الثلاثاء 22 سبتمبر 2020 / 18:23

مخاوف فرنسية من أن يُعيد الإسلام السياسي إحياء ثلاثة قرون من الحروب الدينية

باريس - 24 - عبدالناصر نهار

أكد السياسي الفرنسي جان لوك ميلينشون، عضو البرلمان عن حزب اليسار، والمرشح الرئاسي السابق، أنّ قانون "مُحاربة الانفصالية" الذي تعتزم الحكومة طرحه للتصويت بحلول نهاية العام، يُقصد به "الإسلام السياسي ولا شيء آخر" داعياً لعدم توجيه أصابع الاتهام للإسلام بحدّ ذاته.

ورأى أنّ قانون 1905 المُتعلق بفصل الكنيسة عن الدولة، والذي أرسى أسس العلمانية في البلاد كافٍ ولا حاجة لتعديله، كما أنّ هناك ترسانة من التشريعات والقوانين الحالية التي تنظم الشؤون الدينية وتُتيح إغلاق دور العبادة في حلّ اتهامها بالتطرف أو تهديدها لوحدة التراب الوطني.

وقال ميلينشون في حوار تلفزيوني أجرته شبكة BFM الإخبارية أنّ فرنسا لا تُريد إحياء تاريخ "ثلاثة قرون من الحروب الدينية" عبر إشعال النار وإثارة التوتر بقوانين جديدة غير ضرورية، مُشيداً في ذات الوقت بحُسن النيّة لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ من شأن أيّ استفزاز برأيه أن يخلق "مُناخاً مُرعباً" في المجتمع الفرنسي، بينما يجب على الجميع أن يكونوا مُتضامنين لمواجهة الأزمة الصحية نتيجة تفشّي وباء كورونا، فضلاً عن التحدّيات الدولية على الصعيد السياسي.

وفيما تتوقع مراكز بحوث ودراسات أن يصل عدد المسلمين في فرنسا إلى ما يزيد عن 12 مليون شخص بحلول عام 2025، يُسابق الرئيس الفرنسي الزمن، لتحجيم نشاط جماعات الإسلام السياسي ودعاة الانعزالية التي تؤسس للطائفية الإسلاموية، على حدّ تعبيره، وذلك استعداداً للانتخابات الرئاسية 2022 ومنعاً في ذات الوقت لاستغلال القضية من قبل زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، اليمينية مارين لوبان، التي تقوم حملاتها الانتخابية أساساً على هذا الشأن.

وتشمل إجراءات ماكرون متابعة التمويل الذي تحصل عليه المؤسسات الدينية بصفة عامة، والمساجد بصفة خاصة، ومنع استقدام الأئمة من دول أجنبية كي يتمّ تحرير خطابهم الديني من أي أهداف سياسية وأيديولوجية، وكذلك حظر الترويج لسياسات الحكومات التي تقدّم لهم الدعم المالي، لا سيما تركيا.

ويبدو أن تطورات الأزمات المُتصاعدة بين باريس وأنقرة سوف يكون لها وقع ملموس على مسار سن "قانون الانفصاليين" مطلع 2021 كما تم تعريفه رسمياً، وهو حسب الحكومة الفرنسية قانون يهدف إلى إعادة بسط سلطة الدولة في كافة المناطق الفرنسية من مدن وضواحيها، والتي تتحكم فيها جمعيات وتنظيمات إسلامية ترفض الخضوع لقوانين ومبادئ الجمهورية وتروج لفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية على المواطنين الفرنسيين المسلمين خارج نطاق القانون الفرنسي، والتي من بينها مؤخراً تنامي ظاهرة منح "شهادات عذرية" للنساء المُقدمات على الزواج، على سبيل المثال، وهو ما تعتبره الحكومة الفرنسية اعتداء على كرامة المرأة.

تقرير صادم حول قيم الجمهورية

وتشن وسائل الإعلام الفرنسية منذ أيام حملة غير مسبوقة على النزعة الانفصالية الإسلاموية كتحدّ حضاري مصيري في البلاد، اعتراضاً على إقحام الإيمان بالسياسة والقانون المدني وليس على الشرائع الدينية بحدّ ذاتها، وذلك في أعقاب تقرير صادم أظهر أنّ الغالبية العُظمى من الفرنسيين المسلمين لا يُعطون أيّ اعتبار لقيم الجمهورية بالمقارنة مع أفكار الإسلام السياسي.

وأظهر استطلاع جديد للرأي في فرنسا أن غالبية ساحقة من الفرنسيين المسلمين الشباب يضعون الإسلام فوق قوانين الجمهورية الفرنسية، وذلك في وقت تتحضر فيه الحكومة لطرح القانون الذي يُناهض النزعات الانفصالية ذات الطابع الديني في البلاد، ويضع حدّاً للتأثيرات الخارجية التي تقودها جماعات الإسلام السياسي النشطة على الأراضي الفرنسية والمدعومة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا، ومؤسسات قطرية تعمل تحت ستار العمل الخيري ومدارس تعليم اللغة العربية.

ووفقاً للاستطلاع الذي أجراه "المعهد الفرنسي للرأي العام" ونشره في سبتمبر الحالي، فإنّ 74% من الفرنسيين المسلمين ممن تقل أعمارهم عن 25 عاماً يضعون قناعاتهم الدينية الإسلامية فوق قوانين الجمهورية، فيما انخفضت تلك النسبة إلى 40% لدى من تزيد أعمارهم عن 35 عاماً.

وبناء على ذلك يتساءل مسؤولون فرنسيون عن الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب الذين ولدوا على الأراضي الفرنسية، وتعلموا في مدارسها الحكومية وتشبعوا بقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، يتمردون على منظومة القوانين والقيم التي تحكم البلاد دعماً لتيارات خارجية مُتطرفة.

واعتبر 61% من الفرنسيين المسلمين المشاركين في الاستطلاع أن "الإسلام هو الدين الحقيقي الوحيد"، وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد 45% من الفرنسيين المسلمين الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً أن "الإسلام لا يتوافق مع قيم المجتمع الفرنسي"، بينما يؤيد هذا الرأي 24% فقط ممن تزيد أعمارهم عن 35 عاماً.

وتحت عنوان "ماكرون يُصعّد اللهجة ضد النزعة الانفصالية الإسلاموية" كشفت صحيفة "لوفيغارو" عن ورش عمل حكومية مكثفة هدفها الإعداد لمشروع قانون طموح قد يُقر بداية العام المقبل، يُجيز إقفال المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر أفكارا معادية لقيم الجمهورية الفرنسية.

وحذّرت الصحيفة من أنّ "المسألة لم تعد محصورة بدعاة منعزلين، حيث باتت توجد شبكة متكاملة من المساجد وقاعات الرياضة والجمعيات التي تغطي أحياء بأكملها في كل أرجاء فرنسا، وباتت تشكل مُجتمعاً مُضادا يُحلّل ويُحرّم كما يُريد".

وخلصت إلى أنّ مكافحة النزعة الانفصالية ليست معركة أمنية بقدر ما هي تحدّ حضاري، يهدف إلى تغليب الحرية والعقل والأدب وفن العيش المُشترك.

وقالت مارلين شيابا، الوزيرة المنتدبة المكلفة بشؤون المواطنة الفرنسية في وزارة الداخلية، في تصريحات صحافية، إنّ قانون مُحاربة الانفصالية قيد الإعداد، وسيعرض على مجلس الوزراء بحلول الخريف، لبدء المناقشات البرلمانية حوله في بداية العام 2021.

من جهتها، دعت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، جاكلين أوستاش برينيو إلى وجوب التحرّك بسرعة حيث تتأثر كافة مناطق فرنسا اليوم، باستثناء غرب البلاد، بأفكار الإسلام السياسي المتطرفة، مُحذّرة من خروج بعض تلك المناطق والأحياء في نزعات انفصالية عن الجمهورية، في غضون أعوام قليلة.

بالمقابل، يرى أكاديميون فرنسيون أنه بات من الضروري إيجاد كيانات بديلة تمثل الجاليات المسلمة، بحيث تعكس العقيدة الدينية المُعتدلة التي يتبناها معظم المسلمين، وليست لديها أي أطماع أو طموحات سياسية، وبحيث يُمكن للحكومة الفرنسية التعامل معها لمصلحة إدماج أفرادها في المُجتمع في إطار نُظم وقيم الجمهورية.