الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.(أرشيف)
الأحد 10 يناير 2021 / 11:30

اندفاع تركيا نحو الذهب ينذر بأزمة مالية

إذا كانت دول العالم تأمل بحدوث تعافٍ اقتصادي سريع مع اكتشاف لقاحات ضد فيروس كورونا، فإن المشاعر في تركيا إزاء توقع كهذا لا تخلو من التعقيد. إذ إن مؤشرات تدهور الاقتصاد التركي تتكثف بشكل يجعل البلاد أقلّ تفاؤلاً بالتعافي الدولي المنتظر.

إبقاء الأتراك ذهبهم في المنزل هو أفضل إجراء مضاد للسياسات الحكومية التركية غير المستقيمة. لكنه يفاقم المشكلة

 في مجلة "ناشونال إنترست"، تناول المحللان أيكان إردمير ودايفد ليشنر آخر هذه المؤشرات: إندفاع الأتراك المحموم نحو الذهب.

وينقل المحللان عن مصرفي سابق تشبيهه الاقتصاد التركي بقطار يتجه ببطء نحو حادث كبير. فقدت الليرة التركية 20% من قيمتها أمام الدولار السنة الماضية وكانت واحدة من العملات التي سجلت أسوأ أداء لها في 2020. وانخفض احتياطي العملات الأجنبية إلى منطقة الخطر إذا تم احتساب التزامات أنقرة للبنوك المحلية. ولم يُشاهَد صهر أردوغان بيرات البيرق في العلن منذ تقدمه باستقالته عبر تطبيق إنستغرام في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
  
آلاف الأطنان في المنازل
يبقى المقياس الأفضل للأزمة الاقتصادية المتظهرة ببطء تهافت الأتراك لشراء الذهب بحسب المحللين. منذ العام الماضي، ضاعف مستثمرو التجزئة والشركات التركية حيازتهم للذهب بحوالي ثلاثة أضعاف حتى وصلت إلى 36 مليار دولار. يضاف هذا إلى حوالي 3 آلاف إلى 5 آلاف طن من المعدن النفيس الذي يحتفظ به الأتراك في منزلهم وتتراوح قيمته بين 186 مليار و310 مليارات دولار وفقاً لأسعار السوق الحالية. إن الاندفاع إلى استيراد الذهب لتلبية الطلب المتزايد عليه بشدة قد نشر الفوضى في العجز التجاري التركي، مع اتساعه بين يناير ونوفمبر إلى 45 مليار دولار، أي ضعفي ما كان عليه في 2019.

تضاعف الطلب على الخزنات

مع أحداث سابقة من التضخم الكبير وانهيار العملة وإفلاس البنوك تمكنت من تبديد الثروات بين ليلة وضحاها، طور الأتراك إحساساً غريباً بالمخاطر المحدقة بهم. قد يوفر تحول الجمهور التركي إلى الذهب مؤشراً أفضل إلى الضغط الذي يرزح تحته النظام المالي قياساً بالمؤشرات الماكرو-إقتصادية العادية. بالنسبة إلى الأتراك، كان الذهب الشكل الأكثر شيوعاً للادّخار وللملاذ الآمن من الأزمات النظامية.
  
يُظهر استطلاع حديث للفرع التركي لبنك آي أن جي الهولندي أنه بالنسبة إلى كل تركي من بين أربعة، يُعد الاحتفاظ بالذهب والعملات الأجنبية في المنزل أهم خيار للادخار. خلال الصيف، تضاعف الطلب على الخزنات أربع مرات، حتى وصل إلى أربعة آلاف في الشهر. إضافة إلى الذين يحتفظون بالذهب والعملات الأجنبية في المنزل، هنالك 18% من الأتراك يدّخرون الذهب ضمن حسابات خاصة في البنوك.

خدعة مقايضة مزدوجة
يشير الكاتبان إلى أن احتفاظ الأتراك بالذهب في المنازل أكثر من البنوك حيث بإمكانهم جني الفائدة هو أمر يكشف الكثير. ثمة وعي متزايد بأن ودائع أصحاب الحسابات من الذهب والعملات الصعبة البالغة قيمتها 258 مليار دولار لم تعد آمنة. يعود ذلك إلى إنفاق البنك المركزي التركي 133 مليار دولار دفاعاً عن الليرة.

يُجري البنك هذه العملية جزئياً من خلال خدعة مقايضة مزدوجة: يأخذ البنك المركزي الودائع بالعملات الأجنبية من البنوك الخاصة في المقايضة الأولى ثم يسلمها إلى البنوك الرسمية (مقابل الليرة) في المقايضة الثانية. بعدها، تبيع البنوك الرسمية العملات الصعبة لإبطاء انهيار الليرة. بدأ المواطنون الأتراك يخشون من أن تهافتاً على البنوك سيطيح ودائعهم بالعملات الأجنبية. لذلك، يبقي الأتراك الأذكياء مدخراتهم في المنزل، أكانت ذهباً أو عملات أجنبية. مع ذلك، يجد حزب العدالة والتنمية أساليب جديدة للاستفادة من الاندفاع نحو الذهب.

فضائح ومخططات

في أكتوبر (تشرين الأول)، تقدم نواب الحزب الحاكم بمشروع قانون لتجديد تراخيص التنقيب عن الذهب في تركيا، على الرغم من المخاوف البيئية. عدّل المشرعون قوانين التعدين أكثر من عشرين مرة خلال العقدين الماضيين للالتفاف على التنظيمات البيئية. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى تاريخ الحزب الحاكم بإجراء ترتيبات للمحسوبين عليه من خارج الموازنة، لن يكون مفاجئاً رؤية دفع عمولات من أجل الحصول على تراخيص جديدة للتنقيب عن الذهب. ومراقبة المعدن النفيس جزء أساسيّ لفهم سير الأمور السياسية في تركيا.

بين 2012 و2013، كشف المراقبون انخراط تركيا في مخطط الغاز مقابل الذهب لمساعدة إيران على الالتفاف حول العقوبات الأمريكية. تفاخر رضا ضراب، العقل المدبر للمخطط، بأنه "ساعد في خفض عجز الحساب الجاري لتركيا". ويواجه بنك خلق الرسمي الذي شارك في المخطط تهماً أمام محكمة مانهاتن الفيديرالية لمساعدته إيران على التهرب من العقوبات.

وفي 2018، إرتفعت الصادرات الفنزويلية من الذهب بشكل كبير حتى وصلت إلى 900 مليون دولار، لأن الرئيس نيكولاس مادورو قرر نقل عملية تكرير الذهب من سويسرا إلى تركيا لتفادي العقوبات. وفي يوليو (تموز) 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات ضد شركة تتخذ من تركيا مقراً لها متورطة في شبكة فساد وتبييض أموال دولية يديرها مادورو.

المواطنون والنخب المفترسة

تابع المحللان أن زيادة الطلب على الذهب في تركيا ستؤدي إلى سوق رمادية أوسع في البلاد وستحرص الحكومة على استغلالها. في ديسمبر (كانون الأول)، كشفت الحكومة التركية خططاً لتخفيف القواعد التي تحكم استيراد الذهب من الخارج عبر "إصدار الشهادات والتوحيد المعياري" للذهب غير المسجل الذي قد يحمله الناس معهم وهم يدخلون تركيا. في نهاية المطاف، يعبّر الطلب على الذهب عن وقائع الحياة السياسية والاقتصادية في تركيا.

من جهة، يريد المواطنون حماية الثروة الصغيرة التي يتمتعون بها، ومن جهة ثانية، تسعى النخبة السياسية المفترسة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وسط الفوضى. وسيتحمل المواطنون الأتراك العاديون وطأة السياسات الاقتصادية غير الحكيمة لحكومتهم ومكائدها المرتبطة بالذهب.

"تسجيل كل ما تملكون تحت الوسادة"
إذا تعمقت الأزمة فسيكون على أردوغان منع الودائع بالعملات الأجنبية وتحويل مدخرات مواطنيه بحسب سعر صرف "رسمي" أي أدنى من سعر السوق. وفي 20 نوفمبر (تشرين الثاني) طلب أردوغان من الأتراك "تسجيل كل ما تملكونه تحت الوسادة، في الخارج والداخل معاً، من دون أي سؤال".

يرى إردمير وليشنر أن إبقاء الأتراك ذهبهم في المنزل هو أفضل إجراء مضاد للسياسات الحكومية التركية غير المستقيمة. لكنه يفاقم المشكلة. إن استيراد الذهب يضر بعجز الحساب الجاري لتركيا. ويضعف انخفاضُ المدخرات في البنوك إقراضَ الشركات. بإمكان أن يملي تسلط أردوغان الكثير من الأمور. لكنّه لا يستطيع زرع الثقة.

أسوأ من "البؤس المستقر"

في جوانب كثيرة، يشبه المسار الانحداري للاقتصاد التركي توصيف "البؤس المستقر" للفيلسوف الألماني والتر بنجامين حين كان يتحدث عن التضخم الذي ضرب ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. حينها، كتب بنجامين أن "الظروف المستقرة لا تعني أبداً ظروفاً ممتعة". لكن حتى التدهور "المستقر" ليس مضموناً في تركيا وفقاً لإردمير وليشنر. إذا أدى لقاح فايزر إلى انتعاش الاقتصاد العالمي بحسب ما هو متوقع في 2021، فستنخفض أسعار الذهب مما يؤدي إلى تلقي ثروة الأتراك ضربة قوية إضافية لا بسبب اقتصاد مفلس وحسب بل أيضاً بسبب تقلص قيمة مدخراتهم الذهبية في المنزل.