الإخواني الأفغاني عبد رب الرسول سياف (أرشيف)
الإخواني الأفغاني عبد رب الرسول سياف (أرشيف)
الجمعة 15 يناير 2021 / 11:43

خطر"الإخوان" في أفغانستان

د.عمار علي حسن - الاتحاد

طغى اسم حركة طالبان، التي تتبنى أفكار "السلفية الجهادية" على ما عداها من حركات دينية في ربوع أفعانستان، حتى يظن المتعجل أنها الوحيدة المنفردة بساحة "الإسلام السياسي" هناك. لكن الواقع يقول بوضوح إن "جماعة الإخوان" لم تفقد وجودها، بل جاءتها فرصة تعزيزه بعد إزاحة طالبان عن الحكم.

ابتداءً، فقد اهتم "الإخوان" بأفغانستان من أيام مؤسس الجماعة حسن البنا، ضمن انشغالهم بنشر أفكارهم في العالم الإسلامي، حيث أنشأوا عام 1944 قسماً للاتصال بالبلدان الإسلامية كافة.

وكان أحد الدوافع الرئيسية لهذا هو مقاومة الاحتلال الإنجليزي لأفغانستان، شأنها شأن مصر في ذلك الوقت. ووجهت الدعوة إلى الأفغاني هارون مجددي عام 1948 لحضور مؤتمر إسلامي بمدينة الإسماعيلية.

وتمكن التنظيم من تجنيد بعض الطلاب الأفغان الذين قدموا للدراسة في جامعة الأزهر، كان من بينهم قادة أفغان كبار لاحقاً مثل برهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف. لكن العلاقة اتسعت أيام الحرب ضد السوفييت، إذ لعب "الإخوان" دوراً ضمن "دعوات الجهاد"، سواء في مجال التدريب والقتال أو في الإغاثة، ولعبت شخصيات مثل كمال السنانيري، وعبد الله عزام، وكمال الهلباوي، وعبد المنعم أبو الفتوح دوراً كبيراً في هذا الشأن.

وتعاونت جماعة "الإخوان" في هذه المهمة مع أجهزة استخبارات عربية، تحت إشراف المخابرات المركزية الأمريكية "سي. آي. إيه" التي تواصلت مع "الإخوان" مباشرة لهذا الغرض في إطار الصراع مع الاتحاد السوفييتي.

وحين نشأت طالبان على أرض باكستان جعلت من ضمن أهدافها الاستيلاء على الحكم في أفغانستان، بعد أن فشل "المجاهدون" في إدارة البلاد عقب خروج السوفييت ودخلوا في حرب أهلية ضروس.

ولم يكن هذا يروق لـ"الإخوان" الأفغان، الذين كانوا يحاولون السيطرة على البلاد، ولذا ناصبوا طالبان العداء، وتحركوا عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان للعب دور مجدداً على الساحة السياسية الأفغانية، وأصبح لهم أعضاء في برلمان 2004.

وعاد "الإخوان" إلى تنظيم صفوفهم في ربوع أفغانستان من خلال المؤسسات الاجتماعية والدعوية، لاسيما "الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية"، التي تتخذ من كابول مقراً لها، وتنتشر فروعها في أكثر من ثلاثين ولاية أفغانية. وقد بنى "الإخوان" علاقة جيدة بالرئيس كرازاي، مكنتهم من تجنيد مزيد من الأنصار، والتسلل بقوة إلى مجال التعليم والثقافة والعمل الاجتماعي الخيري، الذي يعول "الإخوان" عليه دوماً في بناء مجتمع عميق.

ففي مجال التعليم أسس "الإخوان" اثنتي عشرة مدرسة من الابتدائية حتى الثانوية، وأربعة معاهد لتخريج معلمات، وثماني مدارس للدراسات الدينية، وكلها تطلب من الملتحقين بها رسوماً رمزية. وفي مجال الإعلام يمتلك "الإخوان" منابر إعلامية، منها قنوات فضائية مثل "الإصلاح" وإذاعة اسمها "صوت الإصلاح"، ومجلات مثل "إصلاح مللي" الأسبوعية التي تصدر بالباشتو والفارسية، ومجلة "جوان" بالبشتو، و"بيان إصلاح" نصف الشهرية، و"معرفة" الشهرية بالفارسية، وكذلك "رسالة الإصلاح" التي يطبع منها ما يربو على مائة ألف نسخة، وتستقطب أقلاماً أفغانية مهمة.

أما في مجال العمل الخيري، فقد أطلق "الإخوان" "جمعية المساعدات الإنسانية" التي تمارس مهام متطابقة مع نظيراتها "الإخوانية" في كل بلد يكون للجماعة فيها وجود ملموس، مثل العناية بالأرامل ورعاية الأيتام، وتقديم خدمات طبية مجانية وبأسعار رمزية، وتقديم إعانات منتظمة للفقراء.

وأموال هذه الأنشطة كافة تأتي من تبرعات تجار ورجال أعمال وميسورين ونسبة تصل إلى 2% يدفعها أعضاء الجماعة من مرتباتهم ودخولهم.

وهذا التحرك "الإخواني" لا يروق بالطبع لحركة طالبان التي تحاول العودة لبسط سيطرتها على ربوع أفغانستان، وترى أن تمدد "الإخوان" الاجتماعي والثقافي والديني الذي يترجم فيما بعد إلى دور سياسي بارز هو خصم من مستقبلها.