المفكر المصري الراحل حمدي زقزوق (أرشيف)
المفكر المصري الراحل حمدي زقزوق (أرشيف)
الجمعة 23 أكتوبر 2020 / 11:34

أزمة الفكر الإسلامي

محمد الباهلي - الاتحاد

في كتابه "هوامش على أزمة الفكر الإسلامي المعاصر.. نظرة نقدية"، تحدث الراحل الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري السابق وعضو هيئة كبار العلماء، عن دور العقل وقوته والفكر وقوته عند الإنسان في نهضة الأمم، واعتبر أن هذين العاملين هما المحرك الأساس في أي تغيير حضاري تنموي.

ووضح في مجمل حديثه أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك في ثمانية عشرة آية باستخدام عبارة "يتفكرون"، دليلاً على اهتمامه بالعقل ومن أجل دفع الإنسان نحو التطور والتغير والتقدم.. لذلك فهو دين حريص كل الحرص على استخدام المسلم جميع ملكاته الفكرية لتطوير واقع مجتمعه، حيث يعتبر هذا الجهد التطويري جوهر مهمة الإنسان في كل زمان ومكان، على اعتبار أن الفكر المتجدد يقود الأمم نحو التجديد والتغيير والإصلاح، وأن الفكر السليم يعتبر رائداً للتقدم والتطور على مر التاريخ.

ويحدثنا زقزوق أيضاً عن "النضج" الذي يجعل الإنسان يدرك الشيء الصحيح في العقيدة والدين الذي يعتنقه، وينقل عن الفيلسوف العربي ابن رشد قوله: "إن النظر في كتب القدماء، أي الفلاسفة اليونانيين والإغريق، واجب شرعاً"، ويتابع "ننظر في الذي قالوه وأثبتوه في كتبهم، وما كان منه موافقاً للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منه غير موافق للحق نبّهنا عليه وحذّرنا منه وعذرناهم فيه".

ويشير زقزوق إلى الدور المهم للدراسات العليا في رفد الإسلام بالعلم والمعرفة الجديدة التي تلعب دوراً مؤثراً في انتشاره، فيقول: "نادراً ما تقدم الرسائل العلمية في الجامعات الإسلامية أي جديد، والسائد أن المطلوب منها ليس التغيير، أو الإتيان بالجديد من المعارف والأفكار والنظرات، وإنما الغرض منها يتمحض في الحصول على ترقيات أو نيل ألقاب علمية أكاديمية. لذلك، يقول زقزوق، يغلب على الكثير من هذه الدراسات الاجترار والتكرار الثقافي أو الاجترار الأكاديمي المعرفي، أي أنها تأخذ مادتها ومحتواها من دراسات أو كتب تراثية، دون إضافة ذات قيمة للحقل العلمي الذي هو مجالها. ويضيف أن معظم المؤلفات العربية إما مترجمة من اللغات الأجنبية أو كتبها مؤلفون عرب يعيشون في الخارج أو يعيشون في الداخل، وأكثرهم لا يعرفون عن الإسلام شيئاً كبيراً.. لذا فقد آن الأوان لأن نتعرف على ما قاله الآخرون عن الإسلام وأن نناقش ذلك مناقشة علمية عقلانية منفتحة".

لقد أدرك مدونو الفقه ومؤسسوه وعلماء الإسلام الأوائل، أي الأئمة الأربعة وشراحهم، حقيقة مقاصد الشريعة التي تشتمل على حفظ النفس، والعقل، والدين، والمال، والنسل، ولذلك عندما قيل للإمام أبو حنيفة: "إن هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا راد له"، رد قائلاً: "لا أدري، لعله الباطل الذي لا مراد فيه".

ومن المعروف أيضاً أن الإمام الشافعي قال: "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، لذلك فقد اعتمد هؤلاء الأئمة والعلماء على الآلية السليمة، وهي الاجتهاد، للتجديد في الدين.

إن الفكر الإسلامي في عالمنا المعاصر يعيش حالة من الركود والجمود، ويعاني أزمة خانقة، وتتجاذبه تيارات عديدة متناقضة كل منها يقول إنه يسعى لإنقاذ هذا الدين، ومن هنا نشأ الفراغ والفرقة وجاء تعطيل العقل.