الصراع في إثيوبيا (تعبيرية / سكاينيوز)
الصراع في إثيوبيا (تعبيرية / سكاينيوز)
الجمعة 27 نوفمبر 2020 / 16:43

محللون: محاولات توحيد إثيوبيا قد تؤدي لتعميق الانقسامات

يرفع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد شعار (التجمع معاً).. لكن بعض المحللين يرون أن الإصلاحات الهادفة لتوحيد إثيوبيا تؤدي في واقع الأمر لإشعال النار في رماد الانقسامات العرقية والسياسية، وتهدد بتمزيق أوصال ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.

وفي الوقت الراهن، تواجه وحدة إثيوبيا أصعب اختبار على الإطلاق. فمنذ الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخوض الجيش معارك في إقليم تيغراي الشمالي مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي كانت تهيمن يوماً على الحكومة الاتحادية.

تصور الجبهة الصراع على أنه معركة لانتزاع الحقوق لمناطق إثيوبيا العشر من رئيس وزراء مصمم على مركزية السلطة، وتقول إن أبي متحامل على أبناء تيغراي منذ توليه السلطة وتصف حكمه بأنه "ديكتاتورية وحدوية غير مشروعة تحركها أهواء شخصية".

وتنفي الحكومة سعيها لمركزية السلطة.

وأشعلت ثلاثة قرارات نيران الغضب في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي ظلت تهيمن على الائتلاف الحاكم لما يقرب من ثلاثة عقود حتى وصول أبي إلى السلطة عام 2018: تقارب أبي مع إريتريا عدوهم اللدود، وتشكيل حزب وطني جديد ليحل محل ائتلاف يقوم على أساس عرقي، وتأجيل الانتخابات العامة.

وأثار كل قرار من الثلاثة اتهامات مريرة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وتفجر بعدها صراع هز المنطقة.

وإثيوبيا قوة لها ثقلها الإقليمي، وهي مقر الاتحاد الأفريقي ولها قوات تخدم في مهام حفظ السلام بالصومال وجنوب السودان وتعمل مع الحلفاء الغربيين في التصدي للمتشددين الإسلاميين.

قال لينكو لاتا، وهو زعيم معارض مخضرم، إن النظام الاتحادي يتعرض لضغوط من الجانبين، في وقت يثير فيه الجدل حالة من الاستقطاب بين مؤيدي توثيق عرى الوحدة أو الانفصال.

ويقول أبي إنه حاول العمل مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لكن محاولاته لاقت صدا مراراً وتكراراً. ونشر مكتبه هذا الأسبوع جدولاً زمنياً بمثل هذه المحاولات.

وتقول الحكومة إن قوات تيغراي هي التي أشعلت فتيل الصراع عندما هاجمت قوات اتحادية متمركزة في الإقليم. ووصفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الهجوم بأنه ضربة استباقية.

ووراء النزاع السياسي تكمن صراعات ومنافسات قائمة منذ زمن بين أكثر من 80 مجموعة عرقية في إثيوبيا. ويرى كثير من زعماء المناطق في إصلاحات أبي الديمقراطية فرصة للاستحواذ على نصيب أكبر من السلطة لصالح جماعاتهم.

قال زيميلاك أييلي الأستاذ في جامعة أديس أبابا إنه على الرغم من استياء المواطنين من القمع السابق، ربما تحظى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بدعم بعض زعماء المناطق الذين يعتبرونها حصنا وحائط صد في مواجهة حكومة أشد ميلا للمركزية.

وأضاف "حتى أولئك الذين ينتقدون الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ليسوا بالضرورة من المؤيدين المتحمسين للحرب (في الإقليم).. قد يشعر البعض أن النظام الاتحادي ربما يصبح في خطر إذا غابت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن المشهد".



عداوة قديمة وسلام جديد
على الحدود الشمالية لإثيوبيا تقع دولة إريتريا التي يلفها ستار من التكتم ويطلقون عليها "النموذج الأفريقي لكوريا الشمالية. وقد حصلت إريتريا على استقلالها عن إثيوبيا عام 1991 بعد حرب دامت ثلاثة عقود. واندلع الصراع مجددا بسبب نزاع حدودي بين 1998 و2000. ولاقى عشرات الآلاف حتفهم.

كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي التي قادت تلك الحرب، وهي تعتبر إريتريا عدواً لدوداً.

وبعد أشهر من وصول أبي إلى السلطة، وقع اتفاق سلام مع إريتريا في 2018 حصل بعده على جائزة نوبل للسلام عام 2019. وتوالت الزيارات بين أبي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لتتهمه الجبهة بأنه "مطية لتحقيق رغبة أسياس في انتزاع مكاسب تعويضاً عن أخطاء متصورة".

وقالت بيلين سيوم المتحدثة باسم أبي إن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تحاول "تدويل الصراع" وإن تقارير المخابرات تشير إلى أن الجبهة كانت تعكف على تصنيع الزي العسكري لجيشي إريتريا وإثيوبيا.

وأطلقت الجبهة صواريخ على العاصمة الإريترية أسمرة وتقول إن إريتريا تقاتل الآن إلى جانب القوات الإثيوبية في تيغراي، وهو ما تنفيه إثيوبيا.




حزب الرخاء
بعد معاهدة إريتريا، عزز أبي حصونه في الداخل. وفي العام الماضي، قرر حل الائتلاف الحاكم القديم في إثيوبيا، الذي يتألف من أربعة أحزاب عرقية، وأبدله بحزب واحد في عموم إثيوبيا. ومن بين الأحزاب الأربعة، لم ترفض سوى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الانضمام لحزب الرخاء.

قال أكاديمي إثيوبي إن أبي استهان بالمرارة التي شعرت بها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعد أن فقدت السلطة.

وأضاف الأكاديمي الذي طلب عدم نشر اسمه "إنه فصام صعب ولم يكن أبي يملك خطة خروج سلمي للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي".

وقال إن الخطاب التحريضي من الجانبين جعل أهالي تيغراي يشعرون بأنهم تحت الحصار، وعزز الدعم والتأييد للجبهة.

وقال أليكس دي وال الأستاذ في جامعة تافتس إن إطلاق الحزب الجديد بهذه السرعة ربما كان خطأ في الحساب.. فقد تحول الائتلاف القديم إلى ساحة نادرة للجدل في دولة كانت فيها مجرد المعارضة السياسية تعني الحبس.

لكن أبي كان في عجلة من أمره، فقد كان من المقرر إجراء انتخابات عامة في أغسطس (آب) 2020 وكان حزبه الجديد في طريقه لخوض منافسة مع عدد كبير من الجماعات الجديدة القائمة على أسس عرقية.

ثم حلت الجائحة.



انتخابات مؤجلة
أجلت الحكومة الانتخابات، ووافقت جماعات معارضة كثيرة على مضض، لكن لم يكن بينها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وأجرى الإقليم انتخابات إقليمية في سبتمبر أيلول. واتهم الجانبان بعضهما البعض بتجاهل الدستور.

فازت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بأغلبية ساحقة. وصوّت مجلس الاتحاد، وهو هيئة تشريعية معنية بالمسائل الدستورية، على خفض ميزانية تيغراي.

وفي 29 أكتوبر (تشرين الأول)، رفضت قوات تيغراي السماح لقائد عسكري إثيوبي وصل إلى المطار الإقليمي بالمغادرة لتولي قيادته في العاصمة مقلى.

وفي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، قالت الحكومة إن جنوداً من تيغراي هاجموا قاعدة في دانشا.
وكانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الصراع.