المعارض الإيراني روح الله زم في المحكمة قبل إعدامه (أرشيف)
المعارض الإيراني روح الله زم في المحكمة قبل إعدامه (أرشيف)
الجمعة 15 يناير 2021 / 11:20

لماذا تخطف إيران المعارضين وتُعدِمهم؟

أراش عزيزي - نداء الوطن

مات الرجل منذ شهر! في 12 ديسمبرد (كانون الأول) استيقظ الإيرانيون على خبر مريع، أقدمت حكومتهم على إعدام الصحافي روح الله زم. اعتبره القاضي الذي أصدر الحُكْم بحقه جاسوساً ومُحرّضاً على العنف وشخصاً "يزرع الفساد على الأرض". إنها تهمة مبهمة وغالباً ما تُستعمَل لوصف محاولات إسقاط النظام الإيراني.

اعتُقِل زم في إيران غداة الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في  2009، ثم هرب إلى فرنسا في 2011 حيث حصل على لجوء سياسي.

انطلاقاً من باريس، أنشأ زم الموقع الإلكتروني الشهير والمعارض للنظام "أماد نيوز" الذي يدير أيضاً تطبيق المراسلة المُشفر "تلغرام" ومنصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي. كان والده، رجل الدين محمد علي زم، مسؤولاً مرموقاً في النظام الإيراني سابقاً، وكانت عائلته على علاقة وثيقة بأوساط السلطة الإيرانية. استعمل زم معارفه لجمع معلومات محورية ونشر وثائق خطيرة عن الفساد الداخلي.

اجتاحت التظاهرات إيران احتجاجاً على البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في ديسمبر (كانون الأول) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018. شارك موقع "أماد نيوز" الذي يديره زم في تنسيق التحركات الاحتجاجية المتفرقة في أنحاء البلد. ونُشِر دليل حول طريقة تحضير قنابل المولوتوف على قناة "تلغرام" التابعة للموقع، لكن عادت القناة وحذفته بعدما اعتبرته طهران تحريضاً على العنف.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تلقى زم اتصالاً مجهولاً وعده بإجراء لقاء في مدينة النجف العراقية مع آية الله علي السيستاني، المرجع الروحي الشيعي الذي يتمتع بسلطة دينية تتجاوز صلاحيات المرشد الأعلى الإيراني.

عبر آية الله العظمى عن دعمه للديموقراطية الانتخابية في العراق وعارض حُكم رجال الدين. كان زم يخطط لإنشاء قناة تلفزيونية ويأمل في مناقشة طريقة تمويل مشروعه. لكنه تعرّض للاعتقال لدى وصوله إلى العراق على يد مسؤولين حكوميين وسُلّم إلى عناصر من الحرس الثوري الإيراني قبل نقله إلى إيران.

واجه زم 17 تهمة جنائية، منها التجسس لصالح فرنسا، وإسرائيل. لم تُقدّم أدلة كثيرة في المحكمة لإثبات التُهَم الموجّهة ضده. وفي شهر سبتمبر (أيلول)، قبل أشهر قليلة على إعدام زم، أُعدِم نافيد أفكاري، المصارع الإيراني الذي دعم احتجاجات 2017 و2018 في مدينة شيراز.

تُذكرنا عملية خطف زم وإدانته وإعدامه بالتكتيكات التي كانت شائعة في الجمهورية الإسلامية خلال أول عقدَين بعد نشوئها. اغتالت الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها في 1979 ما مجموعه 360 شخصاً حول العالم.

في إغسطس (آب) 1991، اغتال ثلاثة عملاء إيرانيين شابور بختيار، آخر رئيس وزراء إيراني قبل أن تطيح ثورة 1979 بالحاكم محمد رضا شاه بهلوي. قُتِل بختيار وسكرتيره في منزله في ضاحية "سوريسنيس" في باريس. اعتُقِل أحد القتلة في نهاية المطاف واعترف بتلقي الأوامر من الحكومة الإيرانية.

من قبرص إلى الفلبين ومن رومانيا إلى الولايات المتحدة، اغتال عملاء إيرانيون كل شخص اعتبروه مصدر تهديد. شمل هؤلاء الرجال والنساء مجموعات متنوعة من الناس، بدءاً من أقارب الشاه المخلوع وصولاً إلى الناشطين السياسيين الماركسيين، والشخصيات الدينية المنتمية إلى الأقلية السنية في إيران.

كان القتلة يعودون في معظم الأحيان إلى طهران ويتلقون ترحيب الأبطال. في 1980، استعانت إيران بداود صلاح الدين، اسمه الأصلي ديفيد ثيودور بيلفيلد، وهو أمركي من أصل أفريقي اعتنق الإسلام، لقتل علي أكبر طبطبائي، ديبلوماسي إيراني سابق تحول إلى خصم علني للخميني، أول مرشد أعلى في إيران.

بعد قتل طبطبائي في منزله في "ماريلاند"، هرب القاتل إلى إيران حيث أصبح صحافياً في المرحلة اللاحقة وارتقى إلى منصب رئيس تحرير موقع "برس تي في" الإلكتروني الإيراني بالإنجليزية.

في 1988، قُتِلت ست شخصيات عامة مرموقة واغتيل مفكرون معارضون في طهران. انكشفت عمليات اغتيال إضافية مع مرور الوقت وعُرِفت تلك العمليات باسم "جرائم القتل المتسلسلة".

بدا وكأن عادة طهران السيئة باغتيال النقاد والمعارضين محلياً وخارجياً خمدت بحلول 1997 بعدما واجهت إيران ردة فعل دولية قوية بسبب عمليات القتل ثم انتُخِب رئيس إصلاحي في الانتخابات اللاحقة.

في 1992 قتل عملاء إيرانيون صادق شرفكندي، زعيم "الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني"، أثناء وجوده في مطعم يوناني في برلين حيث كان يُفترض أن يلتقي بإينغفار كارلسون، رئيس الوزراء السويدي السابق، ومونا سهلين، زعيمة "الحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي".

اضطر الزعيمان السويديان لإلغاء اللقاء في اللحظة الأخيرة، ما أدى على الأرجح إلى إنقاذ حياتهما.

أجرى الألمان تحقيقات مكثفة ولاحقوا القضية بجدّية وسرعان ما صدر حُكم بارز عن محكمة ألمانية في أبريل (نيسان) 1997، فصدرت مذكرات توقيف دولية بحق كبار المسؤولين في النظام الإيراني، بما في ذلك خَلَف آية الله الخميني، علي خامنئي.

بعد مرور بضعة أشهر، في أغسطس (آب) 1997، انتُخِب محمد خاتمي، رجل الدين الإصلاحي، رئيساً لإيران بدعمٍ شعبي واسع وتعهد بإحداث تغيير جذري. حاولت طهران أن تطرح صورة جديدة عن نفسها أمام العالم، فتوقف برنامج الاغتيالات.

ضغط الإصلاحيون والصحافيون الناشطون في إيران على النظام للتحقيق في عمليات الاغتيال، فحوكم 18 عميلاً استخبارياً مسؤولاً عن الاغتيالات واعتبرتهم طهران "عملاء فاسدين". حُكِم على ثـلاثة عملاء منهم بالإعدام.

خلال السنوات اللاحقة، نشأت عشرات وسائل الإعلام المعارِضة خارج إيران وما عاد المعارضون المنفيون يخافون على حياتهم في أوروبا وأميركا الشمالية. لكن أجبر خطف زم وإعدامه المعارضين الإيرانيين المقيمين في الخارج على التفكير مجدداً في التهديد المطروح على حياتهم.

في 17 ديسمبر (كانون الأول)، نشرت تركيا مقاطع فيديو ووثائق تفضح تعاون السلطات الإيرانية مع عصابات المخدرات لخطف حبيب الشابي، وهو ناشط إيراني سويدي ينتمي إلى الأقلية العربية في إيران.

استُقدِم الشابي إلى اسطنبول بحجة موعد غرامي مع عميلة زعمت أنها تريد التعرّف عليه. لكنه خُطِف من اسطنبول وتم تهريبه عبر الحدود نحو إيران وخضع للمحاكمة هناك. ويواجه الآن حُكم الإعدام. 

يبدو أن طهران عادت إلى تكتيكاتها القديمة ولا مفر من التساؤل عن دوافعها لأنها قررت إعدام زم بعد أسابيع على فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية ورغبته في الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني في 2015.

على مر المفاوضات الطويلة التي سبقت توقيع ذلك الاتفاق النووي، حاول الحرس الثوري في مناسبات متكررة أن يعيق هذه العملية باعتقال حاملي الجنسية الإيرانية وجنسية غربية أخرى واستعملهم بكل وقاحة رهائن لديه.

عبر خامنئي والرئيس حسن روحاني عن استعدادهما للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن يعارضهما مسؤولون آخرون بشكلٍ قاطع ويحلمون بتحويل إيران إلى قلعة للمتشددين. يبدو أن عمليات الخطف والإعدام تهدف إلى منع استئناف المحادثات خلال عهد بايدن المقبل.

على الرئيس الأمريكي المُنتخب أن يضغط على إيران إذاً لكبح حملة الخطف والإعدام المشينة وإعاقة سياستها المبنية على استعمال حاملي الجنسية المزدوجة رهائن، تزامناً مع متابعة التواصل الديبلوماسي لتهميش الجماعات المتطرفة في طهران.