الثلاثاء 20 أكتوبر 2020 / 12:39

إدانات من الشرق والغرب لأردوغان... بلا جدوى!

رأى الكاتب السياسي في شبكة بلومبرغ بوبي غوش أن هناك شبه إجماع دولي على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مثير للمشاكل. لكنه حذّر في الوقت نفسه من مواصلة أردوغان سياسته الخارجية طالما أن هذه الدول لا تعاقبه على تصرفاته.

طالما أنه يحظى بفرصة لإثارة المشاكل والإفلات من العقاب، لن يتوقف أردوغان عن مغامراته

ففي خلال عشر سنوات، حول أردوغان رؤية تركيا الخارجية من "صفر مشاكل" إلى "مشاكل فقط" لأنه اختار ذلك عمداً. وأطلق الرئيس التركي درجات مختلفة من المواجهة مع الدول المجاورة لحدوده البرية والبحرية، مثل اليونان، وسوريا، وإسرائيل، وقبرص، والعراق، وأرمينيا، ومصر وذهب إلى الاصطدام بدول أخرى وراء حدوده مثل فرنسا، والإمارات، والسعودية.

إدانات من الغرب والشرق
تعرض الرئيس التركي لانتقادات حادة حتى من قبل الذين اعتادوا مهادنته. زقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تستنكر قرار تركيا بداية مسح جيولوجي مثير للجدل في شرق المتوسط، داعية أنقرة إلى "إنهاء هذا الاستفزاز المقصود".

كانت هذه واحدة من أقوى اللهجات الصادرة عن إدارة ترامب ضد أردوغان.

من جهته، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أردوغان بـ "صديق طيب". لكنه بدأ أخيراً ينظر بشكل قاتم إلى دور الرئيس التركي في تأجيج النزاع في القوقاز بما أن بلاده تقف إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا. واتهم الكرملين تركيا بـ"صب الزيت على النار" في إقليم ناغورنو قره باخ.

وثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد أردوغان لأنه يتدخل في الحرب الليبية، وشرق المتوسط، والقوقاز. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي صدت الدعوات إلى فرض عقوبات أوروبية أوسع على تركيا، فوجدت نفسها في موقف محرج بعد استئناف أنقرة المسح في المياه المتنازع عليها.

وقال المتحدث باسمها إن سلوك تركيا لن يساهم في تطوير العلاقات التركية الأوروبية.

وكأن جميع هذه الإدانات غير كافية، فظهر استنكار إضافي من منطقة غير متوقعة، الهند،التي لم تكن راضية عن تعليقات أردوغان حول كشمير في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال الممثل الدائم للهند في الجمعية، إن "على تركيا تعلّ احترام سيادة الدول الأخرى، والتفكير في سياساتها بشكل أعمق".

تفسيرات 

أوضح غوش أنه كان بإمكان أردوغان تفادي التورط في هذه الأزمات بسهولة، لكنه اختار العكس. وأشار إلى التفسيرات التي حاولت فهم دوافع هذه المغامرات، مثل اعتناقه النيوعثمانية، والقومية التركية، والإسلاموية. وقال آخرون إن تركيا قوة متوسطة ذات امتدادين ثقافي واقتصادي تبحث عن فضاء لها في نظام متعدد الأقطاب.

ويركز آخرون على الدوافع المالية مثل البحث عن موارد الهايدروكربونات، والأسواق الجديدة، بينما يذكر جزء من المراقبين أن كل ما يفعله أردوغان هو مصدر إلهاء للأتراك، وموجه لتعزيز شعبيته في  الداخل بعدما تبين أن نسبة تأييده تنخفض بسبب تعثر الاقتصاد.

نظرية موحدة
يرى الكاتب أكثر من حقيقة بسيطة في جميع هذه التفسيرات. لكن ما يجمه بينها في نظرية واحدة لسياسته الخارجية هو هذه العبارة: "يفعل الرئيس التركي ما يفعله لأنه يفلت من العقاب". كانت الكلفة البشرية للسياسة التركية منخفضة لأنه يجند المرتزقة من ميادين القتل في سوريا. وإذا كان لتركيا وجود على الخطوط الأمامية للجبهات في ليبيا والقوقاز، فمن المرجح أنه في الجو لا على الأرض.

وعلى المستوى المادي، بإمكان أردوغان المجادلة بأن التدخل في ليبيا يدفع أنقرة للأمل في إنقاذ عقود بناء بـ 18 مليار دولارـ إضافة إلى العقود الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز. وستتعزز الروابط مع أذربيجان عبر بيع المعدات العسكرية إلى باكو.
ـ
على الصعيد التجاري، تتذمر الشركات التركية من طردها من الأسواق السعودية، بعد تدهور العلاقات الثنائية. لكن في المقابل، لا تزال العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل مستقرة رغم الخصومة بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

العصا والجزرة
يملك الغربيون نفوذاً اقتصادياً ضخماً لكنهم ترددوا في استخدامه. داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شريك تجاري لتركيا على الإطلاق، يتحدث الديبلوماسيون عن مقاربة العصا والجرزة، مع أنقرة. لكن غوش يشير إلى أنهم بدأوا يدركون أن هذه المقاربة لا تنفع، لأن المشكلة تكمن في أنهم لا يريدون استعمال العصا.

ورغم أن ماكرون كرر دعوته لاستخدام العقوبات الاقتصادية، لم يُظهر الاتحاد الأوروبي إرادة مشتركة لمعاقبة تركيا، بما أن أردوغان يهدد بإطلاق موجات من اللاجئين إلى الغرب.

كما أن قواعد فرض العقوبات المعمول بها في الاتحاد غير عملية لاستخدامها سلاحاً. في حين لا يشكل الأمر مشكلة لدى إدارة ترامب التي تفرض العقوبات وكأنها توزع السكاكر.
  
غير أن الرئيس الأمريكي كان خجولاً في فرضها على تركيا. وكان أكثر تحرك عقابي مستدام اتخذته الإدارة ضد تركيا، منعها من شراء أف-35، والمشاركة في تصنيعها. ومع ذلك، واصل أردوغان  شراء منظومة أس-400 الروسية فيما تغاضى ترامب عن ضغوطات الحزبين في الكونغرس لاتخاذ إجراءات أقسى ضد أنقرة. ودون دعم كامل من الولايات المتحدة، لن يفرض حلف شمال الأطلسي عقوبات على تركيا.

اعتذار مكتوب

تبقى روسيا الدولة الوحيدة القادرة على رد اعتداءات أنقرة. فالحرب الأرمنية الأذرية هي المسرح الثاني الذي يواجه فيه أردوغان نظيره الروسي، بعد ليبيا.

تحمل الرئيس الروسي سلوك أردوغان لتقويض الناتو وإبعاد تركيا عن الغرب. وفي المقابل، كان الرئيس التركي حذراً من توجيه أي انتقاد قاس ضد بوتين، وهو أمر لم يفعله مع أي زعيم غربي تعارض معه.

والمرة الأخيرة التي تصادم خلالها الطرفان كانت في خريف 2015، حين أسقطت تركيا مقاتلة روسية قرب الحدود مع سوريا. حينها، استخدم بوتين لغة أردوغانية واصفاً الفعل بـ "طعنة غادرة في الظهر". وأعلن بوتين فرض مجموعة من الإجراءات الاقتصادية. عندها، تراجع أردوغان بتقديم اعتذار خطي.

في نزاع القوقاز، وللمرة الأولى، تتدخل تركيا في منطقة تعتبرها روسيا فضاء لنفوذها، لا بسبب الجغرافيا فقط بل أيضاً بسبب التاريخ، والثقافة، والاستراتيجيا، عند المقارنة مع سوريا أو ليبيا.

يفسر هذا الأمر الوصف الروسي لتصرفات تركيا بـ "صب زيت على النار". ومع ذلك، يرى غوش أن هذا الوصف أقل حدة من "الطعنة الغادرة في الظهر" خاصةً أنه لم يكن على لسان بوتين، ولم يقترن بفرض تهديد بالعقوبات. ولهذه الأسباب، يستنتج غوش أن غياب الضوء الأحمر يعني ضوءاً أخضر لأردوغان، ما يعني أنه سيرى في تحفظ موسكو رخصة لمتابعة أجندته.

قاعدة بسيطة
في القوقاز وفي أماكن أخرى كانت أجندة أردوغان انتهازية وتختلف باختلاف الظروف. بالنظر من الأعلى إلى مغامرات أردوغان، لا تناسب الأخيرة أي عقيدة معقولة، وبالتأكيد، لا تلائم عقيدة "صفر مشاكل"، وطالما حظى بفرصة لإثارة المشاكل والإفلات من العقاب، فلن يتوقف أردوغان عن مغامراته.