الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والتركي رجب طيب أردوغان (أرشيف)
الأربعاء 23 سبتمبر 2020 / 11:22

ماذا يجري بين فرنسا وتركيا؟

باسكال بونيفاس- الاتحاد

منذ بضعة أسابيع ازدادت حدة التوتر في شرق البحر الأبيض المتوسط بين تركيا واليونان، ولكن أيضاً بين تركيا وفرنسا، من خلال رئيسيهما.

المفارقة، هي أن فرنسا واليونان وتركيا تنتمي إلى الحلف العسكري نفسه، الناتو. والواقع أنه في الظروف العادية لا يوجد توتر عسكري داخل الحلف، غير أنه يجب أن نتذكر أن النزاع الوحيد الذي شهدته القارة الأوروبية، إبان الحرب الباردة، هو ذاك الذي جمع اليونان وتركيا بسبب قبرص.

حوار حاد جداً حدث بين الرئيس التركي والرئيس الفرنسي. ففي نوفمبر الماضي، أعلن الرئيس ماكرون أن الناتو يوجد في حالة موت دماغي، جزئياً، بالنظر إلى العمل العسكري التركي في سوريا. وهو ما ردّ عليه الرئيس التركي حينها بأن ماكرون هو الذي يوجد في حالة موت دماغي. لغة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها بعيدة عن الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.

والواقع أن أسباب التوتر بين تركيا وفرنسا، ولكن أيضاً بين تركيا وأعضاء الناتو الآخرين، عديدة نسبياً. فمنذ بضع سنوات ونحن نشهد تضييقاً على الحريات في تركيا، حيث بات الصحافيون مهدَّدين بشكل متزايد. ذلك أن هناك نزعة سلطوية لدى الرئيس أردوغان منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، والتي يرى أنه لم يتلق خلالها الدعم بشكل كاف.

وفضلاً عن ذلك، فإن المفاوضات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي متوقفة، والاتحاد الأوروبي يبدو أنه أغلق أبوابه في وجه تركيا، وهو ما لا يسهم في تهدئة الوضع.

المسألة الكردية تثير إشكالية أيضاً في هذه العلاقة التركية الأوروبية. والحال أن تقدماً ملحوظاً كان قد حُقق قبل نحو اثني عشر عاماً، حين بدا أن بوادر التوصل لاتفاق قد بدأت تلوح في الأفق. ولكن منذ ذلك الحين ونحن نشهد تصلباً من جانب أنقرة.

ففي الحرب الأهلية في سوريا، آثر الأتراك مهاجمة الأكراد السوريين، إذ رغم أنهم يتلقون دعماً أساسياً في الحرب ضد تنظيم داعش، فإن الأتراك يعتبرون أن الأكراد السوريين الحلفاء المحتملين لأكراد حزب العمال الكردستاني. والحال أن المسألة الكردية مسألة وجودية بالنسبة لتركيا، في حين أن داعش مجرد مشكلة أمنية "بسيطة". وعليه، فالمسألة الكردية والعمل التركي في سوريا يشكّلان موضوعاً إضافياً للخلاف.

كما يمكن القول إن تركيا أصبحت نوعاً ما العنصر المنفلت والخارج عن السيطرة نوعاً ما داخل الناتو، إذ ذهبت إلى حد شراء أسلحة من روسيا.

واللافت أنه متى كانت لدى أردوغان مشاكل، فإنه يلعب ورقة التصلب على خلفية القومية، وهو ما يعتبر دائماً مربحاً سياسياً. في الوقت الراهن، شعبية أردوغان متدنية، فقد خسر الانتخابات البلدية في إسطنبول وأنقرة، والوضع الاقتصادي للبلاد كان متدهوراً قبل أزمة كورونا، ثم ازداد تدهوراً منذ ذلك الحين. وبالتالي، فإن كل هذا يفسّر جنوح أردوغان إلى لعب ورقة "أنا ضد العالم كله"، من أجل إعادة بناء الدعم والالتفاف الشعبي حوله على الصعيد الداخلي.

الخلافات بين باريس وأنقرة تظهر أيضاً في الملف الليبي، على اعتبار أن تركيا خرقت حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، لصالح حكومة السراج. وإذا كانت فرنسا تعترف بهذه الحكومة رسمياً، فإن إيمانويل ماكرون يرى أنها ليست موثوقة، ولا يمكن الاعتماد عليها في محاربة الإرهاب.

في هذا السياق، تشكل عمليات التنقيب عن المحروقات موضوع خلاف جديداً. فالاحتياطيات الضخمة التي يزخر بها شرق المتوسط تجعل كل البلدان المطلة عليه تحلم، تركيا، وإسرائيل، وقبرص، واليونان... وإذا كانت تركيا مخطئة لأنها تريد فرض الأمر الواقع بالقوة، فينبغي الاعتراف بأن قانون البحار لا يصب في مصلحتها، ذلك أن اتفاقية خليج مونتيغو لعام 1982 تعرّف المجال البحري الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة، انطلاقاً من السواحل. والحال أن بعض الجزر اليونانية قريبة جداً من السواحل التركية، ما يجعل بحر إيجه أشبه ببحيرة يونانية.

ومعلوم أن فرنسا تدعم اليونان لأنها عضو في الاتحاد الأوروبي، غير أن هناك أيضاً مفاوضات تجري حالياً حول شراء اليونان لمقاتلات رافال الفرنسية. وبالمقابل، تتبنى ألمانيا موقفاً أكثر اعتدالاً، لأن ما يناهز ثلاثة ملايين من مواطنيها الألمان، ينحدرون من أصول تركية.

وخلاصة القول إن فرنسا تريد تبني موقف الصرامة إزاء الاستفزازات التركية، مع ترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات، تلافياً لتدهور العلاقات أكثر. ولكن كل واحد يريد الظهور بمظهر بطل قومه.

أردوغان يلعب ورقة معارضة العالم الغربين، وماكرون يتقمص دور الزعيم الأوروبي الذي لا يتردد في رسم خط أحمر لأردوغان.