لبنان في مرفأ بيروت بعد الانفجار  (أرشيف)
لبنان في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيف)
الثلاثاء 11 أغسطس 2020 / 16:14

عائلة بعض ضحايا انفجار بيروت: "أولادنا ذهبوا شهداء الغدر"

منذ أسبوع، لم تذق ريتا طعم النوم في انتظار أن تسمع خبراً عن ابنها وابن عمه وزوج ابنتها، 3 شبان من فوج إطفاء بيروت، كانوا أول من وصل الى المرفأ ولم يعودوا. بألم يعتصر قلبها، تردّد "قطعة، قطعتان.. نريد أولادنا" لدفنهم.

وفي منزل عائلة حتّي في بلدة قرطبا الجبلية شمال شرق بيروت، يخيم الوجوم على وجوه متعبة أضناها الحزن.

في صالون المنزل ذي القناطر الحجرية وعلى شرفته الواسعة، يتجمع العشرات من أفراد العائلة والجيران والأصدقاء، سيدات لا ينطقن بكلمة، ورجال يهمسون بأحاديث جانبية، وشبان يقفون على الطريق خارج المنزل.

على جدار قرب المدخل، رفعت صورة عملاقة لـ 3 شبان وسيمين بزي رسمي، هم نجيب حتي (27 عاماً) وابن عمه شربل حتي (22 عاماً) وزوج شقيقته شربل كرم (37 عاماً)، مذيّلة بتعليق "الأبطال". وفي خلفية الصورة انفجار المرفأ و3 إطفائيين يحاولون إخماد النيران.

قبل وقت قصير من الانفجار الضخم الذي دمر مرفأ بيروت وأجزاء كبيرة من العاصمة، وقتل 160 شخصاً وأصاب ستة آلاف آخرين بجروح، تلقى فوج إطفاء بيروت اتصالاً عن اندلاع نيران في المرفأ الذي يبعد دقائق عن مركزهم.

استقّل عشرة من عناصر الفوج سيارتي إطفاء وهرعوا إلى الموقع، دون أن يعرفوا ما ينتظرهم داخل العنبر 12.

وهرع جورج حتي، والد شربل وعمّ نجيب، إلى موقع الانفجار ليل الثلاثاء، بعدما تيّقن أن  الثلاثة كانوا في عداد الفوج الذي توجّه إلى المرفأ.

ويروي جورج لـ "فرانس برس": "بدأت أصرخ يا نجيب، يا شربل.. كنت مثل المجنون. في النهاية بدأت أبكي.. بقينا حتى السادسة صباحاً ننتظر إشارة عما حصل" دون جدوى.

وينقل جورج عن عنصر أمن كان في المرفأ لحظة وصول فوج الإطفاء، ونجا بأعجوبة من الانفجار، أن "عناصر الإطفاء لم يعثروا على مفتاح باب العنبر فحاولوا خلعه". وفي الأثناء، وقع الانفجار.

بعد بحث طيلة 3 أيام، قطع جورج الذي يخفي عينيه خلف نظارات شمسية سوداء، ويحاول أن يبقى متماسكاً، الأمل في نجاتهم. لكنّ الأمهات "يحتفظن بالأمل"، على حد قوله، بينما جلست قربه زوجته سناء تنساب دموعها ولا تقوى على الكلام.

وعثرت فرق الإنقاذ على جثتي عنصرين على الأقل من فوج الإطفاء.

وقبل يومين، عُثر على دفتر قيادة لنجيب حتي الذي يقود إجمالاً سيارة الإطفاء، وعلى أشلاء يُفترض أن تُحدّد هوية أصحابها في اليومين المقبلين.

وبحرقة وانفعال، تتحدّث ريتا حتّي (48 عاماً) التي وضعت طوقاً طبياً حول عنقها بسبب ساعات انتظار مضنية. وتقول: "6 أيام ونحن ننتظر أشلاء أولادنا".

وتضيف "قطعة، قطعتان... نحن راضون. نريد أولادنا فقط" لتنظيم دفن لائق تريده أن يكون بمثابة "حفل زفاف".

على الأريكة قربها، جلست ابنتها كارلن المفجوعة بزوجها وشقيقها وابن عمّها في آن. تحاول أن تكتم دموعها حيناً وتهدّئ روع والدتها حيناً آخر، دون أن تنطق بكلمة.

وتتابع ريتا أن أفراد العائلة أرادوا الدخول الى موقع الانفجار ولم يسمح لهم بذلك: "قلت لهم أعرف أولادي من رائحتهم، دعونا ندخل نبحث عنهم، عندما نشمّ رائحتهم سنعرف مكانهم".

وتضيف "نحترق في النهار مئة مرة.. ومليون مرة كما أحرقوا أولادنا هناك في المرفأ".

وعلقت الوالدة المفجوعة على قميصها شارة مستديرة عليها صورة الشبان الثلاثة.

ووسط دموعها تقول بسخط: "بأي حقّ يفعلون ذلك؟. أعطيناهم أبطالاً وأعادوهم إلينا شهداء. شهداء ماذا؟ عما دافعوا؟ عن موبقاتهم التي خبأوها في المرفأ؟". ثم تجيب بغضب "أولادنا ذهبوا شهداء الغدر".

ونجم الانفجار، وفق السلطات، عن حريق في عنبر خزنت فيه 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم منذ 6 أعوام، ويتقاذف المعنيون الاتهامات بالمسؤولية عن وجودها دون أي "تدابير وقاية".

وتؤكد عائلات حوالى عشرين شخصاً لا يزالون بين المفقودين منذ الانفجار، أن أي جهة رسمية لم تتصل بهم أو تبلغهم بما حصل، أو حتى تواسيهم.

وعلى وسائل الإعلام وعبر الإنترنت، في الشوارع والأحياء المتضررة وداخل سيارات الأجرة، يتكرر على لسان المواطنين الغاضبين السؤال ذاته: "أين الدولة"؟.

في قرطبا، 55 كيلومتراً عن بيروت، تقول مايان ناصيف، قريبة الثلاثة، لفرانس برس: "كل ما نعرفه يصلنا عبر جهد خاص وعلاقات العائلة. لم نتلق أي معلومة رسمية، ولم تتابع معنا أو تتصل بنا أي جهة من الدولة".

ويقول الوالد المحروق على ابنه ورفاقه، إن المطلوب اليوم هو "تحقيق دولي" في الانفجار "لأنه لا ثقة لنا أساساً في الدولة".

ولكن قبل ذلك، فإن جلّ ما يتمناه أن "تأتي فحوص ال"دي أن إيه" مطابقة لشربل ونجيب وشربل". ويضيف بحرقة "تخيّلي ماذا أصبحنا نتمنى؟... ننتظر أن يصل الشباب حتى نقيم لهم عرساً. لن نقيم لهم مأتماً".