مسافرون يضعون كمامات للوقاية من كورونا.(أرشيف)
مسافرون يضعون كمامات للوقاية من كورونا.(أرشيف)
الجمعة 27 نوفمبر 2020 / 12:38

كيف يمكن تعزيز الأمن الصحي بعد كورونا؟

بعد اقتراب إعطاء الموافقة العاجلة على استخدام بعض اللقاحات ضد فيروس كوفيد-19، تبرز تساؤلات عن المراحل التي ستلي ذلك. قدّم المدير التنفيذي لمنظمة التحالف من أجل الصحة العالمية كرزيسزتوف كاربارز بعض الإضاءات في صحيفة "ذا هيل" داعياً لإيلاء تركيز على المعايير الصحية العالمية وجمع البيانات في الدول ذات الموارد المنخفضة. كما دعا أيضاً إلى تغيير الإطار الذي ينظر العالم من خلاله إلى إنهاء الجائحة.

كورونا لن يكون آخر جائحة بحسب ما يظهره التاريخ. لدى الحكومات دور بتعزيز المؤسسات الصحية الدولية لمكافحة الأزمات الصحية الحالية والمستقبلية

في وقت سابق من الشهر الحالي، وخلال تعهدها دفع 70 مليون دولار لتسريع أبحاث اللقاح والتوزيع المتساوي له، قالت ميليندا غايتس، وهي الرئيسة المشاركة لمؤسسة غايتس الخيرية، إن انتشار كورونا في أي مكان يعني انتشاره في كل مكان. كانت غايتس تريد تفادي جعل اللقاح مسألة قومية. أضاف كاربارز أن تلقيح جميع سكان الأرض قد يبدو مثالياً، لكنه عنصر أساسي لإنهاء هذه الجائحة وهو أمر ممكن. يعتمد هذا التلقيح الشامل على ثلاث ركائز بعد المصادقة على أي لقاح: الإمكانية في إنتاج جرعات من اللقاحات، التمويل، ووجود الأنظمة لتوزيعها وتسليمها.

مقتضيات الذكاء في التعامل الصحي
يسرد كاربارز تجربته المهنية التي مكّنته من رؤية قوة البيانات في المجتمعات الريفية في هايتي وجمهورية الدومينيكان. تمكّن البيانات الإداريين من تخصيص الموارد وتطوير التدخل الصحي والتواصل مع أصحاب المصلحة للدفاع عن قضية التوفير العالمي العادل للمتطلبات الصحية. يعتمد ذلك على بناء الإمكانات وعقد الشراكات وتوحيد المواهب بين مختلف الأفراد لحل مشكلة مشتركة. من دون هذه المقاربة، يستحيل التعامل بذكاء مع تداعيات التفاوت الصحي العالمي بما فيها الآثار الارتدادية على الدول الثرية.

الفصل بين الدول الفقيرة والغنية مستحيل

سيكون على المنظمات الصحية العالمية تطوير حلول لمكافحة القدرات الشرائية المحدودة في الدول الفقيرة وتحسين أنظمة الرعاية الصحية المتجزئة لتفادي عرقلة توزيع اللقاح. يتطلب ذلك تعاوناً دولياً وتعزيزاً للمؤسسات الصحية العالمية. وهنالك سؤال حرج حول ما إذا كانت معادلة غياب الإنصاف قد تمت معالجتها. تقدّم أوستراليا ونيوزيلندا أمثلة عظيمة عن الدول التي تحركت باكراً لتفادي انتشار فيروس كوفيد-19. إذا لم يتم توزيع اللقاح بشكل عادل وعالمي، لن تستطيع هاتان الدولتان فتح حدودهما لشركائهما التجاريين مما يضيف المزيد من التأثيرات الارتدادية على الاقتصاد العالمي.

نقلة نوعية

يذكّر كاربارز بأن الجائحة هي عالمية من حيث التعريف، لهذا السبب، ليس بإمكان تلقيح جزء من البشر أن يؤدي إلى السيطرة عليها. إن قدرة القضاء على انتشار كوفيد-19 في مكان ما تستند إلى قدرة القضاء عليه في جميع الأمكنة. ثمة إلحاح في التوجه قدماً بعد إنتاج اللقاحات. النقلة النوعية من الأفكار الشعبوية التي تعتنق القومية إلى أفكار تعتنق التضامن العالمي هي أمر ضروري.

يتأسف الكاتب لأن كورونا لن يكون آخر جائحة بحسب ما يظهره التاريخ. لدى الحكومات دور بتعزيز المؤسسات الصحية الدولية لمكافحة الأزمات الصحية الحالية والمستقبلية. قالت الإدارة الأمريكية إن منظمة الصحة العالمية فشلت بشكل كبير، لكن قطع العلاقة معها لم يكن الخطوة الصائبة خصوصاً وسط الجائحة.

ثروة جمع البيانات
يشير كاربارز إلى أن منحنى التعلم من هذه الجائحة، بدءاً من فهم الانتشار مروراً بالعلاج وصولاً إلى اللقاح، هو منحنى مثير للإعجاب. لقد كان هذا الأمر ممكناً بسبب الالتزام بجمع البيانات لفهم أفضل للفيروس وبسبب التضامن العالمي لمحاربة عدو مشترك.

 يعتمد الباحثون الصحيون والمهنيون والإداريون على البيانات. يجمع مؤمّنو الرعاية الصحية تلك البيانات من المرضى والسكان ثمّ يقومون بتوليفها وتفسيرها قبل أن يصفوا طرق التدخل لعلاج المشاكل. هذا أمر تقوم به الدول الغنية بالموارد بشكل جيد جداً. هي تستثمر بشدة في القدرة على التقاط البيانات وتحليلها كوسيلة فعالة لتحسين النتائج الصحية. لكن حان وقت التفكير في توفير العدالة الصحية للجميع بناء على تلك البيانات.

ما بعد حريق كورونا
ليست هذه الجائحة غير مسبوقة كما يمكن أن تبدو. لقد نشأت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية وهي فترة فوضى دولية كبيرة ومعاناة إنسانية. اليوم، ومع النظر إلى ما بعد إخماد حريق كوفيد-19، سيكون من الضروري إعادة التفكير بالعدالة والتضامن على المستوى الصحي العالمي وجعلهما أولوية في هذا المجال. "هذا هو المكان الذي يجب أن ننطلق منه"، يختم كاربارز.