انفجار ميناء بيروت (أرشيف)
انفجار ميناء بيروت (أرشيف)
الخميس 13 أغسطس 2020 / 17:40

انفجار بيروت... خبيران دوليان يُفندان الرواية الرسمية ويكشفان حقيقة الأحداث

حتى قبل السيطرة على الوضع، وتأمين محيط ميناء بيروت بعد الانفجار الهائل الذي عصف به، وحتى قبل الانتهاء من إسعاف الناجين وإطلاق البحث عن المفقودين في الموقع نفسه، لم تتأخر جهات سياسية لبنانية حزبية وحكومية مختلفة عن محاولة تفسير الواقعة وتبريرها.

وفي هذا السياق ظهرت أولى الإشارات إلى رواية "نترات الأمونيوم"، إلى جانب تبريرات أخرى عدة كثيرة، قبل أن تصبح "مادة الأمونيوم"، "المادة الرسمية" الأولى والوحيدة المسؤولة عن كارثة بيروت، واختفى معها كل أثر لأي مادة أخرى.

وتزامن الحديث عن "نترات الأمونيوم"، والرواية التي تبنتها الحكومة وأجهزتها، مع التمسك بالرفض المطلق لأي تحقيق دولي في الانفجار، والتمسك بالتحقيق المحلي، رغم المطالبة السياسية والشعبية والدولية، ما أثار الكثير من التساؤلات عن الاستماتة في الرفض، واشتراك جهات سياسية بعينها فقط في تبني هذا الموقف، وأبرزها الرئاسة اللبنانية، وحزب الله، والتيار الوطني الحر، وحلفاء هذا الثلاثي الحاكم.

وفي هذا السياق يكتسي بحث استقصائي عن انفجار ميناء بيروت، لمكتب الدراسات والأبحاث "نيغما" الفرنسي اللبناني، للباحثين المتخصصين د.مروان خوري، والمقدم المتقاعد من سلاح المدرعات في الجيش الفرنسي، فابيان تابارلي، ليكشف وجوهاً جديدة، مثيرة للانتباه والمتابعة على أكثر من صعيد.

وفي التقرير الذي أصدره الثنائي في الأيام القليلة الماضية، بعنوان "بيروت: ما الذي حدث فعلاً" عمد الباحثان إلى بيان واستكشاف خلفيات الانفجار، انطلاقاً من خلفيتهما العلمية والمهنية، الأول باعتباره أحد أبرز المتخصصين القضائيين في تأثير الحرائق والانفجار على الهياكل والبُنى وصولاً إلى البصمة الوراثية، والثاني الخبير العسكري في سلاح المدرعات الفرنسي، وفي التفجيرات العسكرية.

المصادر المفتوحة
وعلى عكس التحليلات والدراسات الكلاسيكية، استندت دراسة الثنائي، إلى ما يعرف بالاستخبارات بالاعتماد على المصادر المفتوحة، أي تحليل المواد والصور، والفيديو، المنشورة والمتاحة للجميع، ولكن بوضعها في سياقها الزمني والجغرافي الحقيقي، وصولاً إلى التأكد من صحتها ودقتها بالاعتماد على تقنيات تحديد مكانها وزمانها بفضل الأقمار الصناعية.
وبعد استعراض وتحليل الصور المختلفة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنت ووسائل الإعلام التقليدية اللبنانية والدولية، وبعد وضعها في سياقها وفي مسارها الحقيقي، خرج الباحثان بمجموعة من الحقائق التي تُفسر وإلى حد بعيد سبب، ودواعي الانفجار، وتُضفي على الملف المتفجر، أبعاداً ومعطيات جديدة.

ويؤكد الباحثان في بحثهما، أن "نترات الأمونيوم"، لم تكن المادة الوحيدة التي انفجرت، وهدمت بيروت، وأنها ليست المادة القادرة على الفتك ببيروت وأهلها بالشكل الذي حرصت بعض الجهات الرسمية اللبنانية على تأكيده، منذ اللحظات الأولى التي تبعت الانفجار.

وفي هذا السياق يشير التقرير، إلى التسريبات الأولى التي تداولتها وسائل الإعلام اللبنانية بعد وقت قصير من الكارثة، التي تحدثت عن "انفجار ألعاب نارية" مخزّنة في ميناء بيروت، قبل أن يتحدث مدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، عن "حضور محتمل لمواد شديدة التفجير، في مخازن الميناء، بعد مصادرتها في الأيام القليلة الماضية".

ولم تظهر مادة "نترات الأمونيوم"، إلا بعد ذلك بقليل، على لسان مدير الجمارك بدري ضاهر، ومدير جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، الذين تحدثا لأول مرة عن "نترات الأمونيوم" المُخزن منذ 2014.

ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه المادة، محور الرواية الرسمية، عند الحديث عن الانفجار وأسبابه، رغم الشكوك الكثيرة فيها، ورغم ما رافق هذه الرواية من تساؤلات عن جديتها ومصداقيتها، خاصة كما جاء في التقرير، عند التعرض بالتحليل إلى تسلسل الأحداث ساعة الانفجار، والمواد التي وثقته بالصور والفيديو في أوقات ومن زوايا ومواقع مختلفة.

ثلاثي مُدمر
وعلى هذا الأساس، يُفند الباحثان مقولة الانفجار، ويعتبران أن ما حصل في الميناء أكثر من ذلك بكثير لأسباب موضوعية عدة، ويلخصان ذلك في حريق هائل، تبعه بعد فاصل زمني امتد نحو نصف ساعة، انفجار أول ثم ثانٍ، مع فاصل زمني قصير بينهما، ما يسمح بالاعتماد على التصوير والفيديو، بدارسة وتحليل كل منها بشكل منفرد ومستقل.

ويؤكد الباحثان، أن الحريق وما تبعه، لم يندلع بسبب قصف طائرة، أو بعد انفجار صاورخ، خاصة بعد النظر إلى شكل ولون النيران، التي تصاعدت من الحريق أولاً ومن الانفجارين لاحقاً، ولكن ذلك لا يعني استبعاد العمل التخريبي، أو المتعمد.

وعلى هذا الأساس يُميز الباحثان بين لونين وشكلين اثنين، في الحريق الأول، وفي الانفجارين الأول والثاني، ويُضيفان أن "تحول كتلة اللهب في الانفجار الثاني سريعاً إلى اللون البرتقالي، يُرجح بقوة انفجار "نترات الأمونيوم"، بعد اختلاط المادة الكيمائية بالتراب والمعادن ببخار أوكسيد النترات لحظة الانفجار" ولكن الحريق الأول، والانفجار الأول مختلفان لوناَ وشكلاً، بسبب التسرب الدخاني الكثيف الذي رافقهما وغياب الغاز في الانفجار، ما جعل لون الهالة المتصاعدة، أسوداً داكناً على عكس البرتقالي في الانفجار الثاني، ما يعني "مصدراً مختلفاً تماماً عن غاز النترات، ذلك أنه من الصعوبة بمكان، أن يشتعل النترات تلقائياً، ليتسبب لاحقاً في انفجار".

ولتفسير التباين بين الانفجارين، يعمد الباحثان إلى دراسة وتحليل الصور والفيديوهات التي انتشرت للوقائع الثلاثة، بعد تصنيفها وترتيبها، زمنياً وجغرافياً، ويتبين بعد ذلك أن السحابة والدخان الأسود في الانفجار الأول، لم تكن بسبب النترات، إذ كانت في الواقع سلسلة انفجارات صغيرة سريعة ومتلاحقة، ما يعني وجود، متفجرات من نوع مختلف، ألعاب نارية، أو ذخائر حربية.

العنبر12
ومن جهة أخرى، كشفت الصور، ومقاطع الفيديو، تسلسلاً للأحداث مختلفاً عن الرواية الرسمية التي تحدثت عن العنبر12، في ميناء بيروت المهمل، وسيء الحماية، حتى "أن باب المخزن كان مخلوعاً، مع وجود ثقب في أحد جدرانه" وهو ما فندته المحاولات الكثيرة والعديدة لعناصر الدفاع المدني التي وصلت إلى العنبر، بعد الحريق، والتي عجزت عن دخوله، وعن فتحه، بسبب الباب الذي استحال فتحه، والجدران التي تعذر التعامل معها لخرقها والنفاذ عبرها إلى الداخل، ما تسبب في استحالة السيطرة على الحريق في وقت أول، ومنع الانفجارين في وقت ثانٍ، علماً أن الانفجارين، اقتلعا وفق الباحثين "المخزن 12 من الأرض تماماً وترك مكانه حفرة عمقها أكثر من 40 متراً، ما يعني حضوراً مكثفاً لمواد متفجرة فيه، على عكس المخازن الأخرى، المتضررة، والتي ظلت في مكانها، رغم الدمار المتفاوت".

بعد الانفجار
ومن الانفجار، ورغم تمسكهما بالامتناع عن وضع أي فرضية، ينتقل التقرير، إلى ما بعد الانفجار، أي الشكوك التي أثارتها الرواية الرسمية التي استقرت في نهاية المطاف على انفجار نيترات الأمونيوم، المخزن بشكل سيء، منذ 2014.

ويُشير التقرير إلى أن أول من تحدث عن ذلك هما مدير الجمارك اللبنانية بدري ضاهر، ومدير جهاز أمن الدولة اللواء طوني صاليبا، لتصبح هذه الرواية "شبه رسمية" بعد 3 أيام تقريباً من الانفجار، في 7 أغسطس (آب) الجاري.

وانتشرت صور أكياس الأمونيوم في العنبر 12، في ميناء بيروت بين وسائل الإعلام اللبنانية والدولية، وتصدرت التصريحات الرسمية والتقارير الأمنية والصحافية، والاستخبارية، رغم ما يرافقها من نقائص وشكوك، خاصةً بعد ظهور رواية أعمال اللحام، في المخزن، وتسريب صور عمال سوريين يلحمون باباً، قالت المصادر الرسمية، إنه باب العنبر 12، واندلاع الحريق بسبب تطاير شرارة، أشعلت حريقاً انتهى بالتسبب في انفجار "نترات الأمونيوم".

وبالاعتماد على المصادر المفتوحة، أي الصور والفيديوهات المنشورة، يمكن القول إن الباحثين ينسفان في مرحلة أولى هذه الرواية قبل الإجهاز عليها بطريقة أخرى، بالاعتماد على الشركة التي يُفترض أنها صنعت المادة الكيمائية التي سببت الكارثة.

وفي هذا الإطار، تكشف الصور التي أمكن التأكد منها بفضل التحليل وربط مواقع التصوير بالميناء بالاعتماد على الأقمار الصناعية، والتثبت من تاريخها، أن الصور التي سربتها السلطات عن أعمال إصلاح، ولحام باب العنبر 12، أنها مختلفة بعض الشيء، عن صور المخزن، وبابه الذي استحال على الدفاع المدني فتحه أو اختراقه، فضلاً عن تعذر التأكد من تاريخ التقاطها، واستحالة التعرف على مكان التصوير بدقة بفضل الأقمار الصناعية، وأنظمة التموضع العالمي.

أكياس وصور
ومن جهة ثانية، بدت أكياس "نترات الأمونيوم" المخزنة في العنبر 12، كما في الراوية الرسمية، والتي تسربت إلى حسابات بعض الصحافيين اللبنانيين، مختلفة بعض الشيء عن الواقع، فالصور أولاً لم تكن للأكياس ذاتها، ولكنها نُسخ لصور أخرى أصلية، قالت أجهزة الأمن العام اللبناني إنها أكياس "نترات أمونيوم" مكثف، من صنع شركة روستافي أزوت، الجيورجية، صادرتها الأجهزة الأمنية وخزنتها منذ 6 أعوام، وفق ما نقل حساب الصحافية اللبنانية ديما صادق، التي كانت أول من نشر الصور وتفاصيل التخزين في 7 أغسطس (آب) الجاري.

ولكن الصور المسربة، تختلف أيضاً شكلاً وحجماً عن الصور التي أمكن رصدها، في مخازن مرفأ بيروت، والتي ظهر بعضها في الصور التي قالت السلطات إنها صور عُمال صيانة كانوا يعملون في العنبر 12، للحم بابه، وتعزيز حمايته، فضلاً عن كشف غياب أي مواد أو أجهزة معروفة لتنفيذ عمليات اللحام مع العمال الذين في الصور المعنية.

ولكن هذه التفاصيل تُثير حسب المحللين شكوكاً أكبر في الرواية الرسمية، ذلك أنه وبفضل "تحليل المعلومات اعتماداً على المصادر المفتوحة" يُمكن الوصول إلى بعض الحقائق المختلفة عن الأمر عبر موقع الشركة الجيورجية المتهمة بصنع الأمونيوم المتفجر.

صُنع في 2016 وخُزن في 2013
وفي هذا الإطار يكشف موقع الشركة، قبل الانفجار، أن "روستافي أزوت، دخلت مجال صناعة الأمونيوم في 2016، في مصنعها الكائن في مدينة روستافي" أي بعد ثلاثة أعوام، من مصادرة الأجهزة اللبنانية لهذه المادة المتفجرة، ما يفتح المجال لطرح أسئلة أخرى كثيرة، يرفض المحللان التورط فيها، ليكتفيا بهذا القدر من التناقض والغموض، مشددين على أن السؤال الذي يجب طرحه فوراً، هو عن سبب اندلاع الحريق، وليس الانفجار الأول أو الثاني، فالحريق كان نقطة انطلاق هذا المسار الكارثي، ومعرفة أسبابه، هل كان تخريباً، أو حادثاً عرضياً تسبب في دمار بيروت، هو مفتاح هذه القضية بأسرها، ولن يتسنى ذلك إلا في إطار تحقيق جنائي قضائي مستقل، يجمع بين الخبرتين الفنية والعلمية، لا تتوفر حسب التقرير إلا لدى دول كبرى معدودة بينها فرنسا والولايات المتحدة.