الأربعاء 30 سبتمبر 2020 / 10:11

صحف عربية: الكويت تودع أمير الإنسانية

ترجل أمير الدبلوماسية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعد مسيرة طويلة مليئة بالإنجازات المحلية والعربية والدولية، تاركاً في قلوب الكويتيين والعرب حزناً كبيراً، فهو صاحب القلب الكبير، الذي كان دوماً الحضن الدافئ لأهل بلاده، وهو صاحب مبدأ الدول الصغيرة كبيرة برسالاتها، فلم يعترف يوماً بأن دور الكويت بمساحة حدودها أو حتى بمساحة حدود الإقليم. أراد لها دوراً عالمياً وكان له ما أراد.

رثت صحف عربية اليوم الأربعاء، فقيد الكويت والأمة العربية، الشيخ صباح الأحمد الصباح، مسلطة الضوء على تاريخه الإنساني والسياسي الكبير، وعلى إنجازاته العريضة، ودوره في رفعة وتنمية الكويت وإعلاء شأن إنسانها.

حزن كبير
الكاتب الكويتي جاسم مرزوق بودي رثى في مقال له بصحيفة "الرأي" الكويتية أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، وقال في حديثه "لأيام، لأسابيع، لأشهر، لسنوات، ستفتقد الكويت صباحاتها برحيل صباح. يغيب الدفء عنها. يشكل الحزن غيمة تحجز خيوط الشمس عن ملامسة التراب ويتحول الدمع كفناً يحتضن قامة الرجل إلى مثواه... وأي رجل؟ وأي قامة؟ كويت بلا صباح... وكم من كويتي ولد وعاش ولم تكن ابتسامة صباح في وجهه؟ أكثر من 70 عاماً أمضاها في الشأن العام وفي مختلف الإدارات. رجل نقل الإمارة من زاوية ضيقة على الخريطة إلى كل زوايا العالم وخرائطه بفعل رؤيته القائمة على أن الدول الصغيرة كبيرة برسالاتها. لم يعترف يوماً بأن دور الكويت بمساحة حدودها أو حتى بمساحة حدود الإقليم. أراد لها دوراً عالمياً وكان له ما أراد... حتى وقف العالم بأسره تحية واحتراماً له مطلقاً عليه لقب زعيم الإنسانية".

وأضاف، "أميرنا، والدنا، قائدنا، خبر الشأن العام بكل شؤونه وشجونه. تدرج من أولى عتبات السلم الوظيفي ولمس عن قرب مشاكل الإدارة، وكان كلما تقدم عمودياً في هيكل السلطة يتقدم أفقياً في نسيج المجتمع. لم يترك بيتاً إلا وزاره، وواجباً إلا وقدمه، وعرساً إلا واحتفل فيه، وحزناً إلا وشارك فيه. كان معنا... بيننا... يلبي نداء القاصد. ينام وقلبه مفتوح قبل أبواب قصره، ويغمض عينيه على رضى الله ومحبة الكويتيين وافتخار رموز العرب والعالم بسياسته ورؤيته وحكمته".

وتابع "لم يكن حلمه مفروشاً بالورود قط. كانت محاولات اغتيال هذا الحلم بحجم اغتيال وطن. عندما مرت الكويت في مرحلة التجاذب الإقليمي العربي – العربي في ستينيات القرن الماضي وقف في منتصف المساحة بين تطرفين: دعاة الوحدة والذوبان في كيانات أكبر مهما كانت النتائج ودعاة الانسلاخ من العباءة العربية بحجة رفض الهيمنة والديكتاتورية. وعندما بدأت الصراعات العربية – العربية تأخذ مكان الصراع العربي – الإسرائيلي تقدم الصفوف لرأب الصدع وإعادة البنادق إلى وجهتها الحقيقية مكرساً كل إمكانات الكويت لدعم الثورة الفلسطينية بالمال والسلاح والمواقف وبإقناعها بأن طريق فلسطين لا تمر في لبنان أو غير لبنان. وعندما واكبت الحرب العراقية – الإيرانية الصراعات العربية كان الإطفائي الحقيقي الذي حيد الكويت بديبلوماسية الناقلات وأعلام الدول الكبرى. وعندما غدر الشقيق واحتل الكويت جالباً الزلازل والبراكين من العالم إلى الخليج لم ينم صباح الأحمد وهو يشاهد أحلام المستقبل تتحوّل إلى كوابيس... ومع ذلك عرف كيف يوظف الورد الأبيض الذي زرعه في حقول العالم لتبديد الشوك الأسود الذي حاصر الكويت".


عميد الدبلوماسية
بألقاب "عميد الدبلوماسية" و"حكيم عرب" و"أمير الإنسانية"، كان لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي توفي يوم الثلاثاء عن عمر 91 عاماً، سجل عربي ممتد، ومسيرة سياسية حافلة بالأحداث التاريخية والوساطات في أخطر أزمات بلاده والمنطقة، إذ عرف خلال عقود مسيرته بكونه وسيطاً موثوقاً به من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.

وقال موقع "اندبندنت عربية" قبل تسلمه مقاليد الحكم رسمياً في يناير (كانون الثاني) عام 2006، قضي الشيخ صباح عقوداً في أروقة الدبلوماسية والسياسة خلال عهدي أخيه غير الشقيق جابر الصباح وابن عمه سعد الصباح، وتولى عدداً من المناصب، أبرزها وزير الخارجية والإعلام، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ليعين رئيساً لمجلس الوزراء العام 2003.

وأضافت، أن الشيخ صباح هو الأمير الـ 15 للكويت التي تحكمها أسرته منذ 250 سنة، وساعد بلاده في تخطي تبعات غزو العراق، وانهيار الأسواق العالمية، والأزمات المتلاحقة داخل مجلس الأمة الكويتي والحكومة وبين أبناء بلاده. فخلال سنوات حكمه الأولى عاشت الكويت استقرار مالياً كبيراً مع تجاوز ثروة الصندوق السيادي 600 مليار دولار، للمرة الأولى بفضل أسعار النفط، لكن انهيار الأسعار في 2014 سبّب عجزاً في الموازنات الكويتية، ما دفع الحكومة إلى رفع أسعار الوقود وكلفة الخدمات.

صوت العقل وجسر التواصل
قال الكاتب عبدالرحيم شلقم في مقال له بصحيفة "الشرق الأوسط"، رحل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعد عقود من العمل السياسي والإعلامي والدبلوماسي. عاش سنوات النوازل الكبرى في بلاده والمنطقة العربية بل والعالم. في كل حلقات التوتر والصراع، كان الأمير الراحل، رحمه الله، صوتاً للعقل وجسراً للتواصل والسلام. دخل خضم السياسة مبكراً منذ حصول الكويت على استقلالها من بريطانيا، وكان له حضور في صياغة دستور الكويت الذي رسم خريطة العمل السياسي في الإمارة الوليدة. منذ البداية كان حضوره ثقافياً ببُعد عربي. عندما تولى وزارة الإعلام التي كانت تسمى وزارة الإرشاد، دعم مجلة "العربي" التي كانت مطبوعة التراث والتنوير، وقال عنها الشيخ صباح، إنها هدية الكويت للأمة العربية.
 
وتابع "في كل المواقع الوزارية التي تولاها الراحل لم تتوقف صلته بالعلم والثقافة في الكويت والعالم العربي، بل قدم المساعدة في هذا المجال للدول النامية في كل القارات. كان ينحاز إلى الإنسان في كل مكان دون تفضيل عرق أو هوية أو بلد على آخر".

في مجال الصحة كانت يده نَديّة مع الجميع، وفي كل أحاديثه ومداخلاته في المحافل الإقليمية والدولية يرفع صوته متضامناً مع المحتاجين من البشر من دون تمييز. كانت الإنسانية هويته على مدى سنوات عمره المديد في مراكز المسؤولية. قضى عقوداً أربعة متولياً وزارة الخارجية الكويتية، فكان عبر تلك السنوات كلها هو هو، صوت العقل السياسي المؤمن بسياسة مد الجسور بين الأطراف مهما تباينت توجهاتها وتضاربت مصالحها وأفكارها. وقف بقوة مع العراق في حربها مع إيران وطاف قارات العالم في جهد متواصل من أجل تحقيق حل سلمي يوقف نزيف الدم بين البلدين المسلمين الجارين. عندما قام صدام حسين بغزو العراق وقتل الكويتيين واستولى على أموالهم وأحرق آبار نفطهم وقف في الأمم المتحدة منافحاً عن بلاده وشعبه، غالبته الدموع وهو يصف معاناة شعبه الذي يعاني الويلات من طغيان وجنون صدام حسين. في كل اللقاءات العربية الوزارية وعلى مستوى القمة، ناله الكثير من التطاول والإساءة من ممثلي النظام العراقي، كانت بسمته تسبق ردوده الهادئة، متسلحاً بالواقعية والقانون والمعلومات.