الأحد 9 أغسطس 2020 / 16:15

طريق "الفردوس" الجديد في القاهرة يهدد مقابر المماليك الأثرية في مصر

تشق السلطات المصرية طريقاً جديداَ قد يساعد على فك الخناق المروري في العاصمة لكنه يثير سخط المصريين بسبب مروره بـ"قرافة المماليك" في شرق القاهرة وتسببه في هدم قبور عديدة في واحدة من أقدم مناطق المقابر في العالم الإسلامي.

ولم يمس المحور المروري الكبير بعضاً من رفات الراقدين تحت الثرى فحسب، بل شرد أيضاً العديد من الأسر التي كانت تتخذ من أحواش المدافن والأضرحة مساكن لها في ظل ارتفاع نسبة الفقر وعدم القدرة على شراء منزل.

ومن هذه العائلات، أسرة منة (33 عاماً)، الأم لثلاثة أطفال والتي فوجئت بجرّافة تهد جدار حوش مدفن أحد باشوات مصر القدامى، يعيشون فيه.

وقالت وهي تجلس على ركام المدفن "أخذنا على حين غرة. فجأة وجدنا البلدوزر يهد علينا الحائط ووجدنا أنفسنا نرمي بأشيائنا مثل المجانين". وأضافت "رمونا في الشارع و شرّدونا و شرّدوا أطفالنا".

ومن المفارقة أن هذا المحور المروري السريع الذي بدأ إنشاؤه في يوليو (تموز) حين جثت أعمدته الخرسانية على القبور وأرّقت هدوء مدينة الموتى المدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) للتراث العالمي، يدعى "الفردوس".

كان جد منة ومن بعده والدها هما المسؤولان عن هذا المدفن، وبعد وفاتهما تم دفنهما بداخله، وورثت الشابة المصرية المسؤولية بعدهما وعاشت في المدفن مع زوجها وأطفالها.

لكن ما حدث جعلها تقوم بإخراج رفات الموتى من أجل نقلها إلى مكان أخر أكثر أماناً وقالت "المنظر كان بشعاً.. نقلنا الموتى على حصائر من القش".

وبعد تشريدها، تعيش أسرة منة الآن مع جيرانها في جزء لم يتم التعرض له من قبل الحكومة، في "قرافة المماليك" نفسها التي دفن فيها العديد من سلاطين المماليك في مصر قبل نحو 700 عام وتمتد على مساحة 6,5 كلم مربع.

وتملأ "قرافة المماليك" القباب المصممة بشكل مزخرف محفور عليها الآيات القرآنية التي لطالما كانت موضع اهتمام الرسامين والمؤرخين المستشرقين.

وتؤكد المعمارية المخضرمة والباحثة الحضرية التي تقيم في مرسيليا، جليلة القاضي، أن هذه القرافة تعتبر "عنصراً مهماً في التاريخ الحضري" للعاصمة.

وتوضح أن هذه الجبانة تعود إلى ما قبل الفتح الاسلامي في مصر، إلى القرن السابع الميلادي.

وعبّرت القاضي التي ألفت كتابًا عن "القرافة"، عن أسفها بعد أن وصلت أعمال الهدم إلى محيط تاريخي من المشاهير المدفونة، وضربت مثالاً قبة ضريح السلطان أبو سعيد قانصوه أحد سلاطين المماليك الذي حكموا مصر في القرن الخامس عشر.

وقالت القاضي إن عمليات الهدم ستؤدي إلى "فقدان الهوية البصرية (للقاهرة) وذاكرتها".

وبعد موجة احتجاج على نشر صور هدم المقابر على منصات التواصل الاجتماعي، دافعت وزارة الآثار المصرية عن المشروع في بيان الشهر الماضي. وقالت إن "محور الفردوس بعيد عن الآثار الإسلامية المسجلة بقرافة المماليك".

وأكدت الوزارة في بيانها أنه "لم يتم هدم أي أثر وأن المقابر الموجوده بالصور المنشورة هي مباني غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية وإنها مقابر حديثة وخاصة بأفراد".

من جهتها، أوضحت اليونسكو أنه "لم يتم إبلاغها ولا استشارتها" حول أعمال الهدم في محيط القرافة، وأضافت "لكن مركز التراث العالمي يتابع مع السلطات المصرية لمراجعة الأمر وتقييم أي آثار محتملة على القيمة العالمية الاستثنائية للممتلكات وأصالتها وسلامتها".

وترى القاضي أن ما حدث في الموقع التاريخي "يكشف عن الطابع الأعمى والتعسفي" لرؤية تخطيط عمراني عشوائية يطلق عليها "سياسة الجرافات".

على وسائل التواصل الاجتماعي ، وثق المصريون الدمار الحضري بصور أقبية مقابر أسرهم بالإضافة إلى الخزائن التاريخية، وأفاد أحد مستخدمي موقع تويتر من خلال حساب يدعى "موروكروبوليس" إن عائلته من ناحية والدته كانت تمتلك غرفة دفن تحت الأرض في القرافة منذ أربعينات" القرن الماضي.

وصرح ذكر اسمه "قالوا (السلطات) لنا انهم بحاجة الى جزء من حجرة دفن النساء لكنهم بدأوا في تدمير السياج وشواهد القبور قبل نقل الرفات"، وأوضح أنه لن يحصل على تعويض من الحكومة لأن القبر دُمر جزئيًا وليس كليًا.

وتعلّق منة حزينة "إنهم يسيئون إلى الأحياء والأموات بلا رحمة ، وفي النهاية لا أحد يهتم لأمرنا".