العربي الإسرائيلي يحي المحاميد (أرشيف)
العربي الإسرائيلي يحي المحاميد (أرشيف)
الأربعاء 2 ديسمبر 2020 / 11:59

التطبيع يصل عرب اسرائيل

حسين عبدالحسين - الحرة

أطل النائب العربي الاسرائيلي عن كتلة "رعم" الإسلامية منصور عباس عبر قناة 20، المحسوبة على اليمين الإسرائيلي، ليقول إنه يعتقد أن على الكتلة العربية في الكنيست الإسرائيلي التعاون مع نظيراتها غير العربية،من اليمين أو اليسار، بما فيه مصلحة عرب إسرائيل، وأنه لا مانع لديه من التحالف مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو، الذي يقود حزبه اليميني ليكود، إذا كان تحالف من هذا النوع سيعطي الكتلة العربية حصصا أكبر في دولة إسرائيل، وأن يعود على عرب إسرائيل ومناطقهم بحصص أكبر في الدولة وموازنتها.

تصريحات عباس أثارت نقاشا بين عرب إسرائيل، أي الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل المعترف بها دولياً والذين أصبحوا مواطنين إسرائيليين على إثر قيام دولة إسرائيل في 1948 ويشكلون اليوم 20% من السكان.

غالبية العرب هؤلاء هم من المسلمين، مع أقليات مسيحية، ودرزية، وبدوية، وشركسية. في الماضي، اعتبر المسلمون أن مشكلتهم لا تعنيهم وحدهم، بل على الأمة الإسلامية التوصل لحلول لها، فيما انخرط الدروز، والبدو، والشركس في دولة إسرائيل وصاروا مواطنين متساوين مع اليهود، يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وينالون مناصب في الدولة.

المسيحيون، بدورهم، لعبوا الدور التأسيسي للحركة القومية العربية والفلسطينية، وبرز منهم الراحلان جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ووديع حداد، المعروف بعمليات خطف الطائرات، قبل أن يتراجع دور المسيحيين لمصلحة ياسر عرفات وحركة فتح، الذي تلاه صعود التطرف الإسلامي مع حركة حماس.

حافظ المسلمون، والمسيحيون من عرب إسرائيل على شعور قوي بالقومية، امتنعوا بموجبه عن الانخراط في دولة إسرائيل، فتدهورت البنية التحتية في قراهم، وانتشرت الجريمة المنظمة في أحيائهم، وتدهورت أوضاعهم المعيشية.

ولكن إسرائيل لم تغلق باب استيعاب هؤلاء العرب وتحويلهم إلى مواطنين إسرائيليين بالكامل، ونشط بعض رجال الدين المسيحيين في تجنيد عدد منهم للجيش الإسرائيلي، لكن النسبة لا تزال متدنية.

في هذه الأثناء، شارك نفر من عرب إسرائيل المسلمين والمسيحيين في الانتخابات الإسرائيلية، وفازوا بادئ ذي بدء بمقعدين أو أكثر في الكنيست، وحاولوا استخدام هذا الوجود للتعبير عن قوميتهم الفلسطينية، وهو ما أدى إلى تناقض كبير في الهوية، كيف يقسم النائب العربي في الكنيست اليمين تحت علم دولة إسرائيل، وصورة مؤسسها ثيودور هيرتزل، ثم يسميها دولة احتلال؟
  
ومع مرور الزمن والزيادة السكانية العربية، راحت الكتلة العربية في الكنيست تكبر، حتى بلغ أعضاؤها 15 من 120 في الدورة الحالية، ووجد العرب فوائد لهم في الانخراط في إسرائيل ومجتمعها، فغالبية العرب الإسرائيليين تعلموا العبرية لأنها مفتاح للاقتصاد الاسرائيلي، ومنهم من تعلم في مدارس غير عربية، فتزاملوا مع يهود إسرائيليين، وصاروا جزءاً من النسيج المجتمعي الإسرائيلي.

هكذا، بدأ الانخراط العربي في إسرائيل يأخذ أوجها متعددة. نسرين قادري مغنية ذاع صيتها، واعتنقت اليهودية، أما سيد قشوع، فكاتب قدير انخرط في المجتمع الإسرائيلي، دون أن يتحول إلى اليهودية، وحقق نجاحات كثيرة، منها أنه صار صاحب عمود أسبوعي في صحيفة هآرتس العبرية، وأصدر روايات حازت على اهتمام واسع. أما أشهر أعماله، فكانت كتابة نص المسلسل الذي أنتجه التلفزيون الاسرائيلي بعنوان "شغل عرب"، قبل قرابة عقد من الزمن.

قدم المسلسل تجارب قشوع، بشخصية أمجد عليان، في انخراطه في المجتمع الإسرائيلي وانتقاله للسكن في حي يهودي. ولعب دور عليان الممثل نورمان عيسى، ولعبت دور زوجة عليان، بشرى، الممثلة كلارا خوري، والإثنان من عرب إسرائيل. والمسلسل فكاهي، ويعكس شخصية عرب إسرائيل، ولهجتهم التي تخالطها العبرانية، وصداقاتهم مع يهود يتقبلونهم، وآخرين يرفضونهم.

بعد سنوات قليلة على نجاحاته، هاجر قشوع إلى الولايات المتحدة، وعزا قراره إلى عنصرية اليهود الإسرائيليين وصعوبة الاندماج معهم. لكن الكاتب العربي الإسرائيلي اللامع لم يقدم أسباباً مقنعة، ففي المجتمعين العربي واليهودي من تجاوز الانقسام ومن يسهل الاندماج معهم، وفي المجتمعين أيضاً من المتطرفين من يرفض الاندماج ويتمسك بمعادلة أما غالب أو مغلوب، ولا يجوز التعميم في الحالتين.

ثم أن يقوم التلفزيون الإسرائيلي بإنتاج عمل لقشوع فيه انتقادات لاذعة لعنصرية بعض الإسرائيليين هو بحد ذاته مؤشر على أن يهود إسرائيل يقبلون النقد، حتى من العرب.

أما بعض النقاط التي يثيرها مسلسل قشوع حول تعقيدات التزاوج بين الطرفين لا تنحصر بين عرب إسرائيل ويهودها. في لبنان، مثلا، 18 طائفة، بالكاد تتزاوج فيما بينها. حتى أن الزواج المدني في لبنان، مثله في اسرائيل، غائب، وغالباً ما يتجه الأزواج، من الإسرائيليين واللبنانيين، إلى قبرص لعقد زواج مدني.

وفي لبنان أيضاً، لا يبيع المسيحيون أراضيهم للشيعة، ولا يبيع الدروز أراضيهم للسنة، وهكذا، لكل طائفة مناطق محددة يمكن للجميع زياراتها، ولكن يصعب الاندماج فيها لمن هم من طائفة مغايرة، فلا تسمح بعلبك الشيعية ببيع الكحول، ولا تسمح برمانا المسيحية ببناء مسجد، أو رفع الآذان.

العنصرية متجذرة في المعمورة، ولا يجوز الاعتقاد أن يهود أو عرب اسرائيل هم وحدهم من يتحسبون من الآخر ويتفادون الاندماج به.

في خطوة عضو الكنيست منصور عباس دلالة على أن عرب اسرائيل، حتى الإسلاميين منهم مثل عباس، صاروا يدركون أن هدف الانخراط في العمل السياسي هو تحصيل مصالح المؤيدين، لا بيعهم كلاماً وعواطف حول القضية وفلسطين.

عرب إسرائيل، كما عرب الإمارات، والبحرين، والسودان، صاروا يعرفون أن المصلحة أسمى من النفاق الكلامي القومي، وأن عليهم أن يقوموا بكل ما يعود بالمصلحة عليهم وعلى مستقبلهم ومستقبل عيالهم.

هكذا، إن انخرط عرب إسرائيل في الدولة، مثل الدروز، والبدو، والشركس، قد يصبح لهم وزن سياسي يجبر الدولة على الاهتمام بمصالحهم، وتحسين البنية التحتية في مدنهم وقراهم، وضبط الجريمة في مناطقهم، وزيادة الإنفاق على مدارسهم وجامعاتهم ومستشفياتهم.

أما الصراع الأبدي مع اسرائيل، فليستمر وحده، دونهم، لأن مصلحة الناس، وأرزاقهم أسمى من البطولات القومية حول العروبة وفلسطين، ومكافحة الاستعمار وغيرها من الخطاب الخشبي الرتيب.