الخميس 26 نوفمبر 2020 / 16:52

اليونسكو تحتفي باليوم العالمي للغة الضاد: مجامع اللغة العربية: ضرورة أم تَرَف؟

باريس - 24 - عبدالناصر نهار

تحتفي منظمة اليونسكو ومعهد العالم العربي في باريس، باليوم العالمي للغة العربية في الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) القادم، باعتبار العربية أحد أهم أركان التنوّع الثقافي للبشرية، وهو اليوم الذي اتخذت فيه الأمم المتحدة عام 1973 قرارها التاريخي، بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة الدولية.

ويتمحور موضوع احتفالية هذا العام تحت عنوان "مجامع اللغة العربية: ضرورة أم تَرَف؟" حيث تُسلّط اليونسكو الضوء على دور مجامع اللغة العربية في صون لغة الضّاد وتعزيز استخدامها في جميع أرجاء العالم، وذلك بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) وجامعة الملك عبدالعزيز في السعودية.

وتُجري المنظمة الدولية تحضيرات تنسيقية مكثفة لاعتماد جدول أعمال الاحتفالية، والصيغة المقترحة لمؤتمر الإيسيسكو الدولي، إضافة الى الأنشطة الموازية ضمن برامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، خاصة في ظلّ التدابير الاحترازية للوقاية من وباء كورونا، حيث تُنهي فرنسا إجراءات العزل العام الثاني قُبيل موعد الاحتفالية بثلاثة أيام.

يُذكر أنّ أوّل مجمع لغوي على مستوى العالم، تمّ تأسيسه منذ أكثر من 100 عام في 1919 بدمشق لحماية اللغة العربية من محاولات طمسها بعد قرون طويلة من الاحتلال العثماني، وفي عام 1932 تمّ تأسيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، تلاه مجمع بغداد في 1947.

وفي عام 1971 تمّ تأسيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية برئاسة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي الراحل، وضمّ الاتحاد حينها مجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق وبغداد، إضافة لمجلس اللسان العربي بموريتانيا، وأكاديمية المملكة المغربية في الرباط، والمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، ومجامع اللغة العربية الأردنية والفلسطينية والسودانية والليبية والجزائرية.

وفي عام 2016 تمّ تأسيس مجمع اللغة العربية في إمارة الشارقة بدولة الإمارات، والذي أعلن مطلع نوفمبر الحالي عن إنجاز مشروع معرفي تاريخي تمثّل في إطلاق المجلدات الأولى من "المعجم التاريخي للغة العربية" الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً. وشارك في إنجار المعجم الذي يشرف عليه اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، عشرة مجامع عربية بإدارة وإشراف مجمع اللغة العربية في الشارقة.

اليونسكو: العربية لغة مُبدعة
وكانت اليونسكو قد أطلقت في سبتمبر النسخة العربية الإلكترونية من "مكنز اليونسكو"، والتي تمّ إنتاجها من قِبَل إدارة مؤسسات المعلومات والمهارات المهنية التابعة لقطاع المكتبات في مكتبة الإسكندرية، ومن خلال الدعم المالي الذي قدّمه برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لدعم اللغة العربية في اليونسكو.

ويتوفر المكنز اليوم باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية، وهو عبارة عن قائمة مصطلحات مقيدة ومنظمة تُستخدم في تحليل الموضوعات واسترجاع الوثائق والمنشورات في عدة مجالات (التربية، الثقافة، العلوم الطبيعية، العلوم الاجتماعية والإنسانية، المعلومات والاتصالات).

وتُعد النسخة العربية من مكنز اليونسكو ذات قيمة عالية وإضافة كبيرة للمجتمعات الناطقة بلغة الضّاد، وبشكل خاص للباحثين منهم.

وأكدت اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للغة الضّاد، أنّ اللغة العربية أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء.

وتتيح اللغة العربية، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات.

ويزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، إذ كانت اللغة العربية حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.

وأتاحت اللغة العربية إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

على العرب أن يفخروا بلغتهم
واللغة العربية هي ثاني أكثر اللغات ممارسة في فرنسا، حيث يبلغ عدد المتحدثين بها حوالي 4 ملايين. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دعا مؤخراً إلى تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية وليس في المساجد، مُشدّداً على أن "اللغة العربية هي ثراء أبنائنا وعائلاتهم".

وبالفعل بدأت الحكومة الفرنسية منذ سبتمبر 2020 تعزيز جهود تعليم اللغة العربية في المدارس للحدّ من تأثير الإسلام السياسي ومساجد التطرف التي تتخذ من ذريعة تعليم لغة الضاد وسيلة لزرع الأفكار المتشددة.

أما جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي الأسبق ورئيس معهد العالم العربي في باريس، فيعتبر في كتاب صدر له حديثاً، أنّ اللغة العربية هي كنز فرنسا، باعتبارها لغة حضارة عظيمة وتُصنّف كخامس أكثر اللغات استخداماً في العالم، وهو من قال: "دعونا نحتضن لغة الضّاد.. كنز هذا العالم، وأنّ على العرب أن يفخروا بلغتهم وثقافتهم".

ودعا لانغ، الذي عُرف بدفاعه عن تدريس العربية في المدارس الفرنسيّة، إلى عدم الخلط بين ما نشر في مجلّة "شارلي إيبدو" السّاخرة وبين توجّه الحكومة الفرنسيّة في إطار صون الحريات واحترام الأديان، وقال "تقليدنا هذا لا يعني وجود أيّ إساءة، بل ماكرون إنسانيّ، وله إعجاب كبير بالدول العربيّة وثقافاتها وأديانها، ولا يمكن أن يقول أحد، بإنصاف، إنّه ضدّ الإسلام".