زورق لخفر السواحل القبرصي ينقل مهاجرين إلى اليابسة (أرشيف)
زورق لخفر السواحل القبرصي ينقل مهاجرين إلى اليابسة (أرشيف)
الجمعة 18 سبتمبر 2020 / 20:47

مهاجرون لبنانيون أعادتهم قبرص: "كان لازم يخلونا نغرق بالماء أحسن"

ظل المهاجرون اليائسون، على مدى سنوات، يغادرون سواحل شمال لبنان في قوارب صغيرة، نحو الشواطئ الأوروبية. وإلى وقت قريب، كان معظمهم من اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين. لكن بعد سقوط لبنان في مخالب الأزمة، بدأ اللبنانيون ينضمون لأفواج المغادرين بأعداد أكبر.

لم يكن محمد غندور يتصور قط أنه سيكون أحد الذين تحملهم السفن إلى شواطئ أوروبا. لكنه أصبح يقول إن الأزمة الاقتصادية، التي سحقت الليرة اللبنانية وجعلته عاجزاً عن إطعام أطفاله السبعة، لم تترك له خياراً آخر، غير الهجرة.

قال غندور هذا الأسبوع في شقة والدته الضيقة التي يقيم فيها مع 12 آخرين من أفراد أسرته في ثلاث غرف: "بلبنان عم بيقتلني الفقر"، رجع إلى طرابلس، إحدى أفقر مدن لبنان، بعد أن أعادته قبرص.

وأضاف غندور "هيدا أضرب من الحرب، أولادي راح يموتوا بالشوارع أو راح يصيروا مجرمين ليعيشوا".

وغندور، 37 عاماً، هو مجرد واحد من عشرات اللبنانيين الذين حاولوا الإبحار منذ أواخر أغسطس (آب) الماضي، وهو نفس التوقيت الذي بدأت فيه زيادة أعداد القوارب المغادرة للبنان حسب جماعات حقوقية.

ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، تتبعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 21 قارباً غادرت لبنان بين يوليو (تموز) و14 سبتمبر (أيلول). وفي العام السابق، كان العدد الإجمالي  17 فقط.

أشعلت الزيادة مخاوف السلطات القبرصية، خاصة في ظل ظروف جائحة كورونا، وقبرص أقرب دولة عضو في الاتحاد الأوروبي جغرافياً من الشرق الأوسط. وشهدت زيادة تدريجية في أعداد المهاجرين واللاجئين الذين لا يحملون وثائق على مدى العامين الماضيين، بعد أن أصبحت الطرق الأخرى أكثر صعوبة.

وقال غندور، إنه بعد 28 ساعة في البحر، وصل قاربهم، الذي كان يقل أيضاً زوجته وأطفاله وأقارب آخرين، إلى شاطئ قرب منتجع لارناكا الساحلي.

وأضاف أن أسرته احتُجزت في مخيم لعدة أيام، وأجريت لها اختبارات لكشف كورونا، ومُنعت من تقديم طلب رسمي للجوء قبل إعادتها إلى لبنان.

وقال: "ما فكرت إنه راح يرجعون، كان لازم يخلونا نغرق بالماء أحسن من نرجع هون".

وقالت السلطات القبرصية، إن نحو 230 لبنانياً وسورياً أعيدوا إلى لبنان بحراً في أوائل سبتمبر (أيلول) الجاري، بعد أن وصلوا إلى قبرص على متن 5 قوارب على مدى الأسابيع السابقة.

وأكد قائد الشرطة القبرصية ستيليوس باباتيودورو، أنه "بناء على أوامر حكومتنا وبعد مشاورات بين الحكومتين، قبرص ولبنان، أعدناهم بأمان في 26 و27، و28 سبتمبر (أيلول)" الجاري.

ونفى اتهامات بإساءة السلطات معاملتهم ودفع قواربهم مرة أخرى إلى البحر.

وقال باباتيودورو: "قدمنا لهم الطعام، والماء، وغطينا جميع احتياجاتهم على نفقتنا".

ولم يرد الأمن العام ولا وزارة الخارجية اللبنانية على طلبات مكتوبة للتعليق.

"مثل الكلاب"
ظل غندور عاطلاً عن العمل 3 أعوام، وقرر في الشهر الماضي أن يرحل للأبد وأن يجرب حظه في قبرص.

غادر شقته وباع أثاثها وطلب من أبنائه الأكبر سناً بيع الخردة للمساعدة في شراء قارب صغير وإمدادات للرحلة الخطيرة.

كان غندور أحد 4 مهاجرين قالوا جميعاً في مقابلة صحافية، إنهم أُعيدوا على وجه السرعة إلى لبنان.

وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن قبرص ردت ما لا يقل عن 5 قوارب كانت تقل لبنانيين، وسوريين، وفلسطينيين وآخرين.

وقال مدير قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة "هيومن رايتس ووتش" بيل فريليك، الذي كان يراقب الإعادة: "لا يجوز إعادة الناس على عجل دون النظر في مطالبهم بشكل تام وعادل".

وأضاف أنه ورغم أن لبنان ليس في حالة حرب، وأن الصعوبات الاقتصادية ليست أساساً معترفاً به لطلب اللجوء، إلا أن الأزمات الكثيرة التي يواجهها لبنان تعني أن بعض مواطنيه والمقيمين فيه قد يواجهون تهديدات خطيرة، فيما قد يكون آخرون مؤهلين للحصول على وضع لاجئ بذريعة الخوف من التعرض للاضطهاد.

وأكد مهاجرون أنهم أبلغوا السلطات القبرصية بمخاوفهم من العنف، وعدم الاستقرار، وبأنهم غير راغبين في العودة.

وفي أغسطس (آب) أسفر انفجار في مرفأ بيروت عن سقوط نحو 200 قتيل.

وقال المهاجرون أيضاً، إنهم تعرضوا لأساليب عدائية عند اقترابهم من قبرص.

وقال شمس الدين كردي إن قاربه، الذي كان يقل 52 مهاجراً، تعرض للحصار عدة مرات ولحقت به أضرار قبل أن تسحبه السلطات إلى الشاطئ.

وأوضح كردي "بنتي قالتلي: بابا الله يرد عليك ما تخليهم يموتونا".

لم يكن غندور يتوقع استقبالاً عدائياً في قبرص. إذ حاول في السابق البحث عن عمل في ألمانيا، في ذروة تدفق موجات المهاجرين إلى أوروبا في 2015 و 2016، وقال إنهم كانوا يستقبلونه بلطف، لكن "ها المرة، عاملونا مثل الكلاب".

ورغم ذلك، يؤكد غندور وكردي عزمهما ركوب البحر مرة أخرى في المستقبل القريب. لكن الرحلة الأولى، عند آخرين غيرهم، قد تكون الأخيرة.

وغادر اثنان من أقارب مظهر عبد الحميد محمد، لبنان قبل 11 يوماً على متن قارب يكتظ بنحو 50 رجل وامرأة وطفل.

وبعد 7 أيام تخبط فيها القارب على غير هدى في الماء، أنقذته قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قبالة سواحل لبنان، ولم يكن على متنه سوى 36 شخصاً لا يزالون على قيد الحياة. ولم يكن الرجلان بينهم.

وأبلغ أحد الناجين الذين عادوا إلى لبنان أنه قفز في الماء مع الإثنين لمحاولة طلب المساعدة. لكن لم يعثر عليهما بعد ذلك.