زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (أرشيف)
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (أرشيف)
الثلاثاء 20 أكتوبر 2020 / 11:35

ألغام الغنوشي في طريق الخضراء

علي بن سالم الكعبي - الاتحاد

كالنار إنْ لم تجد ما تأكله أكلت نفسها.. هكذا تبدو جماعة "الإخوان" ومن يدور في فلكها من تجار الدين، لذا لم أستغرب أبداً ما ظهر على السطح من خلافات وتصدعات وبوادر انشقاقات في حركة "النهضة" التونسية إثر رفض رئيسها راشد الغنوشي الرسالة الثانية من مجموع الـ100 له بالتنحي عن منصبه الذي يشغله منذ قرابة 40 عاماً، واحترام النظام الداخلي للحركة، والقيام بإصلاحات ديمقراطية داخلها.

تلك الرسالة التي وجهتها القيادات المعارضة الناشئة من ضمن الحركة، والتي تم إيصالها إلى وسائل الإعلام، جاءت رداً على نية الغنوشي بتعديل لائحة الحزب الداخلية وتجاهل المادة 31 من لائحة الحزب الأساسية لضمان بقائه في موقعه المستأثر به منذ 1981، وخوضه انتخابات رئاسة الحركة المقررة قبل نهاية العام الجاري.

كل ذلك دفع قواعد الحركة لرفع أصواتهم وتوجيه انتقادات كبيرة له، واتهامه باحتكار الحزب والتفرد بالرأي، خاصة أن النظام الداخلي للحركة ينص صراحة على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين".

وفي أول رد للغنوشي على المطالب التي تضمنتها الرسالة بشأن مستقبله السياسي مع الحركة قال إن "الحديث سابق لأوانه ونحن بصدد الإعداد للمؤتمر والذي سيحسم في كل القضايا بما في ذلك مسألة الترشح".

يقيني أن تلك الخلافات ستسهم في زعزعة كيان الحركة من الداخل، والتي لن ترتاح تونس منها إلا بانتهاء نفوذها. فاتساع جبهة المعارضة من داخل حركة "النهضة" ذاتها لا شك أنه أمر يكشف أكثر للرأي العام خطورة فكر هذه الجماعة ومن يشبهها، وهي التي مارست الكذب والتدليس على مدار عقود وانساق وراءها البسطاء.

إن الصراع الداخلي في الحركة لا يمكن فصله عن المشهد السياسي التونسي وعن الأحزاب الوطنية، التي لا تكف عن فضح ممارسات الغنوشي وجماعته، وعن ترأسه البرلمان منذ العام الماضي، وهو الذي أفلت بأعجوبة قبل بضعة أسابيع خلال الجلسة البرلمانية العاصفة، التي أرادت حجب الثقة عنه، لكن فيما يبدو أن الصفقات والتحالفات الخبيثة هي التي أبقته على رأس البرلمان، غير أن ما حدث لم يمنع من انحدار شعبية "النهضة" حسب استطلاعات رأي تونسية.

إن التطورات التي حدثت تفسر مساندة "النهضة" لحكومة هشام المشيشي، فالخشية من حل البرلمان وإجراء انتخابات قد يُنهي وجود "النهضة" في دائرة حكم تونس، وهو ما تريده النهضة ممثلة بالغنوشي الذي اتبع وأنصاره سياسات قادتهم إلى القبول بحكومة تكنوقراط لا وزراء لهم فيها ولأول مرة منذ 2011، وهو الأمر الذي وجد صدى إيجابياً لدى شرائح واسعة من المراقبين، وذلك في ضوء أدائه اللامعقول في الحركة والبرلمان باعتباره يجمع بين رئاستهما.

وفي المحصلة فإن أجندة "الإخوان" لا بد وأنها تستهدف تعميق الخلاف بين الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس الحكومة هشام المشيشي، وهو ما يجب الحذر منه لأنه أمر يضرب استقرار الدولة في الصميم، ويهيء المناخ لاستقواء المتطرفين وصعودهم ثانية، وهو ما بات معلوماً.

إن إغراق الحكومة في الصراعات سيؤدي بتونس إلى مزيد من عدم الاستقرار، وهي التي تئن أصلاً تحت وطأة تحديات عديدة في مختلف المجالات وعلى كافة الصعد، وإنْ حدث ذلك، سيكون المجتمع التونسي عرضة للانتكاس ولمزيد من الإحباط، وبالتالي لفقدان الثقة بالسلطة، التي إنْ اهتزت لن تستطيع دفع بلاء ما يمكن أن يتولّد عن كل ذلك.