الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيف)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مرفأ بيروت بعد الانفجار (أرشيف)
الخميس 24 سبتمبر 2020 / 14:58

ساسة لبنان يرفضون طوق النجاة الفرنسي ويدفعون بيروت إلى الخطر

فوّتت القيادات الطائفية في لبنان مهلة اتفقت عليها مع فرنسا لتشكيل حكومة جديدة، وربما يعرض تجاوز مواعيد نهائية أخرى للخطر، طوق النجاة الذي امتدت به يد فرنسا لانتشال لبنان من أسوأ أزمة مالية يشهدها منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.

ورسمت فرنسا إطاراً زمنياً ليعالج لبنان من خلاله مشكلة الفساد، وينفذ إصلاحات للمساعدة في تأمين الحصول على مساعدات خارجية بمليارات الدولارات، لإنقاذ البلاد الغارقة في الدين.

غير أن القيادات، التي ظلت في المسؤولية على مدى سنوات شهدت فيها البلاد إهداراً في إنفاق الدولة وفساداً، تعثرت عند أول عائق واجهها فلم تنجز ما وعدت به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف سبتمبر(أيلول) الجاري.

ومع ذلك ربما يكون تشكيل الحكومة أهون ما في الأمر. فبعد تسمية الوزراء سيواجهون جبلاً من التحديات تتراوح بين إنعاش القطاع المصرفي المصاب بالشلل، وإصلاح قطاع الكهرباء الذي لا يمكنه توفير التيار الكهربائي دون انقطاع في بلد يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة.

وزار ماكرون العاصمة اللبنانية بعد الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في أغسطس (آب) الماضي، وقال للساسة إنهم قد يواجهون عقوبات إذا ما عطل الفساد مسيرة الإصلاح. وقالت باريس مراراً إن لبنان لن يحصل على مساعدات دون التغيير.

عراقيل تشكيل الحكومة
ويكمن سبب التاخير في النزعات الطائفية والفئوية في السياسة. ولب معضلة تشكيل الحكومة طلب الحزبين الشيعيين الرئيسيين في البلاد، جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحليفتها حركة أمل، حق اختيار عدد من الوزراء والاحتفاظ بحقيبة المالية.

وسيكون لوزارة المالية دور حيوي في رسم خطط الخروج من الأزمة الاقتصادية.

وسعى رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، السني بمقتضى نظام اقتسام السلطة الطائفي المعمول به في لبنان، إلى تغيير القيادات في الوزارات التي سيطرت عليه فئات بعينها أعواماً.

ويقول ساسة إن حزب الله الذي زاد نفوذه السياسي وحركة أمل، يريان في التحركات الرامية لإبعادهما عن مناصب وزارية رئيسية، محاولة لإضعاف نفوذهما.

ويتمتع حزب الله وحركة أمل بأغلبية برلمانية مع حلفاء مسيحيين وغيرهم، وذلك رغم اختلاف آراء الجانبين بسبب النزاع على تشكيل الحكومة.

وقال الرئيس ميشال عون، المسيحي الماروني المتحالف مع حزب الله، إنه لا يجوز لأي طائفة أن تطالب بأي وزارة.

غير أن مصادر سياسية تقول إن قرار واشنطن في سبتمبر(أيلول) الجاري، بفرض عقوبات أمريكية على حلفاء لحزب الله دفع الكتلة الشيعية للتشبث بموقفها من التعيينات الوزارية.

وتعتبر واشنطن حزب الله جماعة إرهابية.

ورغم كل ذلك يمكن أن يحقق الضغط الخارجي نتائج. فقد دفع تدخل ماكرون القيادات اللبنانية المتشاحنة للاتفاق على رئيس الوزراء المكلف قبل ساعات من وصول الرئيس الفرنسي إلى بيروت في زيارته الثانية في أقل من شهر.

أين يكمن الخطر؟
قالت فرنسا، إن لبنان يواجه خطر الانهيار إذا لم يغير مساره. وقال الرئيس اللبناني إن البلاد تسير نحو "الجحيم" إذا لم تشكل حكومة جديدة. وسقط عدد كبير من اللبنانيين في براثن الفقر، مع انهيار الاقتصاد وخرج الآلاف منهم إلى الشوارع في العام الماضي مطالبين بالتغيير.

ويحتاج لبنان إلى سيولة مالية بسرعة بعد أن عجز عن سداد التزامات الدين السيادي الضخم بعد أن أصابت الأزمة البنوك بالشلل.

وأضاف انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة نحو 200 شخص، عبئاً مالياً جديداً على البلاد يقدر بحوالي 4.6 مليارات دولار.

ويستخدم البنك المركزي احتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة لدعم الواردات الرئيسية مثل القمح، والوقود، والأدوية. 

وسيؤدي إلغاء الدعم الذي قال البنك المركزي إنه لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى، إلى مزيد من المعاناة، وربما يؤجج التوتر.

وتزامن الانهيار الاقتصادي مع  اضطرابات طائفية واشتباكات فئوية.

ويهدد المزيد من التدهور بالمزيد من الاضطرابات في وقت يحصل فيه أفراد الأمن على مرتباتهم بعملة تفقد قيمتها سريعاً.

ووعد المانحون بمليارات الدولارات لمساعدة لبنان في مؤتمر باريس 2018، عندما عجزت البلاد عن تنفيذ إصلاحات. وجعل المانحون تغيير المسار شرطاً للمساعدة.

ووجه ماكرون رسالة قوية في بيروت في 1 سبتمبر (أيلول) الجاري، فقال: "إذا فشلت طبقتكم السياسية، فلن نهب لمساعدة لبنان".

هل تصبح الأمور أيسر؟
ثمة تحديات كبرى في الطريق. وضعت فرنسا خارطة طريق تفصيلية للحكومة الجديدة من استئناف المحادثات سريعاً مع صندوق النقد الدولي، إلى إطلاق مناقصات لإقامة محطات كهرباء جديدة.

وقالت فرنسا، إن من الضروري أن تبدأ الحكومة في معالجة الفساد المستشري بسرعة، لضمان الحصول على الأموال الموعودة في مؤتمر آخر للمانحين، قالت باريس إنها على استعداد لعقده في النصف الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ما يعني أن أي حكومة جديدة سيكون أمامها فترة قصيرة جداً لإنجاز المطلوب.

وربما يتعذر ذلك على ساسة لبنان المتشبثين بمواقفهم الذين أخفقوا في تشكيل الحكومة في الوقت المناسب.