الأربعاء 12 أغسطس 2020 / 14:07

لبنانيون محبطون يبحثون عن حياة جديدة خارج بيروت "الجريحة"

بعد ثلاثة أيام من الانفجار الضخم الذي دمّر أجزاء كبيرة من بيروت، استقلّ علي حمّود الطائرة متجهاً الى دبي. عندما ارتفعت قليلاً، نظر بأسى من نافذتها إلى الركام المنتشر في كل مكان متحسراً على بلد ترك فيه عائلة وأصدقاء وحياة مليئة بسلسلة طويلة من خيبات الأمل.

وقرّر المهندس التقني (30 عاماً) مغادرة المدينة التي ولد وتربّى فيها للعيش والعمل في إمارة دبي الغنية، بعد الانفجار الذي قضى على آخر آماله في حياة مزدهرة وآمنة.

العيش بسلام
وقال حمّود لوكالة فرانس برس بعيد وصوله إلى الإمارات هذا الاسبوع: "الأمر ليس سهلاً أبداً، لكن كان عليّ أن أغادر. أشعر انني خنت المدينة التي أحب حتى الموت، لكن لم يبق لي شيء هناك إلا الكآبة".

وأضاف الشاب الذي خسر عمله قبل عام بسبب الاوضاع الاقتصادية في لبنان: "الآن أستطيع أن أبدأ سيرة مهنية، وأن أعيش بسلام وأُعين عائلتي عبر إرسال الأموال".

بيروتي الجديدة
وعلى غرار كثيرين من أبناء وطنه الباحثين عن الأمن والاستقرار، تقدّم حمّود بطلب عمل في دبي لينضم إلى آلاف اللبنانيين، الذين ساهموا في بناء إمارة تحوّلت على مر السنين الى وطن جديد، يذكّرهم بتاريخ مزدهر في بيروت لم يعرفوه إلا من خلال روايات آبائهم وأمهاتهم.

وقال حمّود إن هدفه الأول بعد وصوله إلى دبي "التغلب على الشعور بالندم الناجم عن مغادرتي". لكن حتى قبل الانفجار، كان لبنان في حالة من الانهيار غير المسبوق.وأضاف: "دبي ستكون بيروتي الجديدة".

وغادر على مر السنوات مئات آلاف اللبنانيين من أطباء ومهندسين ومدرّسين وغيرهم، بحثاً عن حياة أكثر استقرار في دول الخليج وأوروبا وغيرها. ويقول مسؤولون لبنانيون إنّ نحو 350 ألف لبناني يعيشون ويعملون في الخليج، بينهم نحو 100 ألف في الإمارات وحدها غالبيتهم في دبي.

وقال فراس رشيد (31 عاماً) المقيم في دبي منذ 2016 والذي يعمل في مجال المبيعات: "لا يمكن أن تتخيل كمية الغضب التي تعتريني. سرقونا والآن يقتلوننا؟". وتابع الشاب "لطالما تحدثّ أهلي عن كيف أنّ بيروت كانت محطة استقطاب في الستينات والسبعينات، وهذه دبي اليوم".

كتاب "قصتي"
في كتابه "قصتي"، روي حاكم دبي ورئيس حكومة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زيارته الأولى إلى بيروت قبل أن تحيل الحرب الأهلية "باريس الشرق" خراباً.

وكتب "كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، وأسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي، وحلماً تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يوماً ما".

منذ ذلك الوقت، أصبحت دبي مقصدا للعديد من العرب الذين مزّقت بلدانهم الحروب والنزاعات، وقضى ملايين الأردنيين والفلسطينيين والمغاربة وغيرهم سنوات طويلة وهم يبنون مستقبلهم في الإمارة الصحراوية.

يحنّ اللبنانيون بالتأكيد الى التاريخ الذي تتنفسه بيروت في كل شارع وحي، الى النموذج الإنساني الفريد والمنوّع، الى تراث ثقافي وانفتاح جعلها مقصدا للسياح من العالم أجمع خلال مراحل الازدهار، لكن اليوم، تجد غالبيتهم في الإمارة الخليجية استقرارا ماليا وسلاما ضروريا للاستمرار.

انفجار بيروت
وتسبّب عصف الانفجار في عنبر يحتوي على 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت الأسبوع الماضي بتدمير أحياء برمُتها في المدينة الغنية بالتاريخ والمعروفة بمطاعمها وحياتها الليلية الصاخبة.

وألقى الانفجار الضوء على الفساد المستشري والاستهتار وقلة المسؤولية بين الطبقة الحاكمة في لبنان، بعدما تبيّن أنّ المسؤولين اللبنانيين كانوا على علم بوجود "قنبلة موقوتة" في قلب بيروت وبين سكانها لأكثر من ست سنوات.