السفير الفلسطيني لدى باريس سلمان الهرفي (أرشيف)
السفير الفلسطيني لدى باريس سلمان الهرفي (أرشيف)
الأربعاء 14 أكتوبر 2020 / 18:22

سلمان الهرفي... مرة أخرى

24 - عدلي صادق

أطلق الفاسد التاريخي سلمان الهرفي، سفير عباس لدى فرنسا، تصريحاً يهجو فيه قادة الإمارات، ويخلع عليهم أوصافاً لا تنطبق إلا على عباس الذي يغطي عورات صاحب التصريح، وعورات أمثاله.

فلا أحداً غير عباس حرص على تأهيل الهرفي سفيراً، المرة تلو الأخرى حتى بلغ سن الثمانين. وفي الحقيقة يُعد الهرفي واحداً من حفنة باقية في السفارات حتى الموت، وتربطها مع عباس علاقات غامضة أو خاصة.

استهجان تصريح الهرفي، فلسطينياً، يستند إلى اعتبار منطقي، وهو أن الذي يشغل منصباً فلسطينياً رسمياً، مُلزم بمراعاة مصالح الشعب الفلسطيني، وجالياته في الدول الشقيقة. في الوقت نفسه، له الحق في التعبير عن الموقف السياسي الرسمي والشعبي، بموضوعية ودون التطرق لأشخاص.

أما إذا اعتدى عرب، رسميون وغير رسميين، باللفظ على شرف الشعب الفلسطيني ورموزه التاريخية، فإن حق الرد بالمثل مكفولٌ بداهةً. والأصل في المسألة، أن الحفاظ على العلاقة مع الدول الشقيقة وشعوبها، واجب محتم.

فعندما تحدث الأمير السعودي بندر بن سلطان، لم يصدر حرف من عباس الذي طالته الإهانة شخصياً ولم ترد حاشيته، والأسباب مفهومة، بل أصدر تعميماً يشدد على العاملين في السلطة وفي السفارات، ألا يتعرضوا للأمير بندر ولا حتى بالعتاب الرقيق. لكن الذي حدث بعدها بيومين، أن قفز فاسد ولص تاريخي، ليقيم قيادة عربية ويشير اليها بالإسم، بينما هو تحديداً، أجدر بأن ينزوي بعيداً عن كل معمعة،  ولا يُذّكر الناس بإسمه وسيرته.

هنا، تؤخذ قفزة الفاسد، لتؤكد مرة أخرى، أن ردود أفعال عباس وحاشيته، على التطبيع، لم تكن من منطلق وطني. فمن بين المفتضح في لغته وآرائه، أن ردة فعله على اتفاق التطبيع الذي أبرمته الإمارات، كان نوبة غضب كاذب، لم يظهر منها شيء تجاه وقائع تطبيع أخرى، قديمة وجديدة، ولن يظهر.

والأغرب، أن الرجل وحاشيته، يلوذون بالصمت أمام من يُهينهم، ويبتلعون الإهانة بصمت، لكنهم يُستفزون إذا اتصل الأمر بالإمارات التي لم توجه إهانةً لعباس ولم تذكره بالإسم، ولا تسيء إليه ولا حتى بالتلميح.

كما أن المقيمين الفلسطينيين في الإمارات، لم يسمعوا من قيادات البلد، سوى الكلام الطيب والمطمئن، إذ لم يخرج مسؤول إماراتي واحد، ليشكك في عدالة القضية الفلسطينية، أو يحاول النيل من قياداتها التاريخية، أو يلفظ جملة واحدة تتسبب في قلق الفلسطينيين.

يصح أن نختلف في السياسة، ويجدر بنا عندما نختلف، أن نؤكد رأينا بأن التوصل الى تسوية متوازنة، لا يكون بالتطبيع المسبق، وإنما وفق "مبادرة السلام العربية"، وهنا تكون حدود ما يتاح للعمل الرسمي الفلسطيني، إن تعداها يخسر كل شيء وكل الأطراف، ويخدم إسرائيل.

قبل نحو أربع سنوات، وكنا في شهر رمضان، دعا شباب من حركة فتح، أوصلتهم الدروب الى المهجر في غرب أوروبا، الى إفطار رمضاني تكافلي يجمعهم في باريس. ولأنهم جميعاً من ضحايا التمييز والإقصاء وانسداد الأفق الذي يرمز إليه سلمان الهرفي، حاول الأخير، بصفته سفير عباس لدى فرنسا، إحباط الإفطار الرمضاني بتوزيع رسالة نصية على أصحاب الأرقام الهاتفية المُخزنة في هاتفه، يحثهم فيها على مقاطعة اللقاء الفلسطيني في الشهر الفضيل. ولسوء حظه أنه اختتم الرسالة بعبارة "وإنها لثورة حتى النصر!".

استفزت العبارة الأخيرة كاتب هذه السطور، فكتب يسأل عن أي ثورة يتحدث سلمان الهرفي ويُبشر بنصرها؟ أليس هو من أخطر رموز الإساءة لثورة الأوفياء الفقراء والشهداء، ومن كانوا سبب هُزال المنظمة، إذ مارسوا كل أنواع الخروج على قيم العمل الوطني؟

كانت الأيدي الخفية التي تلعب في المساحات المظلمة، تتعمد بين الحين والآخر، نقل الهرفي من بلد الى بلد، ليعمل سفيراً. ولم يكن يخرج من أي سفارة، دون أن يترك وراءه ملفاً سميكاً من كل أنواع المخازي، مع انطباعات سيئة لدى الدولة المضيفة، ولدى النخب السياسية فيها، والجاليات العربية، ومجموعة الديبلوماسيين العرب.

ورغم ذلك، نشأت علاقات غامضة بين رأس النظام الفلسطيني، وحفنة من أمثال الهرفي، وكان الواحد منهم عندما يطلب التقاعد والإستراحة مع أولاده، ليستمتع بما جمع، يفاجأ برأس النظام يُرسله إلى حيث يقيم أبناؤه، مبتعثاً سفيراً على عتبه الثمانين من عمره!

في قلب هذا الحضيض، لم يكترث هؤلاء بحقيقة انكشافهم. وفي المحطة الأخيرة، التي سبقت فرنسا، كان الهرفي سفيراً لدى تونس، وكان أحد الذين تصدوا لفساده، مدير الصندوق القومي الفلسطيني هناك، المرحوم منير صالح الفرا، الذي أُعفي من منصبه بسبب ذلك، وبقرار من منظومة الفساد التي تحظى بالرعاية الرئاسية.

عندما استخدم الهرفي عبارة "ثورة حتى النصر" في رسالة أراد بها إحباط إفطار فلسطيني رمضاني، اضطررنا لتذكيره بحمولة قطار من ملفات الاختلاس والسلب والفجور، وحفلات "اللهو" الجماعي، التي شاع أمرها بين الناس منذ سنوات طويلة.