الأربعاء 25 نوفمبر 2020 / 11:25

أوباما.. و"الأخ الأكبر"

أحمد مصطفى - الخليج

جاء توقيت نشر كتاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما "أرض الميعاد" مناسباً تماماً في الفترة الانتقالية ما بين إعلان فوز نائبه السابق جو بايدن بانتخابات الرئاسة وتسلمه مهام منصبه في 20 يناير القادم.

ولمن لم يقرأ مقالة بايدن المطولة في عدد إبريل من مجلة "فورين أفيرز" التي يشرح فيها سياسته الخارجية إذا أصبح رئيساً، يمكنه أن يستشف كيف ستكون رئاسة بايدن من كتاب أوباما.

كما يقول الكاتب، فالكتاب هو الجزء الأول من مذكراته. مع ذلك فهو ضخم "نحو ألف صفحة" ويغطي السنوات الأولى لفترة حكمه مع فصول أولية عن تجربته في برلمان الولاية والفترة القصيرة في مجلس الشيوخ. ورغم كل الحجم، لا تجد ذكراً كثيراً لنائبه جو بايدن سوى بعض المهام القليلة والنصائح رغم الإسهاب في الحديث عن آخرين في فريق أوباما في البيت الأبيض وخارجه.

الممتع أكثر في كتاب أوباما هو الأجزاء التي يتحدث فيها عن نفسه وعائلته وأفكاره، ربما أكثر مما يتعلق بالأحداث والقرارات التي لا تجد فيها جديداً أكثر مما هو منشور ومعروف. وطبيعي ألا يتضمن الكتاب، الذي تراجعه الأجهزة ويخضع لقواعد تتعلق بالمسؤولين الحكوميين في حديثهم العلني، أسراراً غير معروفة. اللهم إلا أموراً من قبيل أن الحرس الرئاسي كان يستخدم شفرة "المارق إلى المقر البديل" للإبلاغ بأن "أوباما داخل الحمام".

ذلك لأن أوباما كاتب بارع، وله أكثر من كتاب منشور قبل توليه الرئاسة. حتى دونالد ترامب امتدح أحد كتبه السابقة، "أحلام من والدي" بأنه كتاب رائع لكن بالطبع شكك في أن يكون أوباما هو الذي ألفه. ربما تأتي براعة أوباما في التأليف من دراسته للقانون وعمله في المحاماة والتدريس وهي ما جعلت منه خطيباً إنشائياً جيداً.

الخلاصة الأولية من كتاب "أرض الميعاد" أنه يشبه "مرافعة" طويلة جداً - ومملة أحياناً - لمحام بليغ يريد إقناع منصة القضاة أوهيئة المحلفين بموقفه في أحقيته بترشيح الحزب الديمقراطي وتوليه الرئاسة لفترتين.
وبالطبع لن يأتي الحكم على رئاسة الولايات المتحدة من قراءة كتاب، مهما كانت براعة مؤلفه، إنما الأفعال والأحداث في التاريخ القريب جداً هي الحكم.

المهم هنا، هو تصوير أوباما لنائبه بايدن "الذي يصفه بالأخ الأكبر" بأنه مثل صوت العقل والحكمة في البيت الأبيض. لكن ليس في الكتاب، على طوله، الكثير من نتاج ذلك العقل وتلك الحكمة. ليس لأن تركيز الكتاب على شخصية مؤلفه، ولكن ربما لأن بايدن لم يكن فعلاً أكثر من "موظف قديم في بيروقراطية عريقة" على عكس هيلاري كلينتون مثلاً، التي تجدها جزءاً واضحاً من رواية أوباما عن سنوات حكمه الأولى.

بايدن انسحب مبكراً من سباق الترشح عن الحزب الديمقراطي، لكن هيلاري واصلت لتنافس أوباما حتى النهاية في 2007. وفي البداية رفضت أن تشارك في الحكومة بعد فوز أوباما، لكنه -حسب روايته- مارس كل الضغوط عليها لتصبح وزيرة الخارجية.

أما بايدن فكان مرشحاً نائباً ودخل البيت الأبيض مع أوباما. والواضح أن أوباما، الشاب عديم الخبرة تقريباً ومن أصول إفريقية واسمه "مثل المسلمين"، اختار بايدن ليكون واجهة الحكم الجديد عند "المؤسسة" - فهو أبيض، كاثوليكي، مخضرم في الكونغرس وكبير السن.

ومن مقالته عن سياسته الخارجية، والشذرات القليلة عن دوره في إدارة أوباما كما جاء في رواية الكاتب الذي كان رئيسه، لا يتوقع أن تكون إدارة جو بايدن أكثر من مرحلة لتعديل ما بعض ما تركه الرئيس الحالي دونالد ترامب. ولا معنى حقيقياً للمغالاة في توقع أن "بايدن سيعيد سياسات أوباما" أو أن "الإدارة الديمقراطية ستعيد الدور الأمريكي السابق في العالم".. إلى آخر هذه المبالغات.

فمما يورده الكاتب في "أرض الميعاد" لم تكن هناك "سياسة أوباما"، لكنها كانت محاولات لتلفيق أفكار متفرقة مع بعض القواعد النظرية للأجنحة المختلفة للحزب الديمقراطي ما بين اليسار والوسط. فلم يكن هناك إذاً خط استراتيجي متسق، إنما مجموعة من الشباب من توجهات ليبرالية أويسارية أو وسطية استعانوا بموظفين قدامي (باشكتبة) إما محافظون أو وسطيون في خليط يتصرف برد الفعل وبالدفع الذاتي للإدارة وبيروقراطية المؤسسة.

ربما تكون الميزة الوحيدة لإدارة بايدن أنها تأتي بعد فترة واحدة لرئيس استثنائي من خارج المؤسسة فعل ببيروقراطية الدولة وبعملية الإدارة ما لم يفعله أحد من قبله. لذا، ستكون إدارة بايدن في الأغلب محاولة لإنجاز «عكس ترامب» أكثر منها مبتكرة لأي جديد.