متظاهرون لبنانيون في بيروت (أرشيف)
متظاهرون لبنانيون في بيروت (أرشيف)
الجمعة 16 أكتوبر 2020 / 18:32

بعد عام من الاحتجاجات في لبنان.. خلت الساحات وتدهورت ظروف المعيشة

بعد عام من انتفاضة اللبنانيين على الساسة الذين اعتبروهم مسؤولين عن الانهيار الاقتصادي، خلت الساحات التي كانت تمتليء بالمتظاهرين الغاضبين، وأصبحت الخيام التي نصبت لإيوائهم مهجورة.

ورغم أن الغضب لم يختف منذ الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت البلاد في أواخر العام الماضي، اختفت القدرة على مواصلة الاحتجاج في ظل انتشار جائحة كورونا، وارتفاع معدل البطالة، والمعاناة التي شهدتها العاصمة اللبنانية بعد انفجار هائل في أغسطس (آب) أدى إلى تشريد الآلاف، في حين
قوبل بعض الذين خرجوا للتظاهر احتجاجاً على السلطات في أعقاب الانفجار بالغاز المسيل للدموع وهراوات الشرطة.

كان داني مرتضى، 28 عاماً، بين مئات الآلاف الذين شاركوا في المسيرات في شوارع بيروت ومدن أخرى على مدار أسابيع في 2019. جال ببصره عبر ساحة في بيروت كانت مركز الانتفاضة مبدياً اعتقاده بأن روح الاحتجاج لا تزال حية.

قال مرتضى وهو يقف أمام مقر الحكومة أين أمضي ليلة بعد أخرى في خيمة، إن "الثورة" مستمرة في صدور الكثيرين.

وفي العام الماضي نصبت قوى الأمن كتلاً خرسانية لإبعاد المحتجين عن المنطقة، أطلق عليها المتظاهرون اسم "جدار العار" وحولوها إلى لوحة لرسوم الغرافيتي والشعارات المناهضة للحكومة.

ولا توجد حتى الآن حكومة في لبنان تتصدى لأسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت بين 1975 و1990 على أقل تقدير، إذ تعجز التكتلات السياسية المتنافسة عن الاتفاق على تقسيم السلطة.

وفي الوقت نفسه، تناقصت الاحتياطيات النقدية إلى درجة خطيرة، وبدأ الجوع ينتشر بين أسر الطبقة المتوسطة، وانهارت العملة ولم تعد هناك سيولة كافية لتطهير آثار الدمار الذي لحق الناس والممتلكات في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي.

وبعد تلك المأساة التي سقط فيها قرابة 200 قتيل وأصيب فيها الآلاف، انتقلت إلى المتطوعين الشبان مهمة المساعدة في رفع الركام، وتوفير الدعم لنحو 300 ألف أصبحوا بلا مأوى.

ويعتمد الذين فقدوا وظائفهم وأصابهم الفقر والجوع على وكالات الإغاثة والمنظمات الخيرية والأهلية المحلية ولا يبدو لهم في الأفق مخرج من الأزمة.

ثلاثة أجيال
أسست مايا إبراهيم شاه، جمعية بيت البركة الأهلية المحلية في 2018، لخدمة الفقراء في بيروت وكانت في البداية تعمل على إيجاد المسكن للمستأجرين الذي طردوا من مساكنهم، وافتتحت متجر سوبر ماركت مجانياً.

وبعد عام من انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي توسعت الجمعية، التي أصبح 220 ألف يستفيدون من مساعداتها.

وسرعان ما اكتشفت مايا أنها تقدم الطعام والمأوى لأفراد من الطبقة المتوسطة الآخذة في الانكماش في لبنان.

قالت مايا إن الجمعية تعمل الآن على إصلاح 3011 بيتاً في المناطق التي شهدت دماراً في انفجار المرفأ، مشيرة إلى أنها تحصل على 95% من تمويلها من لبنانيين في المهجر.

ويلخص حال أسرة صادفتها مايا في حي مار مخايل الذي ناله الدمار في الانفجار كيف أثرت الأزمة على المجتمع كله لا على الفقراء فحسب.

ففي بيت تلك الأسرة تعيش جدة كانت من أوائل الفتيات اللائي تخرجن من الجامعة الأمريكية في بيروت، وابنتها المنخرجة أيضاً في إحدى الجامعات المرموقة، وزوج الابنة الذي فقد عمله في شركة للمستحضرات الطبية، وثلاثة أطفال.

بدأت أسنان الأطفال، وهم في السابعة والعاشرة والحادية عشرة من العمر، تسقط لأن الأسرة لم تعد تتحمل نفقات رعاية الأسنان.

وقالت مايا، إن "الأجيال الثلاثة تصور ما لحق بلبنان". وتروي إنها عندما دخلت البيت صبت لعناتها على الحكومات وعلى المسؤولين.

أما زوج ريتا أوغلو، الذي يعمل ميكانيكياً ففقد عمله الأخير في مطعم بسبب الأزمة المالية.

وبعد أن حلت جائحة كورونا اكتشف أن من المستحيل العثور على عمل.

وأصيب إصابة بالغة في ساقة في انفجار المرفأ الذي دمر شقة الأسرة.

وكافحت الأسرة لتسيير حياتها بما يدره عليها عمل ريتا خبيرة التجميل وأصبحت تعتمد على التبرعات.

وقالت ريتا إن "حياتها وحياة الجميع انقلبت رأساً على عقب في العام الأخير" ووصفت الوضع الحالي بأنه كارثة، مضيفة أنه "لا أحد في الدولة يفكر في الناس أو يكترث بهم".

وليس الوضع أفضل بدرجة تذكر لأصحاب المدخرات. إذ حالت بنوك بيروت، التي أصيبت بالشلل بعد أن ظلت تُقرض البنك المركزي والدولة، بين المودعين وحساباتهم في السنة الماضية.

وقالت مايا إن عندها 12 ألف أسرة على قائمة الانتظار تحتاج لشراء أجهزة لابتوب لأولادها للدراسة عبر الإنترنت خلال فترة القيود السارية لمحاصرة فيروس كورونا.

 الحلم بالهجرة
لم يجد مرتضى عملاً قبل مظاهرات العام الماضي، لكنه يقول إنه باق في لبنان، ويريد عودة الناس إلى الشوارع واتحادهم في مواجهة الساسة الذين يرى اللبنانيون أنهم السبب في أزمة البلاد. ويثق مرتضى أن الساحات ستمتليء بالناس مرة أخرى.

لكن كثيرين لا يتوقعون ذلك، إذ أصبحت لقمة العيش الشغل الشاغل للناس، وأصبح كثيرون يتطلعون لحياة أفضل في مكان آخر.

وفي هذا الشهر أظهر الاستطلاع السنوي لرأي الشباب العربي أن 40% من الشباب العربي يفكرون في الهجرة غير أن هذه النسبة تتضاعف تقريباً في لبنان.

وتقول الأمم المتحدة إن "55% من السكان يعيشون تحت خط الفقر" في حين تقول شركة إنفوبرو للأبحاث في بيروت إن "ثلث العاملين في القطاع الخاص فقدوا وظائفهم".

وقال الوزير السابق والاقتصادي البارز ناصر السعيدي، إنه يعتقد أن الشباب يكافحون في سبيل العيش ولهذا لا يخرجون إلى الشوارع للاحتجاج، مضيفاً أنه يعتقد أن "الخوف أصابهم بسبب ما تعرضوا له من تهديد".

وأضاف "لم نر قط شيئا بهذا السوء" من قبل.