متطوعون لبنانيون ينظفون أحياء بيروت (إ ب أ)
متطوعون لبنانيون ينظفون أحياء بيروت (إ ب أ)
الجمعة 14 أغسطس 2020 / 18:30

في أحياء بيروت.. غابت الدولة واختفى المسؤولون وحضر المتطوعون

خلال زيارته أحد أحياء بيروت المنكوبة، أنصت مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية ديفيد هيل بإمعان إلى شرح عن مسح الأضرار وتوزيع المساعدات، لا من مسؤولين لبنانيين رسميين بل من "خلية أزمة" شكلها مهندسون وطلاب.

في حي مار مخايل، وضع متطوعون قبل أيام خياماً في مبادرة بعنوان "من تحت الردم" لينظموا تنظيف وتصليح وإيصال المساعدات إلى الأحياء المتضررة من انفجار مرفأ بيروت الذي حوّل العاصمة في 4 أغسطس (آب) إلى مدينة منكوبة.

ومنذ الانفجار، تطوّع طلاب وشبان من مختلف الاختصاصات لمساعدة الأحياء المتضررة في غياب ملحوظ لمؤسسات الدولة وشكلوا ما يشبه خلية أزمة لتوزيع المهام في ما بينهم.

في خيام مبادرة "من تحت الردم" في مقر محطة القطار القديمة، يقول وسيم بوملهم، المسؤول عن فريق يتولى تغذية قاعدة بيانات: "لم يأت أي مسؤول حكومي أو ممثل عن الحكومة ليسألنا إن كنا في حاجة إلى شيء ما".

ويضيف "من المضحك أن يكون ديفيد هيل أول من يزرونا".

وبعد تجوله في المكان، تحدث هيل للصحافيين عن سعي الشباب "لإنجاز المهمة" مقابل نظام "غير فاعل ووعود فارغة" من طبقة سياسية يطالب لبنانيون منذ أشهر برحيلها مجتمعة ويتهمونها بالمسؤولية عن انفجار بيروت نتيجة الإهمال والتقصير.

وسبق هيل بأسبوع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار شارع الجميزة المتضرر واستمع إلى السكان الغاضبين الذين ناشدوه تجنب تقديم مساعدات إلى الدولة، التي يتفشى الفساد في مؤسساتها.

وحين حاول مسؤولون لبنانيون، بينهم وزيران، زيارة المنطقة لتفقد الأضرار لم يسمح لهم الشبان بذلك، وطلبوا منهما الرحيل.

ليس بوملهم خبيراً في أنظمة قاعدة البيانات لكنه راكم خبرة كافية في عمله في جمع بيانات الزبائن في إثنين من أكبر ملاهي بيروت الليلية.

وبعد الانفجار، الذي أودى بحياة أكثر من 170 قتيلاً و6500 جريح، كان لا بد له من توظيف خبراته.

وضع بوملهم، الذي شرح لهيل آلية عملهم، نظاماً إلكترونياً لتوثيق البيانات، وبات فريقه مسؤولاً عن تنظيم وتوزيع مساعدات لآلاف المتضررين من الانفجار.

ويقول: "لا أعرف لماذا سيلتقي هيل السياسيين"، مضيفاً "الدعم يحصل هنا، وتوثيق قاعدة البيانات يحصل هنا، والتنظيف يحصل هنا، وإعادة الإعمار تحصل هنا".

ويناقش المتطوعون من مختلف الاختصاصات الخطوات التي يجدر بهم اتخاذها، ويشرحون وكأنهم خبراء في هذا المجال منذ سنوات، إجراءات التنظيف والتوثيق والإغاثة لإزالة فوضى يرون أن الدولة تسببت فيا.

وغداة الانفجار، توزع الشبان والشابات المتطوعون في مجموعات صغيرة، منهم من أزال الزجاج من الطرقات، ومنهم من جال على المنازل لمساعدة أصحابها على التنظيف، ومنهم من تولى توزيع الطعام.

ومنذ ذلك الحين، توسّع عمل المتطوعين أكثر وانضمت إليهم منظمات غير حكومية دولية ومحلية لتقديم المساعدة وحتى من أجل الدعم النفسي.

وتلقى متطوعو "من تحت الردم" أكثر من 200 اتصال بعد ساعتين فقط من تفعيل رقم هاتف للطوارئ.

وتفقدوا حتى الآن حوالى 1200 منزل، ووضعوا 600 باب خشبي على الأقل.

وتقول بشرى إحدى المتطوعات، "عملنا سيتكلم عن نفسه".

تعاون
في بيروت نفسها، فتح سكان أبواب منازلهم لاستقبال أقاربهم أو أصدقائهم أو حتى غرباء عنهم من الذين تضررت منازلهم وباتت غير قابلة للسكن.

وقدّر محافظ بيروت أن نحو 300 ألف شخص باتوا مشردين بعدما أصبحت منازلهم غير صالحة للسكن.

وفاقم انفجار بيروت معاناة اللبنانيين الذين يشكون منذ أشهر من انهيار اقتصادي خسر جراءه عشرات الآلاف رواتبهم، أو جزءاً منها بعدما فقدت الليرة نحو 80% من قيمتها.

وفجّر الانفجار غضب اللبنانيين الذين يطالب مئات الآلاف منهم منذ أشهر برحيل الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد وإهدار المال العام، ويحملونها اليوم مسؤولية ما حصل لعاصمتهم.

وفي مؤتمر نظمته فرنسا بعد الانفجار، تعهّد المجتمع الدولي بتقديم 252.7 مليون يورو من مساعدات فورية للبنان على أن تصل مباشرة إلى الشعب برعاية الأمم المتحدة.

وأكد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالوكالة جون بارسا أمس الخميس، أن المساعدات الأمريكية "لن تذهب بالطبع إلى الحكومة"، مشيراً إلى أن منظمته "ستزيد الدعم المالي لمجموعات المجتمع المدني في لبنان بنسبة 30% أي إلى 6.627 مليون دولار".

في خيام المتطوعين، يصل زياد الزين قبل المتطوعين الذين يبدأ دوامهم في التاسعة صباحاً.

ويقول الزين: "لسنا خبراء في إدارة الكوارث. نتعلم ونحن نمضي قدماً".

ويضيف "ما من دولة. ولن نتخلى عن اللبنانيين في هذه الظروف".