السبت 28 نوفمبر 2020 / 11:18

تركيا وخسارة آخر "الأصدقاء"

جمال الكشكي- البيان الإماراتية

من ينظر لسلوكيات الرئيس التركي رجب أردوغان يتأكد أنه لم يدخر جهداً من أجل خسارة كل الدول التي حاولت أن تتجنب الصدام أو الخلاف مع أنقرة، فطوال السنوات الأخيرة، التي تصاعدت فيها حدة الخلافات بين تركيا والدول الأوروبية بشأن شرق المتوسط، كان ينظر لألمانيا دائماً بأنها زعيمة "معسكر الحمائم" في الاتحاد الأوروبي، مقابل فرنسا التي تقود "معسكر الصقور" عندما يتعلق الوضع بالانتهاكات التركية، لكن ما حدث من احتكاك بين السفينة التركية، التي تحمل أسلحة ومرتزقة في شرق المتوسط، وكانت في طريقها إلى ليبيا، مع الفرقاطة الألمانية التي تتبع "عملية إريريني" التابعة للاتحاد الأوروبي، والصادر بها قرار من مجلس الأمن، يؤكد إصرار أردوغان على خسارة آخر الأصدقاء.

فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رفضت، خلال السنوات الخمس الماضية، اتخاذ قرارات صارمة ضد تركيا، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أم على مستوى العلاقات الثنائية، ورغم الانتهاكات التركية المتكررة بحق قبرص واليونان وفرنسا والنمسا وغيرها، حاولت ألمانيا أن تبقي على "جسر من التواصل" مع تركيا من أجل المصالح الاقتصادية تارة، وحتى تمنح الاتحاد الأوروبي "مساحة للمناورة" تارة أخرى، إلا أن التصريحات التركية، وخاصة الصادرة من الرئاسة ووزير الدفاع خلوصي أكار ضد ألمانيا، أكدت لبرلين أن مسار العلاقات الأوروبية التركية وصل لطريق مسدود، وأن كل التقديرات السابقة، التي كانت تدعو قبرص واليونان وفرنسا إلى الصبر حتى تغير تركيا سلوكها، لم تعد تجدِ نفعاً، فتركيا لم تأخذ في حسبانها أن المسارات الرئيسية الثلاثة للتفاوض بين الفرقاء الليبيين، جاءت بناء على "مخرجات مؤتمر برلين" برعاية المستشارة ميركل في شهر يناير الماضي، وأن نجاح هذه المسارات مرهون بوقف إرسال تركيا للسلاح والمرتزقة إلى ليبيا، وهو ما يضع تركيا في مواجهة، ليس فقط مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي، بل مع العالم أجمع، حيث تم اعتماد مخرجات "مؤتمر برلين" من الأمم المتحدة.

لقد أكد رد الفعل الألماني الصارم على الهجوم التركي، أن العلاقات الألمانية التركية، لا يمكن أن تعود لمسارها السابق، وهو ما تجلّى في رفض وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب - كارنباور السلوك التركي، بينما كان توصيف وزارة الخارجية الألمانية لما تقوم به تركيا بأنه "تنمر وعدوانية" ولا يترك مساحة للحوار وحل الخلافات في المنطقة. كل هذا جعل ألمانيا أقرب للمقاربة الأوروبية التي تقول إن وقت الصبر على تركيا نفد، وأن أردوغان لا يقيم وزناً لمستقبل العلاقات الأوروبية التركية، وهو ما يشكل عملياً نهاية للحلم التركي بالانضمام للاتحاد الأوروبي، حيث كان يراهن أردوغان دائماً على أن ألمانيا يمكن أن تقنع الآخرين بالموافقة على دخول أنقرة للاتحاد، وهو أمر انتهى بشكل كامل مع الصدام الذي حدث بين السفينتين التركية والألمانية عندما رفضت السفينة التركية تفتيشها من جانب الطاقم الألماني لـ"عملية إيريني".

ما يزيد من الخلاف التركي مع ألمانيا أنه يتزامن مع حملة تركية لتحريض "الخلايا العثمانية" والإرهابية على استهداف مصالح الدول الأوروبية، خاصة في فرنسا والنمسا وألمانيا، وهو ما يقطع كل الجسور التي كانت قائمة بين تركيا وكل العواصم الأوروبية، فالتحريض التركي ضد الدول الأوروبية واضح للجميع، وانتقل النقاش حوله من وسائل الإعلام إلى المؤسسات الأوروبية، وخاصة البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية لمكافحة الإرهاب.

لقد خسر أردوغان آخر صديق له في الاتحاد الأوروبي والعالم، فالمعروف أن ألمانيا كانت وراء الاتفاق حول الهجرة غير الشرعية بين الاتحاد وتركيا عام 2016، وهو الاتفاق الذي حصلت تركيا بموجبة على ما يقرب من 5 مليارات يورو، وباتت برلين اليوم منفتحة تماماً على كل المقترحات لفرض عقوبات على تركيا. حزمة العقوبات التي تدعو لوقف التصنيع المدني والعسكري المشترك مع أنقرة، ومنع السفن السياحية الأوروبية من الذهاب للموانئ التركية، وإصدار توجيهات للبنك المركزي الأوروبي بوقف أي تسهيلات قروض للحكومة التركية، وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد التركي الذي يتراجع كل يوم.