الثلاثاء 19 يناير 2021 / 13:17

بوليتيكو: حقبة ميركل لا تزال في بدايتها

في حين ينتظر العالم خروج المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الساحة السياسية الألمانية في وقت لاحق من هذه السنة، بعد خدمتها في منصب المستشارية حوالي 16 عاماً، يرى كبير مراسلي مجلة "بوليتيكو" في أوروبا ماثيو كارنيتشينغ أن حقبة ميركل لا تزال في بداياتها.

التاريخ لا يحكم على القادة السياسيين بحسب إنجازاتهم في منصبهم وحسب، بل أيضاً بحسب مدى ديمومة تأثيرهم

لم يكن اسم ميركل مدرجاً على لوائح الاقتراع في مؤتمر حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي يوم السبت، لم تظهر حتى في إطلالة إعلامية، ومع ذلك، ظلّ طيفها مسيطراً على الحدث مثل ستارة مخملية.

إشارة واعتراف

كان قرار حزبها السبت بدعم مرشحها المفضل أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الراين-وستفاليا، أكبر من مجرد إشارة إلى أن الاتحاد الديموقراطي المسيحي سيتبع مسار ميركل في المدى المنظور.

عبر ذلك عن اعتراف رسمي بأن ميركل تركت بصمة لا تمحى على أكبر حزب سياسي في ألمانيا، بصمة ستحدد هوية الحزب في السنوات المقبلة.

يعارض الكثير من المحافظين الألمان سياسات ميركل حول اللاجئين والاقتصاد وحتى الجائحة. وفي السنتين الماضيتين، لم تتوفر لهم فرصة واحدة، بل فرصتين، لإنهاء حقبة ميركل. لكنّهم أخفقوا فيهما حسب المراسل.

الأفكار مستمرة

أضاف كارنيتشينغ أن موفدي الحزب قرروا التمسك بوسطية الحزب الشاملة عوضاً عن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتجديد المقاربة المحافِظة التقليدية في المسائل الاجتماعية والاقتصادية.

وحتى ولو كان على لاشيت الذي يواجه تحدياً كبيراً لتوحيد الحزب لمواجهة الانتخابات الإقليمية، أن يقف جانباً، ويفسح المجال أمام رئيس الوزراء البافاري ماركوس سودر ليصل إلى منصب المستشارية، فإن من غير المرجح أن يتخلى التكتل المحافظ عن أفكار ميركل، وذلك بالنظر إلى سجلها. 

ميركيلية
طوال 16 عاماً، نجحت ميركل في الهيمنة على السياسات الألمانية بتخطي الانقسام الآيديولوجي. كلفتها مقاربتها خسارة دعم بعض المحافظين، حيث تحول جزء منهم إلى حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المتطرف. وفي المقابل، استطاعت ميركل توسيع جاذبية الديموقراطيين المسيحيين خاصةً بين النساء اللواتي يشكلن المفتاح الأساسي للنجاح الانتخابي.

كان تصويت السبت اعترافاً من الاتحاد الديموقراطي المسيحي بأنه إذا أراد الحفاظ على هيمنته السياسية، فإنه سيحتاج إلى التكيف مع تطور المجتمع الألماني.

يحدث ذلك عبر اعتناق مقاربة أكثر ليونة وليبيرالية في العديد من المسائل وهي استراتيجية يمكن تسميتها بالـ"ميركيلية" حسب كارنيتشينغ.

أكثر من فوز
للوهلة الأولى، يبدو أن لاشيت فاز على منافسه المحافظ التقليدي فريديريك ميرز بفارق ضئيل بلغ 6%. ولكن في عصر السياسات المنقسمة بشدة، حيث تُحدَد نتائج انتخابية ببضعة أصوات، يعبر هذا الفارق، عن فوز كبير جداً.

لم يخسر ميرز، المنافس القديم لميركل، أمام لاشيت فقط. لقد خسر أيضاً منذ عامين أمام مَن اختارتها ميركل حينها لخلافتها، أنيغريت كرامب-كارنباور.

وبتعبير آخر، تابع كارنيتشينغ، تحددت وجهة حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي للمستقبل المنظور. لم تترك ميركل شكاً يوم السبت حول هذا الموضوع.

بعد بضعة ساعات من خسارته، عرض ميرز الانضمام إلى الحكومة وزيراً للاقتصاد. أسقط المتحدث باسم المستشارة سريعاً هذه الفكرة مشيراً إلى أن ميركل لا تملك خططاً لإجراء تعديل حكومي.
  
عن سر الثقة والصدقية
حتى كلام لاشيت أمام المندوبين كان ميركيلياً بامتياز، إذ قال: "قد لا أكون رجلاً استعراضياً عظيماً، لكني أرمين لاشيت وبإمكانكم الثقة في ذلك". وشجع لاشيت زملاءه على مواجهة واقعٍ نادراً ما يتم الحديث عنه: "العديد منجذبون أولاً إلى ميركل ثم إلى الاتحاد الديموقراطي المسيحي"، معترفاً بأن الثقة والمصداقية اللتين تتمتع بهما ميركل في الداخل والخارج لا يمكن ببساطة نقلهما من زعيم إلى آخر، بل يجب أن يكتسبهما المرء بجدارة.

حكم التاريخ
رأى كارنيتشينغ أن التاريخ لا يحكم على القادة السياسيين بالاعتماد على إنجازاتهم في مناصبهم وحسب، بل أيضاً على أساس ديمومة تأثيرهم.

يوم السبت، اتخذ الاتحاد الديموقراطي المسيحي خطوة كبيرة نحو وضع ميركل على قدم المساواة مع قادة مثل المستشار السابق هلموت كول، ورئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر.

ولهذا السبب، لا تزال حقبة ميركل بعيداً من النهاية، وقد تكون فقط في طور البداية.