع، عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، و21 شخصاً آخرين، على يد انتحاري في سيارة مفخخة دمرت الواجهة البحرية للعاصمة اللبنانية، وأحدثت اضطراباً في الشرق الأوسط".

الآن، وفي الوقت الذي يصارع فيه 6.8 مليون شخص في لبنان مع صدمة التفجيرات الكارثية التي وقعت يوم الثلاثاء، والتي أودت بحياة أكثر من 150 شخصاً ومحت مساحات شاسعة من بيروت، يستعد اللبنانيون أيضاً لإصدار أحكام في اغتيال الحريري من قبل المحكمة الخاصة المدعومة من الأمم المتحدة في بيروت.


لا ثقة بالحكومة
ولكن، بما أن قلة من الناس في لبنان يثقون في أن حكومتهم ستحاسب المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت الناجم عن تخزين كميات كبيرة من مادة نيترات الأمونيوم سريعة الاشتعال بطريقة غير شرعية، لا يتوقع أحد تقريباً الوصول إلى الحقيقة الكاملة حول مذبحة الحريري ومرافقيه في عيد الحب عام 2005.

ففي أعقاب الانفجار الأخير، تشير الصحيفة "تتشاجر الفصائل السياسية حول ما إذا كانت ستدعو إلى تحقيق دولي على غرار التحقيق في اغتيال الحريري".

صناعة افتراضية
كلفت إجراءات قضية الحريري نحو 700 مليون دولار، واستغرقت سنوات عديدة، وأصبحت "صناعة افتراضية" في حد ذاتها مع ما يقرب من 411 قاضياً بدوام كامل.. هؤلاء جميعهم من أجل محاكمة لم يحضرها حتى المتهمون الأربعة وهم أعضاء في ميليشيا حزب الله الإرهابي، ولم يُعرف مكانهم وحوكموا غيابياً.

والأمر الأهم من ذلك تقول نيويورك تايمز، إن المدعين العامين لم يتطرقوا إلى السؤال الأساسي حول "من أو أي حكومة إن وجدت، أمر بالهجوم ولماذا؟".


خلل حكومي كبير
هذه القضية، مثل التفجيرات التي دمرت بيروت هذا الأسبوع، هي مثال صارخ على الافتقار المنهك للمساءلة والخلل الحكومي والانقسامات السياسية المتقلبة التي ابتليت بها لبنان منذ فترة طويلة. حتى قبل تفجيرات الثلاثاء، كانت البلاد تعاني من ديون هائلة، وأزمة اقتصادية متسارعة، وفساد، إضافة إلى جائحة فيروس كورونا، وعبء استيعاب أكثر من مليون لاجئ سوري.

ثم جاءت موجة الصدمة الكارثية التي اجتاحت المدينة. ولكن، تماماً كما حدث مع اغتيال الحريري ، أدت مأساة هذا الأسبوع إلى تأجيج الانقسامات السياسية العميقة في لبنان.

انقسامات
نفس النوع من الانقسامات يلوح في أفق قضية الحريري منذ البداية، حيث رفض حزب الله المحكمة باعتبارها أداة يستخدمها أعداؤه.

في وقت اغتياله، تقول الصحيفة، كان الحريري، كثيراً ما يشتبك مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان جيش بلاده يحتل لبنان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وكان يسعى إلى إنهاء الهيمنة السورية. كما كره علاقات حزب الله الوثيقة مع سوريا وإيران.


شبهات
ومباشرة بعد حادثة الاغتيال، سادت الشبهات حول سوريا، وأشار تحقيق مبكر للأمم المتحدة إلى تورط مسؤولين سوريين كبار وشركائهم اللبنانيين. وتحت ضغط دولي هائل، انسحبت سوريا من لبنان بعد شهرين. لكن الأدوار المحتملة لسوريا وإيران في الاغتيال كان من الصعب للغاية إثباتها ولم يتم فحصها في المحاكمة، وهي زلة قوبلت بانتقادات واسعة، وفق الصحيفة.

قال جينايل ميترو، وهو رجل قانون عينته المحكمة كمحامي دفاع: "الشيء الأكثر إثارة للصدمة في القضية هو مدى ضآلة الاستثمار في معرفة من أمر بالاغتيال وخطط له ومن كان له مصلحة في قتل الحريري".

غياب الشفافية
وبدلاً من ذلك، تضيف نيويورك تايمز "ركزت النيابة على أنشطة المتهمين الأربعة من ذوي الرتب الدنيا في حزب الله وهم سالم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي، وأسعد حسن صبرا. فيما سقط مشتبه خامس وهو الأعلى رتبة من لائحة الاتهام بعد مقتله في سوريا. مصطفى بدر الدين، كان رئيس الجناح العسكري لميليشيا حزب الله وأحد المقربين من زعيمها".

وأدى الخوف بين المسؤولين اللبنانيين من عدم إمكانية إجراء محاكمة بأمان في بيروت إلى إنشاء المحكمة، المعروفة باسم المحكمة الخاصة بلبنان، التي تشكلت في عام 2009 بموجب قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.


محكمة دولية.. ولكن
وبتفويض بالتحقيق في جرائم الإرهاب استناداً إلى القانون اللبناني، تم تكليف المحكمة بطاقم مختلط لبناني ودولي. وبما أنها ليست هيئة تابعة للأمم المتحدة، فقد دفع لبنان نصف ميزانيتها والنصف الآخر من الميزانية وفرته حكومات غربية، بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة، التي دعمت إنشاء المحكمة.

كانت الصعوبات واضحة منذ البداية، حيث أفاد ديتليف ميليس المدعي العام الألماني الذي أرسلته الأمم المتحدة بعد وقت قصير من الاغتيال، بأن السلطات السورية أحبطت عمله، ونفت أي تورط لها.


تورط مسؤولين
وحدد ميليس ما يقرب من 20 مشتبهاً بهم، من بينهم أربعة ضباط أمن لبنانيين كبار ومسؤولين سوريين كبار. لكن بعد ذلك ترك ميليس التحقيق، بعد أن تأكد من أن مسؤولي الأمم المتحدة لم يعد بإمكانهم ضمان أمنه. وكان خلفاء ميليس يركزون بشكل متزايد، على الطب الشرعي لمسرح الجريمة.

ومع افتتاح المحكمة قبل 11 عاماً، قال محامون مقربون من النيابة إن الأدلة حول دور كبار المسؤولين اللبنانيين أو السوريين لم ترتقي إلى المستوى المطلوب في المحاكمة. وتم الإفراج عن أربعة ضباط أمن لبنانيين رفيعي المستوى على إثر ذلك، وفقاً للصحيفة.


رغبة معدومة
وقال مايكل يونغ، كبير المحررين في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت والذي كتب عن الاغتيال: "أعتقد أن هناك رغبة في عدم الوصول إلى أسباب القتل لأسباب سياسية، خاصة أن معلومات مهمة توفرت خلال السنوات القليلة الأولى من الحادثة".

من جانبه، ذكر نورمان فاريل المدعي العام الحالي أنه يأمل في تحقيق نوع من العدالة، ربما "عدالة غير كاملة" حتى دون حضور المتهمين. ولدى سؤاله عن سبب عدم تحديد النيابة لمن يقف وراء عملية القتل، أجاب المتحدث باسم المحكمة، واجد رمضان، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "لا يمكن لمؤسسة قضائية محاكمة الأشخاص إلا بناءً على أدلة يمكنها الوقوف في المحكمة".


أدلة فنية
ركزت المحاكمة بشكل كبير على الأدلة الفنية. فبحسب نيويورك تايمز، أنتج المدعون خرائط تفصيلية لوقت ومكان إجراء المكالمات من الهواتف المحمولة للمتهمين، مما يدل على تتبع منهجي لتحركات الحريري. حتى أن الادعاء أجرى إعادة تمثيل للانفجار في قاعدة عسكرية في جنوب فرنسا.

وقال مؤيدو المحكمة، إن هدفها كان تمكين القضاء وإدخال حقبة جديدة من المساءلة في بلد ومنطقة لها تاريخ في تسوية الخلافات السياسية بالاغتيال. لكن سرعان ما انقسمت الآراء حيث استنكر معارضو الحريري ذلك باعتباره "أداة لمهاجمة سوريا وإيران".


وبحسب الدكتور ساري حنفي، عالم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في بيروت الذي درس التصورات اللبنانية عن المحكمة، فإن "الاستقطاب المحيط بالمحاكمة يعكس فشل لبنان في معالجة صدمة الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990".