الثلاثاء 20 أكتوبر 2020 / 12:18

نقص الأدوية في إيران... خداع وفساد ممنهج!

أكد الكاتب الإيراني علي رضا نادر أن النظام الإيراني يُلقي باللوم "زوراً" على العقوبات الأمريكية لتسبّبها في نقص الأدوية، للتغطية على الفساد الممنهج في هذا القطاع.

يُدرك النظام أنه يُواجه تهديداً وجودياً من شعب سَئِم الكسب غير المشروع والقمع والتعصّب الديني

واستشهد نادر، في مقال لمعهد "الدفاع عن الديموقراطيات" الأمريكي، بكلام الرئيس الإيراني حسن روحاني عن العقوبات الأمريكية الجديدة التي طالت 18 مصرفاً إيرانياً أخيراً،  التي قال إنها "جزء من جهد أمريكي مُتعمّد للتسبّب في نقص الغذاء والدواء".

إدعاء "كاذب"
وقال نادر إن النظام الإيراني، ورغم غياب الأدلة، لجأ إلى هذا "الادعاء" الذي لطالما قرنه الصحافيون الغربيون بالعقوبات نظراً لعجزهم عن معرفة الأسباب الكامنة وراء المشاكل الإيرانية. والسبب الحقيقي في "سذاجة" التعاطي الإعلامي الغربي، هو أن الصحافيين الأجانب نادراً ما يُولون اهتماماً بما يقوله كبار المسؤولين الإيرانيين للجمهور المحلي، والذي غالباً ما يُضعف الرسائل المُوجّهة للاستهلاك الأجنبي.

اكتفاء ذاتي
ولطالما قال وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي، إن طهران "تُبلي بلاء حسناً" عندما يتعلّق الأمر بإمدادات الأدوية. ففي ذروة وباء كورونا، قال نمكي: "رغم صعوبة محاربة فيروس كورونا تحت العقوبات، لكننا ومنذ بداية تفشّيه، لم نُواجه نقصاً في الأدوية اللازمة لعلاج هذا المرض".

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبينما كانت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدّث عن "الضرر المزعوم" للعقوبات على قطاع الصحة الإيراني، أعلن نمكي أنه "رغم محاولات العدو إحداث أزمة، إلا أننا لا نُواجه اليوم نقصاً كبيراً في القطاع الصحي والأدوية"، مُضيفاً أن "نقص الأدوية تحسّن مقارنة مع العام الماضي"، إذ تُكدّس إيران "احتياطياً استراتيجياً" من الأدوية لمدة سبعة أشهر.

وفي العام الماضي، قال نمكي إن إيران "تتمتّع بالإكتفاء الذاتي بنسبة 97% في إنتاج الأدوية، وتُخطّط للوصول إلى 100%".

وفي الواقع، تُصدّر إيران الأدوية إلى دول في أوروبا، وأفريقيا، وآسيا الوسطى. وهذا الأمر ليس مفاجئاً، إذ أن القانون الأمريكي يضمن أن عقوبات واشنطن على إيران لا تحظر التجارة في الغذاء أو الدواء.

وتُظهر بيانات التجارة الأوروبية أن واردات إيران من الأدوية ظلّت مرتفعة في 2019، رغم  إعادة فرض العقوبات. واعترف مسؤولون في النظام، مثل رئيس غرفة التجارة بين إيران وسويسرا، بأن العقوبات الأميركية "لا تُعيق" الآليات التي تسمح باستيراد المواد التي تُستخدم في المجال الإنساني، مثل الاتفاقية السويسرية للتجارة الإنسانية. إذاً، لماذا لا يزال هناك نقص؟

شبكة مُعقّدة
قال نمكي للمُشرعين الإيرانيين إن الشبكات الفاسدة تبيع الأدوية في السوق السوداء: "وتُخزن الأدوية في المستودعات، وتُوزّع الأدوية المُزيفة". كما انتقد وزير الصحة "شبكة مُعقدة للغاية" داخل الحكومة مسؤولة عن الفساد والسرقة الممنهجة، بما في ذلك تخزين "ملايين الكمامات المُضادة للفيروسات".

تُؤثّر مثل هذه المشاكل على كل قطاعات الإقتصاد الإيراني، ويُصنّف مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية إيران في المرتبة 146 بين 180 دولة.

وتعتبر فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية "فاتف" إيران "سلطة قضائية عالية الخطورة" للفساد وغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.

اختفاء العملة الصعبة
وقال نادر إن السرقة هي العامل المُشترك بين السياسيين المُتناحرين، بغض النظر عن الفصيل الذي ينتمون إليه.

وشرح أن الوضع الحالي ينسحب على عهد سلف روحاني، محمود أحمدي نجاد، الذي أقال وزيرة الصحة في عهده، مرزية وحيد داستجردي، بعد أن قالت في التلفزيون الحكومي إن "السيارات الفاخرة تستورد بالدولار المدعوم، لكني لا أعرف ما حدث للدولار. كان من المفترض أن تُخصص لاستيراد الأدوية".

بعد إقالتها، تحدثت دستجردي عن السرقات بثقة أكبر. وتتذكّر قائلة: "في ذروة العقوبات، في 2012، كان وضع العُملات الأجنبية مُروعاً للغاية. أخبرتُ زملائي بأن عليهم بذل قصارى جهدهم للعثور على عملة لشراء الدواء. كنا بحاجة إلى حوالي 2.5 مليار دولار لشراء الأدوية والمعدات الطبية لعلاج أمراض القلب، وما شابه ذلك، لكنّ الحكومة منحتنا 41 مليون دولار فقط. احتلت احتياجاتنا الطبية الأولوية الثامنة".

وأوضح نادر أنه "حتى عند تخصيصها للواردات الطبية، غالباً ما تختفي العملة الصعبة". واعترف رئيس الديوان في عهد روحاني بأن أكثر من مليار دولار مُخصصة لاستيراد الأدوية والسلع الأساسية "اختفت فوراً".

كما قال مهدي ميراشرفي، نائب وزير الاقتصاد، إن النظام "قدم العملة الصعبة المدعومة لأدوية العلاج الكيميائي، لكنه استورد الثلج الجاف، والمواد المُخدّرة بدلاً من ذلك".

فساد ممنهج
في سبتمبر (أيلول) 2019، اعتقلت السلطات الإيرانية شبنام نعمة زادة، ابنة وزير سابق وصاحبة إحدى أكبر شركات الأدوية الإيرانية، بتهمة تخزين أدوية منتهية الصلاحية، وبيعها بأسعار تفوق أسعار السوق.

وتعد مُحاكمة نعمة زاده غير عادية، إذ يسمح النظام لمزيد من كبار المسؤولين بالإفلات من الفساد الممنهج، ولكن في بعض الأحيان تعتقل شخصيات هامشية ليتمكّن النظام من إظهار نفسه كأنه يخوض "حرباً" ضد الفساد.

ورأى نادر أن على القادة الأمريكيين والأوروبيين أخذ هذا الفساد في الاعتبار، إذ يسعى مسؤولو النظام مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، إلى إلقاء اللوم على العقوبات لتخفيف العقوبات.

تهديد وجودي
يُدرك النظام أنه يُواجه تهديداً وجودياً من شعب سَئِم الكسب غير المشروع، والقمع، والتعصب الديني.

ولإخماد انتفاضة في 2019، اضطر النظام لاستخدام العنف الشديد، ما أدى إلى مقتل حوالي 1500 متظاهر. وفي الوقت نفسه، فإن الوفيات اليومية جراء كورونا تُسجل أرقاماً قياسية رغم التستر، وقلة كفاءة النظام في مواجهة الفيروس المستجد.

ورأى نادر أن الصدمة الاقتصادية المقبلة، وجولة التظاهرات الجماهيرية يُمكن أن تندلع في أي وقت. ومن خلال ارتفاع النقص في الأدوية، يأمل النظام في تأمين شريان حياة مالي، مثل خط الائتمان البالغ 15 مليار دولار الذي اقترحته الحكومة الفرنسية في العام الماضي لحفيز إيران في مقابل امتثالها للإتفاق النووي.

كما يُعول النظام على إدارة أمريكية جديدة مُستعدّة للعودة مرة أخرى إلى الاتفاق النووي، الأمر الذي قد يستلزم رفع جميع العقوبات.

وختم نادر قائلاً: "مثلما أخفى النظام أرشيفه النووي، فإنه يسعى إلى صرف الانتباه عن الفساد على أعلى المستويات، بينما يستجدي التعاطف من شعبه. لكن الشعب الإيراني لا ينخدع بهذه الحيل، ولا يجب أن ينخدع بها أي شخص آخر".