صحافيون يابانيون أمام بيت كارلوس غصن في الأشرفية بلبنان (أرشيف)
صحافيون يابانيون أمام بيت كارلوس غصن في الأشرفية بلبنان (أرشيف)
الثلاثاء 29 ديسمبر 2020 / 10:07

بعد هروبه من طوكيو... كارلوس غصن يستمتع بالهدوء في بيروت

منذ فراره من اليابان قبل عام، حيث يُحاكم بتهم عدة بينها التهرب الضريبي، يعيش قطب صناعة السيارات كارلوس غصن في بيروت حياة مختلف عن تلك التي عهدها، مع منعه من السفر وغيابه عن الأضواء.

واستفاد رجل الأعمال اللبناني البرازيلي الفرنسي والرئيس السابق لتحالف رينو نيسان ميتسوبيشي، من أنّ لبنان لا يسلّم رعاياه إلى دولة أخرى لمحاكمتهم، ليبقى منذ فراره الغامض والمثير للجدل من طوكيو، بعيداً عن القضاء الياباني الذي وضعه قيد إقامة جبرية مشددة.

وبعدما كان يجوب الكوكب، يعيش غصن، 66 عاماً، حياة هادئة في بيروت. يقيم في فيلا أنيقة، اشترتها شركة نيسان ورممتها حين كان رئيسها، في شارع راق بمنطقة الأشرفية في بيروت.

ويمضي غصن وقته مع زوجته كارول، التي لم يغفل في أي من اطلالاته الاعلامية الحديث عنها وعن عمق علاقاتهما. ويحيط نفسه بدائرة ضيقة من الأصدقاء المقربين. ويقضي أحياناً إجازات قصيرة في بيوت الضيافة المنتشرة في مناطق جبلية عدة في لبنان.

وفي مقابلة مع صحيفة "لوريان لو جور" بالفرنسية في بيروت في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، قال غصن: "لا أحنّ الى شيء من حياتي السابقة، واليوم أشعر أني متجذّر في لبنان، وهذا ما لا يُقدّر بثمن".

ووصل غصن الى بيروت في نهاية العام الماضي، بعد فراره من اليابان حيث اعتقل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وأمضى 130 يوماً في السجن على مرحلتين. ووجه له القضاء الياباني أربع تهم، بينها عدم التصريح عن كامل دخله، واستخدام أموال شركة نيسان التي أنقذها من الإفلاس لسداد مدفوعات لمعارف شخصية، واختلاس أموال الشركة للاستخدام الشخصي.

ويبلغ إجمالي المبلغ الذي لم يصرح به أكثر من 9 مليارات ين (85 مليون دولار)، حسب طوكيو.

إلا أنّ غصن، نفى الاتهامات خلال مؤتمر صحافي مطول عقده في بيروت بعد أسبوع من وصوله إليها. وتحدث بجرأة وثقة مطلقة عن براءته وأسهب في الحديث عن ظروف محاكمته، قائلاً إن القضاء الياباني "منحاز".

وطالبت اليابان لاحقاً لبنان بتسليم غصن لاستكمال محاكمته. إلا أن سلطات بيروت طلبت من طوكيو تزويدها بملفه القضائي، وهو ما لم يحصل بعد.

وفي تقرير نشرته في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) اعتبرت مجموعة العمل حول الاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة أن "حرمان" غصن من "الحرية" في اليابان كان "تعسفياً".

ورأت أن شروط وضعه قيد الإقامة الجبرية "كانت على ما يبدو صارمة بشكل استثنائي".

واعتبرت المجموعة المؤلفة من خبراء مستقلين لا يتحدثون باسم الأمم المتحدة، ولا تُعد آراؤهم ملزمة، أنّ "الحل الملائم يكون بمنح السيد غصن حقاً قابلاً للإعمال قانونياً بتعويض وسبل إنصاف أخرى، تماشياً مع القانون الدولي".

ومنذ توقيفه في نهاية 2018 في اليابان، يتحدث غصن عن "مؤامرة" ضده دبرها بعض مديري نيسان التنفيذيين الذين يخيفهم مشروع الاندماج مع شركة رينو،"بالتواطؤ" مع مكتب المدعي العام في طوكيو.

ويطالب نيسان وميتسوبيشي بتعويض بـ 15 مليون يورو عما اعتبره إلغاءً تعسفياً لعقده. كما بدأ معركة قضائية ضد شركة رينو للحصول على حقوق مهمة في التقاعد والأسهم.

ورغم الاتهامات، لا يزال كثر في لبنان في الدوائر السياسية والأكاديمية وقطاع الأعمال يعدون غصن "قدوة" نظراً لمسيرته المهنية الطويلة في عالم صناعة السيارات، ونموذج "الابداع" اللبناني في الخارج.

وغالباً ما يُسأل غصن عن رغبته في خوض العمل السياسي في بلد يشهد أزمات متلاحقة وانهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وانقساماً سياسياً حاداً. إلا أنه يتهرب من اطلاق مواقف سياسية ويبدي استعداده دوماً لوضع خبرته العملية في خدمة بلده، دون تولي أي منصب سياسي. وقال في تصريح سابق: "لست رجل سياسة ولا أسعى لذلك".

في 29 سبتمبر (أيلول)، أطل غصن من على منبر جامعة لبنانية خاصة لأول مرة منذ أشهر، ليطلقا معاً برامج تدريب مخصصة لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة وتنمية مهارات الطلاب، فيما يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية.

ونشر غصن في نوفمبر (تشرين الثاني) كتاباً بعنوان "زمن الحقيقة" كتبه مع الصحافي الفرنسي المقرب منه فيليب رياس، ليقدم روايته الطويلة عن قصته دون أي نقد ذاتي أو كشف معلومات جديدة.

كما يشارك أيضاً في وثائقي قيد الإعداد حول مسيرته، من المفترض أن يتحوّل إلى مسلسل قصير عن حياته، ويبدأ تصويره في العام المقبل.

ويرفض غصن باستمرار كشف تفاصيل هروبه الاستثنائي الذي أثار صدمة واسعة في اليابان وحول العالم.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) وافقت الولايات المتحدة على تسليم اليابان، أمريكيين يُشتبه في مساعدتهما غصن على الفرار من طوكيو عبر تركيا، ومنها إلى لبنان.

ومن المتوقّع أن يستمع فريق من قضاة التحقيق من المكتب المركزي لمكافحة الفساد والجرائم المالية والضريبية لغصن بين 18 و 22 يناير(كانون الثاني) في بيروت، قس جزء من تحقيقين قضائيين ضده في فرنسا، وفق ما قالت مصادر مطلعة على الملف في باريس لوكالة فرانس برس.

وإلى جانب نفقات مشكوك فيها تكبّدتها شركة، رينو والفرع الهولندي لشركة رينو-نيسان، فإن المحققين مهتمون أيضاً بالاستماع إلى غصن عن التوطين الضريبي في هولندا حين كان رئيساً للتحالف.