العلم الإماراتي مرفوعاً في سماء الدولة
العلم الإماراتي مرفوعاً في سماء الدولة
السبت 26 سبتمبر 2020 / 11:37

الإمارات نحو الخمسين: الاتحادية المنطلقة بقوة

عبدالله جمعة الحاج - الاتحاد

مثلما أن الحكومة الاتحادية قد تعلّمت مع مرور الوقت كيف تدير شؤون الدولة والمجتمع بكامل مكوناتها بشكل ناجح وحازم، يلاحظ أيضاً بأنها تستطيع التعامل المجدي مع العديد من جوانب الشأن المحلي تجاه سن القوانين والتشريعات، وتدشين المشاريع الكبرى التي تخدم المواطنين مباشرة على المستويات المحلية، وهي تستطيع التأثير على تخصيصات الميزانيات عبر الدعم المالي الذي تقدمه عند تجميع موارد تلك الميزانيات.

إن جميع ذلك قد يحدث في الواقع العملي لكن دون الاقتراب من البنى الرسمية للصعد المحلية. وبسبب سمو قرارات المجلس الأعلى للاتحاد، وأخذاً في الاعتبار للعادات والتقاليد والأعراف المتبعة، وللبنى الاجتماعية المتغيرة من خلال الصورة الاستقرائية المتكونة في أذهان المواطنين، والمنتشرة نمطياً على كامل ساحة الدولة الاتحادية عبر وسائل عملية متعددة، توصل المواطنون في هذه المرحلة من تاريخ بلادهم السياسي والدستوري إلى نقطة اقتنعوا عندها بالدور المهم للحكومة الاتحادية في جميع الجوانب الحياة. لذلك لم يعد يوجد تساؤل حول الممارسات الدستورية، وأصبح اتخاذ القرار شأناً سياسياً عوضاً عن كونه دستورياً أو قانونياً مجرداً يجب التوقف عنده كثيراً.

ما نعتقده كدارسين للنظام السياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة وللنخبة السياسية فيها هو أنه عندما يقوم المجلس الأعلى للاتحاد أو رئيس الدولة أو مجلس الوزراء الاتحادي بالنظر في أي إجراء فإنهم عادة ما يضعون في اعتبارهم وبحرص شديد جعل الإجراء المطلوب أو التصرف متوازناً ويوائم بين الحد الأقصى للسلطة والنفوذ الاتحادي، ومتطلبات واهتمامات الشأن المحلي. وهذا ينطلق من الإدراك بأنه من الأفضل كمسألة تخص السياسة العامة، في العديد من المواقف والحالات الموضوعية، أن تتخذ الحكومة الاتحادية مواقف كمساعدة منها للأوضاع المحلية، وأن تستحث السلطات المحلية على أداء المهام المنوطة بها تجاه الخدمات المطلوبة من قبل المواطنين عند مستوياتها المتميزة. وهذا هو ما نتوصل إليه كدارسين بأنه الدعم الاتحادي هو الأداة التي يمكن عن طريقها قيام الحكومة بمساعدة المستوى المحلي وتشجيعه على خدمة المواطنين، بالإضافة إلى ما تقدمه هي ذاتها من خدمات واسعة لهم.

ومن جانب آخر، الفرق كبير بين الاتحادية مفسرة بأنها آلية دستورية - قانونية يتم عن طريقها الفصل بين مستويين من الحكومة بينهما مسافة، ولديهما نطاق للوظائف المؤداة مؤطرة في قوالب جامدة قوامها منطق الفصل العام بين ما هو اتحادي وما هو محلي، وبين فكرة أن الاتحادية مقولة سياسية ديناميكية ذات طابع متحرك، وتعود إلى نمط من العلاقات البينية المتداخلة والمتغيرة من الأداء المشترك ذي الاستمرارية.

ووفقاً للمناظير التقليدية القديمة يتم النظر إلى الاتحادية بأنها متراس يقبع خلفه نمط من النظم السياسية التقليدية اللاديناميكية، بحيث يمكن الإشارة بشيء من المصداقية إلى أنه كلما آمن المواطنون في دولة الإمارات بوجود وطن اتحادي عصري وحديث واحد يتكون من الإمارات السبع مجتمعة، تمكنا كباحثين في الشأن الوطني إثبات وجود اتحادية عصرية صحيحة في دولة الإمارات قائمة على شرعية راسخة للنخبة السياسية ولقدرتها على إدارة الأمور بحنكة ويسر وسلاسة، وهذا ما تحقق بالفعل.

هذا الطرح يدفعني نحو القول بأنه وفقاً للمناظير الحديثة، لابد من النظر إلى الاتحادية في صيغ براجماتية - عملية، وبأنها طريقة لجعل وظائف كل من الدولة والحكومة تنجز بكفاءة أكبر. لذلك فإنه من وجهة نظر علم السياسة في شقه المتعلق بدراسة النظم السياسية المقارنة يوجد للاتحادية في دولة الإمارات أهمية كبيرة في النظام السياسي للبلاد، لكن تلك الأهمية لا تقوم على أساس من الفصل التام سياسياً بين ماهو اتحادي وما هو محلي، عوضاً عن ذلك هي تتكون من مجموعة من العناصر الخاصة بالمحتوى السياسي الكلي والجزئي لوطن واحد، والتي يجب عند دراستها أن تُضم إلى بعضها بعضاً لكي يصبح البحث العلمي التجريبي قائماً لدراسة الحالة الاتحادية الناجحة والمنطلقة بقوة في دولة الإمارات.