الإثنين 14 سبتمبر 2020 / 16:33

غداً.. يوم تاريخي

سيكون يوم غد الثلاثاء 15 سبتمبر 2020 يوماً تاريخياً يبدأ معه عهد جديد في المنطقة، مع توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اتفاقيتين للسلام مع إسرائيل، في احتفال يشهده البيت الأبيض وينتظره العالم بأسره. وتُدشن اتفاقية السلام مع إسرائيل عهداً جديداً يمكن له أن يساعد الفلسطينيين على استعادة حقوقهم وبناء دولتهم المستقلة.

ولا شك أن المقاربات السابقة القائمة على العداء والصراع لم تفضِ إلى شيء سوى مزيد من الخسارة والتشرذم وفقدان التأييد الدولي لقضيتهم رغم عدالتها. ويمثل مسار السلام الذي اختارته دولة الإمارات محاولة لانتهاج طريق جديد يعيد صياغة العلاقات في المنطقة على أساس مع التعاون وإقناع كل الأطراف، ومنها إسرائيل، بأن إقامة الدولة الفلسطينية يصب في مصلحتها، ويزيد من فرص التعاون الذي يستفيد منه الجميع.

وقد عبر معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بوضوح عن هذا المعنى في كلمته خلال أعمال الدورة الـ154، عن بُعد، لمجلس جامعة الدول العربية، التي عقدت على مستوى وزراء الخارجية، حيث قال: "هذه فرصة جديدة للسلام في المنطقة، فالسلام كان وما زال الخيار الاستراتيجي، الذي أجمعنا عليه جميعاً، كما أن ردود الفعل الإيجابية والمرحبة من قبل عدد كبير من الدول الشقيقة والصديقة المهتمة بإنجاح عملية السلام في المنطقة، عززت بيئة مواتية لتثبيت وقف ضم الأراضي الفلسطينية، وإعادة إحياء العملية التفاوضية".

يمثل انضمام البحرين إلى مسيرة السلام بعد وقت قليل من الخطوة الشجاعة التي اتخذتها الإمارات، تأكيداً على قناعة عامة تبلورت لدى قطاع كبير من العالم العربي بانتهاء صلاحية الشعارات الجوفاء التي أدمنت بعض الأطراف إطلاقها، وإيقاف التجارة الرخيصة بقضية فلسطين التي مارستها بعض الأطراف في انتهازية مقيتة. كما أن ما لقيته خطوة الإمارات ومن بعدها البحرين من تأييد عربي كان دليلاً على أنها عبَّرت عن اتجاه خليجي وعربي واضح وقوي نحو تأييد خيار السلام، على المستويين الرسمي والشعبي، وكانت دولة الإمارات هي الطرف الذي اختار أن يحول هذا التوجه العربية الملموس إلى مبادرة شجاعة على أرض الواقع.

إن آفاق التعاون والاستفادة المتبادلة من السلام مع إسرائيل مفتوحة على كثير من الفرص في مجالات تنموية كثيرة، ويمكن أن نرى نموذجاً لهذا التعاون المثمر في الاتفاقية التي وقعتها أمس الأحد "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي" أول جامعة على مستوى العالم في هذا المجال، مع "معهد وايزمان للعلوم"، المؤسسة الأكاديمية المرموقة عالمياً، للتعاون في عدد من المجالات مثل "برامج تبادل الطلاب وزمالات ما بعد الدكتوراه، وعقد المؤتمرات والندوات العلمية، ومختلف أشكال التبادل بين الباحثين، بالإضافة إلى تشارك موارد الحوسبة، وتأسيس معهد افتراضي مشترك للذكاء الاصطناعي بهدف تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتحقيق التقدم والنمو".
ويمكن أن نرى نموذجاً ثانياً في اتفاق التعاون بين شركة "أبيكس" الإماراتية ومركز شيبا الطبي في إسرائيل الخميس

 الماضي، بهدف تطوير تقنيات تتعلق بالرعاية الصحية في الإمارات ومنطقة الخليج. وبذلك فإن مجالات مثل الرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي والسياحة والسفر والطيران والتقنيات الزراعية يمكن أن تكون جسراً إلى تحقيق فوائد اقتصادية متبادلة، ويمكن كذلك أن تشكل قاعدة للتفاهم على النحو الذي يتيح للإمارات والبحرين وغيرهما من الدول العربية التي ستنحاز إلى خيار السلام أن تدعم العملية التفاوضية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأن تساند الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم المشروعة عن طريق الضغط الدبلوماسي وقدرة دولة الإمارات على التدخل في صياغة المواقف الإقليمية والدولية لصالح الفلسطينيين من خلال علاقاتها ومكانتها العالمية.

إن اللقاء التاريخي الذي سيشهده البيت الأبيض غداً الثلاثاء سوف يبقى طويلاً في الذاكرة السياسية العالمية، رمزاً لقدرة دولة الإمارات على إنجاز التحولات الكبرى في المنطقة بفضل الرؤية الحكيمة لقيادتها، والنظرة الاستراتيجية الشاملة التي تتحرك من خلالها، وسعيها إلى إرساء قيم حضارية أصبحت الدولة رمزاً لها، وعلى رأسها التسامح والتعايش والسلام، والبحث عن مشتركات إنسانية وفرص لتعميق التعاون وخلق المصالح المشتركة وتعظيم الفوائد المتبادلة، لتحل محل أجواء المواجهة والصراع التي تدع الشعوب أثماناً باهظة لها.

وسوف يذكر العالم العربي والعالم بأسره أن شجاعة القيادة الرشيدة في الإمارات، وما تحظى به من احترام وثقة، قد فتحت الباب من جديد أمام إمكانية إنهاء صراع مرير استنزف شعوب منطقة الشرق الأوسط أكثر من سبعين عاماً، ولدينا أمل كبير في أن تمتلك الأطراف الأخرى من الشجاعة والمسؤولية ما يمكنها من استثمار هذه الفرصة من أجل خير المنطقة ومصلحة شعوبها.